لازال غياب الثقة هو السمة الأبرز التي تطغى على ما يطلق عليه (حوار)، بين الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، كطرف لا يملك من أمره إلا صوته الذي يجأر به عاليا ليعبر عن مظلوميته،و لا يملك إلا سلمية نضالاته التي تعبر عن علو وطنيته، كما لا يملك إلا التعاطف والمساندة المعنوية لأصحاب الضمائر الحية والعقول الراجحة من أبناء هذا الوطن الذين فهموا معاناته وفهموا مظلوميته وقرروا مساندته. وبين طرف، تمثله (الحكومة)، مستقوية من موقعها وموقع نفوذها، غير متورعة بأن تهدد ثارة و تتوعد ثارة وتهوي بالعصي على رؤوس خيرة أبناء هذا الوطن ثارة. ولا تأبى إلا أن تغذي عدم الثقة في النفوس يوما بعد يوم، بدلا من بنائها وإرساء دعائمها، بقراراتها التي أقل ما يقال عنها ملتوية، ضبابية، ملتبسة، لا تستجيب لتطلعات الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد المشروعة. ومن معالم حرص (الحكومة) على بناء هذا الجو من الريبة والشك، وهدم الثقة والمسؤولية، هو استنجادها بأدرعها الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة من أجل لباس قناع الحرص على التلاميذ وعلى تمدرسهم والخوف على مستقبلهم ومستقبل سنتهم الدراسية، والعزف على هذه المعزوفة طوال الوقت في وسائل الإعلام وتحت قبة البرلمان، لتأليب آباء وأولياء التلاميذ وكذا الرأي العام على الأساتذة، في عملية مفضوحة تقلب الحقائق وتقلب الأدوار، فتصنع من الضحية مستهترا ومقامرا بمستقبل الأبناء، ومن الجلاد ضحية مستكينا بريئا حريصا على المصلحة. لكننا موقنين، كما الكثيرين، أن هذا القناع ساقط منذ أمد بعيد، قد عرى على قسمات الوجه الذي لا يعتلي المناصب إلا لخدمة مصالحه وذويه وعشيرته أو للارتهان لقرارات مملات من هنا أو هناك. ولا تزيد الأحداث هذا الوجه إلا انكشافا وانفضاحا، إذ في كل امتحان يفشل إلا في ترسيخ حقيقة وجهه ومكنونه وعدم الثقة فيه إما بقراراته المتخبطة غير العادلة أو بهراواته العابثة بالرؤوس. فالأستاذة الذين فرض عليهم التعاقد، لم يأتوا من فوق ولم يولدوا بملعقة من ذهب في الفم، إنما عمق هذا المجتمع من خاض مخاضه فأتى بهم، يعيشون معيشه ويأملون بآماله ويحلمون بأحلامه ويحسون بما يحس به ويكتوون بما يكتوي به، لأنهم بكل بساطة جزء منه. إذا، فهم أحرص على مستقبل أبنائه من تلميذات وتلاميذ، وأجدر بالثقة من هذه (الحكومة) التي تتلاعب بحاضره و مقدرات مستقبله كما تلاعبت بماضيه. ولكم أن تفتحوا المجال لكل أب أو ولي أمر ليعبر، دونما جهد كبير، عن اهتزاز ثقته في من يدعي حرصه على مصلحته ومصلحة ابنه التلميذ. أين الحكومات المتعاقبة من قدرته الشرائية ؟ أين هو مجال الصحة التي تشكو المرض العضال ؟ أين هو التشغيل ؟ أين هي جودة الخدمات ؟ أين هو إصلاح منظومية القضاء؟ أين محاربة الفساد ؟ ثم أين وأين وأين مما يعلمه الخاصة والعامة على حد سواء. فمن أجدر بالثقة الأستاذ أم (الحكومة)، ومن أحرص على التلميذ في حاضره قبل مستقبله الأستاذ أم (الحكومة) ومن أجدر بالمساندة والتأييد الأستاذ أم (الحكومة). كيف لفاقد للثقة وفاقد للمصداقية أن يحرص على إبني وإبنك. ألم يكن الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد تلاميذا، كما كان كل أب أو ولي أمر من قبل، فمنذ متى أحس الجميع بحرص وثقة ومصداقية الحكومات التي تعاقبت، فكيف لها الآن أن تأتي وتتمسح بتلابيب كل أب وولي أمر لتتلاعب بعواطفه و مشاعره أمام الشاشات وتبدي حرصها على ابنه، ثم فتستثير غضبه وغضب الرأي العام على الأساتذة. لكن هيهات، فأغلب الناس يعون اللعبة، ويتفرسون الوجوه، كل الوجوه، فيعرفونها ويعرفون من أجدر بالثقة ممن لا يستحقها، ولو فسحت لهم القنوات الموجهة مجالا للتعبير لفضحوها. نعم، إن المعركة التي يخوضها الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد إنما هي معركة لا يدافعون فيها عن كرامتهم التي امتهنت فحسب، ولكن وهم يدافعون عنها، فإنهم يدافعون ضمنيا عن كرامة كل أب وكل ولي أمر في حماية حاضر ابنه، كما يدافعون عن مستقبله لأنه إطار وأستاذ المستقبل ومعرض لما يتعرض له أستاذه اليوم.