في الثلاثينات من القرن الماضي، قال الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي في إحدى قصائده ” إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر” ولم يكن يتوقع آنذاك أنه بعد مرور حوالي تسعة عقود من الزمن، أن القدر سيستجيب ويتحقق للشعب التونسي ما يريده من الحرية والتغيير. حالة استثنائية في الوطن العربي، شهدتها تونس العظيمة، يوم الثالث عشر من شهر أكتوبر 2019، عندما خرج ملايين التونسيين في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، للاختيار بين مرشحين كل منهما نسخة مضادة للآخر، نبيل القروي رجل الأعمال الملياردير صاحب قناة تلفزيونية الذي قاد حملته من زنزانة السجن،وقيس سعيد الأستاذ الجامعي، الذي لم يكن معروفا، ولم يقد حملة انتخابية بالمعنى الحقيقي، والذي لجأ إلى اقتراض المال لتسجيل اسمه كمرشح للانتخابات الرئاسية. نعم، لقد فعلها الشعب التونسي مرة أخرى، بعد قيامه بانتفاضة كبيرة سنة 2011، أزاحت عنوانا من عناوين الظلم والطغيان والاستبداد التي عاشتها ولاتزال تشهدها بعض البلدان العربية، واختار السيد قيس سعيد، أستاذ القانون الدستوري القريب من روح شباب الثورة، الذي يوصف بالروبوت”بسبب طريقة كلامه” وهو الذي قال بأنه ترشح مدفوعا بإكراهات واقع يرى أنه لم يرق إلى تطلعات شعب ثار على نظام فاسد ومستبد. وبهذا يكون الشعب التونسي، قد قدم درسا آخر في الديمقراطية للعالم أجمع، وللسياسيين العرب تحديدا، بعد أن جرّب، منذ انتفاضة البوعزيزي، مسالك التغيير، وطرق بناء دولة الحق والقانون، وكأن الثورة التي بدأها الشعب قبل ثمان سنوات قد اكتمل مسارها ومصيرها يوم 13 أكتوبر 2019 بانتخاب أحد رجالات تونس، القريب من اهتمامات وانشغالات الشعب وخصوصا الشباب، اذ تمكن من استقطاب ما يربو من 31 % من الشباب، الذي لم يسبق لهم أن صوتوا في أي انتخابات حسب صحيفة القدس العربي. إن المجتمع التونسي، الذي اختار شخصية قيس سعيد، الذي لم يعرف له أي انتماء سياسي لا قبل الثورة ولا بعدها، قدم رسالة للسياسيين وعاقبهم على خلفية الفساد المستشري في البلاد، وتدهور الأحوال المعيشية للمواطنين وركود الاقتصاد، وارتهان الحكومات المتعاقبة لاشتراطات المؤسسات المالية الدولية، وسواها من الهموم التي أثقلت كاهل المواطن التونسي طوال المدة التي أعقبت ثورة الياسمين. وفي ذات السياق، يمكن القول: إن ما حققه الشعب، في هاته الانتخابات الرئاسية، يشكل نقطة تحول مضيئة وجب تسجيلها بمداد الفخر في سجل المجتمعات العربية، كما يعود له الفضل في التأكيد على أن الانتفاضات الشعبية التي اندلعت في الوطن العربي، تحت شعارات الحرية والتغيير والعيش الكريم وتحقيق العدالة الاجتماعية، لم تنهزم رغم تراجعها في السنوات الأخيرة، وأن التقدم التدريجي نحو الديمقراطية ليس بالمستحيل أمام المجتمعات العربية التي تتوفر على الإرادة القوية وروح الإصرار على التغيير. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا بحدة، هو:هل سيستطيع الرئيس التونسي الجديد استئصال الفساد المستشري في الوسط التونسي، والتقليص من نسبة الفقر والبطالة التي تشهدها البلاد، وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين وكذا الاقتصاد وبسط سلطة القانون …؟ أكيد أن مهمة الرجل لن تكون سهلة، لكن من المؤكد أن الشعب التونسي بلغ من النضج والوعي وأدرك أن زمن الخوف والاستبداد قد ولى وانتهى. فمتى سيدرك السياسيون في بلادنا العزيزة أن الشعب قادر على أن يلفظهم ويرمي بهم إلى مزبلة التاريخ، وأنه لم يعد أمامهم أي خيار سوى أن يراجعوا أنفسهم وبرامجهم وعلاقتهم بالمجتمع المغربي؟