طوال الرحلة انطلاقاً من “مالطا ” لم أفكر في المحاكمة التي تنتظرني في “طرابلس الغرب” ، ولا مصيري بعدها تاركاً ذلك لمقادير الغَيب ، أحسستُ فقط براحة ضمير تغمرني لتزرع في وجداني عدم الاكتراث بكوني جد مُراقَب ، ممَّن يتربص خطواتي أكان من الصهاينة أو من بعض العرب ، فالعدو واحد يعيده الفعل للوصف الأنسب ، خادم الشرٍّ بالشر ما دام للشر أقرب ، إن سألتََهُ عن السبب ، تحجَّج بذريعة وأخواتها المفتريات لتنسيق أضعف جواب ، والحقيقة التي من الإقرار بها يتهرب ، أن إسرائيل مستمرة في شراء الذمم ليكونوا لها بمثابة أذناب ، يؤيدونها متى أخطأت ويتأسفون متى أدركت بصيص الصواب ، لكنها منغمسة تبقى حتى الأذنين فيما أعلنَت عليهم الحرب ، من أهالي وطن تشهد لهم الأرض أنها فلسطينية أبا عن جد وليست لمن لها سَلَب ، لكنه الزمن الرديء المُرَخِّص للمعتدي احتكار الاعتداء حتى تجود بالعدل العلياء فتُطوى إسرائيل طي كتاب ، المُعَنْوَن ” انتهى حكم الغاب” ، وتُعَوَّضُ الأسباب بأسباب ، أولها إقامة الدولة الفلسطينية الحرة الشريفة وعاصمتها القدس وثانيها عودة المُهجََّرين والدخول لديارهم من نفس الأبواب ، التي ظلت مسدودة حيالهم ما مَرَّ من حقب. … بعض العرب طال الأمد أم قصر مُلحَقون لتصريف فعل “خاب”، عقابا لهم عن التقصير في مساندة ودعم ما استغلوها سياسيا لمرحلة تحت شعار قضيتهم الأولى لإسكات جيل من الفلسطينيين لغاية دفن جزء كبير منهم في التراب ، جعلتهم إسرائيل بغدر قنابلها جثامين تطايرت أشلاؤها تجسم وصمة عار على جبين المتحالفين مع الدولة السراب ، لا تُمْحَى إلى يوم الحساب . … المخابرات الإسرائيلية ، عكس ما يظن حتى المعنيين بمثل الشأن ، تمكنت من وضع عناصر من منتسبيها تراقب مَن أدخلت مراقبته في مذكرة انشغال أشغالها، داخل دول عربية بصفة عامة و مصر بصفة خاصة، الجاعلة منها محطة مُكَلَّف ما بداخلها بتأسيس نواة قيادة ملتحمة كليا مع القيادة الإسرائيلية لوضع العرب أمام أمر واقع نابع من وسط أكبر دولة فيهم تتعامل وإسرائيل وفق منهجية واحدة تفرز خططا موحدة هدفها استئصال العداء الموجه لإسرائيل واستبداله بالانبطاح لها ، هو مجهود مكلف للغاية يتطلب صرف ميزانيات ضخمة وعقد اتفاقيات سرية للغاية مع القوى الأمريكية وجانب مهم من الأوربية بالإضافة للسير بالموضوع شطرا بعد شطر ولو استغرق الأمر انتظار ثلاثة عقود متلاحقة قادمة . … تلك صورة تقريبية لشرح فحوى إحدى مهام المؤسسة المخابراتية الإسرائيلية المُلزَمَة بتكثيف تدخلاتها ليس للتباهي عن كفاءة أو نباهة أو تفوق بثلاثتهم عبر المحافل العالمية المختصة ، وإنما خوفاُ لدرجة الرعب على فقدان إسرائيل استراحة التواجد على تلك الأرض الفلسطينية ولو للحظات من بقائها ، أصعب منها كمهنة في إسرائيل لا وجود لها بالأحرى العبء الثقيل المحمول على عواتق مسؤوليها ، لا نوم عادي ولا أكل طبيعي ولا شرب عند الإحساس بالعطش إلا والمصباح الأخضر يضيء أركان المكتب المميز في خريطة المؤسسات الأمنية لدى السلطات العليا بالأحمر دون ذلك ما أطول ليلها وأسوأ حال نهارها . … من أجل التخفيف عن الضغوطات الداخلية والمخاطر الداهمة لها ، ابتدعت “الهجوم البعيد المدى” المُنَفَّذ على أراضي دول عربية انطلاقا من أخرى غربية ، كما حدث في العراق ويحدث ساعتها في ليبيا القذافي بهدف جر عناية العرب جميعهم لمجريات أمور خطيرة تستحق المتابعة لأوقات قد تطول تستغلها إسرائيل في التنفس الطبيعي والاستعداد الجيد لما يأتي في الطريق كالعادة من تصميمها . … استُقبلتُ في طرابلس بحفاوة تمحي مظهر أي محاكمة مهيأة لشخصي ، ممّا أثار استغرابي للحظات، لكن عقلي استحسن الفاعل وتجاهل أي استفسار عن الموضوع ، لتتحول الزيارة لمجرد إنهاء برامج نشاطاتي الإعلامية بعقد سلسلة من اللقاءات قربتني لما تعيشه تلك الدولة المبتدئة من الصفر في كل شيء، الجديدة مع نظام جديد من الصعب التعامل معه دون الاطلاع على القوانين المنظمة للتدبير العام المستمدة فحواها من الكتاب الأخضر كدستور مَن خرج عن مفاهيمه يُعد عدوا مطالبا بالحكم عليه وفي سرعة مقلقة لمبادئ حقوق الإنسان كما يراها المتتبعون في أمريكا والغرب . أقمتُ بنفس النزل في “الظهرة ” معززا مكرما كل ما أحتاجه أحظي به مجانا ، حتى الغرفة محجوزة باسمي لأجل غير محدد ، المهم كرم حاتمي خصص لي حتى وسائل النقل البري والبحري والجوي ، شيء مهما حاولت نسيانه لا أستطيع . … بعد ثلاثة أيام زارتني العميلة ذي الأصل الإيطالي بأسلوب مغاير تماما للمخابرات الليبية قريب لتقنية المخابرات الإسرائيلية، فعلمتُ أنها مُستَغَلَّة من الطرفين ، وعليَّ أخذ الحيطة للأقصى كي لا أقع في مصيدة لن استطيع الخروج منها . (للمقال صلة) مصطفى منيغ Mustapha Mounirh http://www.tangeraljiha.blogspot.com [email protected]