ينعقد في العاصمة البحرينيةالمنامة يومي الثلاثاء والأربعاء 25 و26 يونيو على التوالي “ورشة عمل السلام من أجل الازدهار” الهادفة إلى إنشاء صندوق للاستثمار دولي بقيمة 50 مليار دولار لإنعاش الاقتصاد الفلسطيني، وإنشاء ممر نقل بين غزة والضفة. يشارك في هذا المؤتمر الذي ترعاه الولاياتالمتحدةالأمريكية وزراء مالية دول خليجية (السعودية، الإمارات، الدولة المستضيفة البحرين)، صندوق النقد الدولي، مصر، الأردن والمغرب، بالإضافة إلى مشاركة إسرائيلية غير رسمية وغير معلن عن حجمها وصفة أعضائها. وتمثل هذه الورشة/المؤتمر الشق الاقتصادي لما يسمى “صفقة القرن” الرامية إلى إعادة هيكلة المشهد الاستراتيجي في الشرق الأوسط بما يضمن استمرار وترسيخ التفوق الإسرائيلي، وتكريس الدعم الأمريكي المطلق للمواقف والسياسات الإسرائيلية. تتحكم في عقد هذا المؤتمر سياقات متعددة مرتبطة بتوقيته إذ يأتي في ذروة التوتر الأمريكي/الإيراني في المنطقة، وبرمزية مكان انعقاده حيث إنه يعقد في عاصمة خليجية، ذلك إن تاريخ الصراع العربي/الإسرائيلي موسوم بمحطات ذات ثقل تاريخي واستراتيجي معتبر أبرزها أزمة النفط الأولى سنة 1973، وبأهدافه الرامية إلى مباشرة التنزيل السياسي ل”صفقة القرن”، وما تتضمنه بنودها غير المعلنة رسميا من خطوات وإجراءات وترتيبات قد تكون غير مسبوقة، ليست أقل تأثيرا من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان. يضاف إلى هذه السياقات ما هو مرتبط بطبيعة الدول المشاركة خاصة العربية منها، فبالإضافة إلى دول الخليج المذكورة أعلاه تشارك كل من مصر والأردن والمغرب. وإذا كانت مشاركة مصر والأردن تكاد تكون “مفهومة” من منطلق كونهما الدولتان العربيتان الوحيدتان اللتان تربطهما اتفاقيات سلام مع “إسرائيل”، فإن مشاركة المغرب –ولو بتمثيلية منخفضة- تحتاج إلى تدقيق وتحليل، نجملها في ثلاث أسباب رئيسية: أولها أن لدى السياسة الخارجية المغربية توجهات ثابتة باتت تشكل نوعا من الميراث التقليدي والرأسمال الرمزي للدبلوماسية المغربية، وعلى رأسها التفاعل المباشر في كل ما يخص القضية الفلسطينية، ونشير في هذا السياق على سبيل المثال لا الحصر للدور المغربي في التأسيس لمسلسل السلام سواء في شقه المصري/الإسرائيلي (اتفاقية كامب ديفيد)، أو في شقه الفلسطيني/الإسرائيلي (اتفاقية أوسلو). يضاف إلى ذلك ترؤس الملك محمد السادس للجنة القدس. كل هذه الأدوار وغيرها تدفع الموقف الرسمي المغربي إلى عدم الانزواء التام عن الترتيبات الآنية والمستقبلية في الشرق الأوسط. ثانيها: على الرغم من مظاهر الاستقلالية التي أصبحت تطبع الخيارات والتوجهات الخارجية للدولة المغربية (التوجه نحو إفريقيا نموذجا)، فإن عوامل بنيوية لا تزال ترسخ الارتباط الخارجي المغربي بالغرب ومن بينها السياسات الأمريكية. فمشاركة المغرب في مؤتمر المنامة لا يمكن فصله عن كونه دعامة أساسية للسياسات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا MENA. ثالثها: تعيش السياسة الخارجية المغربية خلال العقدين الأخيرين على إيقاع تحولات مهمة طالت من جهة أدوات استغال الدبلوماسية المغربية سواء على المستوى الهيكلي التنظيمي أو على مستوى الانتشار الجيوسياسي، وعمدت من جهة أخرى إلى إعادة التفكير في فلسفة وتصور السلوك الخارجي المغربي. وفي هذا الإطار نزعت التوجهات الرسمية نحو بناء نموذج سياسة خارجية ناجحة “smart foreign policy”أبرز مواصفاتها: البراغماتية في التعاطي مع مختلف القضايا، التخلي عن سياسة الكرسي الفارغ (العودة للاتحاد الإفريقي نموذجا)، الحفاظ على المعاقل الجيوسياسية والجيوستراتيجية التقليدية (دول مجلس التعاون الخليجي)، الأخذ بعين الاعتبار توازن القوة في المواقف والقرارات (أزمة قطر). إن الموقف المغربي المعلن عنه بالمشاركة في مؤتمر المنامة وفق تصور مغربي يعتمد أولا على تخفيض التمثيلية (إطار بوزارة المالية)، وثانيا الحديث عن شروط للمشاركة (حل الدولتين، القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة)، وثالثا التأكيد على التقليل من أهمية المؤتمر بشكل غير مباشر بوصفه بورشة قطاعية فنية، كلها عناصر سعت الدبلوماسية المغربية من خلالها لتسويق وجهة النظر المغربية من المؤتمر في انتظار ما سيكشف عنه لاحقا من بنود ل”صفقة القرن”. ٭ باحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية المعاصرة