إن المتتبع للخرجات الأخيرة لعبد الإله بن كيران رئيس الحكومة السابقة، وخاصة في حديثه عن الملكية والدفاع على نيل سلطاتها كاملة، قد يقول أن بنكيران يتملق للملك، لان هذا الأخير منحه معاشا استثنائيا، أو قد يفهم منه البعض الأخر، أن الرجل لم يستصغ بعد إعفاءه، وانه يحس بجنون العظمة ويعتبر أن المغرب في حاجة إليه، وان الملكية هي أيضا في حاجة إليه والى من يروج لهذه التصورات… الخ. لكن. اعتقد أن الرجل فهم اللعبة السياسية أكثر من أساتذة العلوم السياسية، والمتخصصين في دراسة الأنظمة السياسية، والنظام السياسي المغربي، وهو الآمر الذي يمنعه من الصمت، فهو الذي استوعب طبيعة المجال السياسي المغربي وعرف أن اللعبة السياسية في المغرب، تتحكم فيها قوى خارج المؤسسات الدستورية بما فيها المؤسسة الملكية، وهؤلاء يحافظون على شرعيتهم ومصالحهم الخاصة كلما كان هناك تهديد للملكية، وان لم يكن فهم يصنعونه، ولو على حساب الوطن، لدى لا غرابة في أن نجد النظام السياسي المغربي ينتج التنظيمات الراديكالية ويموّلها ويحافظ على تواجدها. لقد كنت دائما استغرب من التحاق رفاق يتبجحون بإسقاط النظام طيلة شبابهم في الجامعة بحزب الأصالة والمعاصرة، والنضال في صفوفه ضد القوى الساعية إلى دمقرطة النظام وتحرير القرار السياسي. إن هؤلاء ترتكز إستراتيجيتهم على جعل المؤسسة الملكية تحس دائما بالخطر، وينصبون انفسهم في نفس الوقت حماتا لها، مرة خطر الاشتراكيين ومرة خطر الإسلاميين.. وكل مرة يصنعون عدوا لهم، للحفاظ على مواقعهم داخل النظام السياسي، وهم الفاشلون أثناء الأزمات الحقيقية، يسكتون يختبئون يغيبون كأنه لم يكونوا يوما.. هذه القوة، سماها البعض بالمخزن، والبعض الآخر بالقوة الثالثة، وأخرون سموها الدولة العميقة… وأسماء اخرى، وهي القوة التي قال عنها بن كيران مؤخرا أنها لديها “مايستروا”، يصنع الحدث ويرسم خطوط اللعبة، ولكنه يخطئ بعض الأحيان، عندما يتم فضحه ممن فهم اللعبة، وهذا ما يفعله بن كيران، فعندما يقول للملك هؤلاء هم أنفسهم يهددونك لأنهم حاولوا أن يناقشوا قرارا من قراراتك (منح المعاش)، فانه يقول مثل ما قاله هشام العلوي مؤخرا في فرانس24، عندما قال انه نصح الملك بالتخلي عن المخزن. إن الحديث المتكرر عن الملكية من طرف بنكيران، وتحسيسها بأن المغاربة مجمعون على الملكية، وحاجتهم إلى ملك يسود ويحكم، هو تهديد لبقاء هذه القوة، وتهديد لبقاء حكم المخزن.، لان وجوده مرتبط بوجود ردة فعل معادية للملكية، وهو الأمر الذي نفهمه من دور المخزن أثناء تمرد القبائل قبل الحماية وأثنائها. وتجدر الإشارة الى إن استخدامي عبارة المخزن التقليدية، لا تعني أنه لازال على حالته السابقة، فاليوم اصبح المخزن يضم أحزاب سياسية إدارية، لوبيات، رجال أعمال، أعيان، شخصيات في مختلف المجالات، تستحود على الاقتصاد والمقاولة والتجارة، تحتكر القرار السياسي ولا تسمح لأحد أن يشاركها في صياغته، تحتكر كل شيء حتى كرة القدم، المخزن لم يعد أعيان قبائل وزوايا، انه تطور، وأصبح يعمل بوسائل حديثه، من بينها الإعلام. لدى، ليس غريبا، أن نرى هذه الهجمة الشرسة، من قبل الإعلام على عبد الإله بن كيران، اليوم هناك نشر لعمل كبير جدا قامت به جريدة الأخبار بخصوص هذا الأمر، وهو نفس الأمر يقوم به أساتذة جامعيين، وفنانين وممثلين.. الخ، من تنقيب وبحث وتحري وكذب وكل شيء من اجل ماذا، من اجل إبعاد كل من فهم اللعبة السياسية ودخل للتغيير من الداخل، وسعى إلى التدافع مع المخزن وفضحه.. انه أمر ليس بالسهل، وهو الأمر الذي يؤاخذه بن كيران على حزبه، الذي تراجع عن التدافع والفضح إلى التعايش والاستسلام مقابل عرض من الدنيا يسير، لدى يقول مرة “نعم تحسنت أحوالنا المادية ولكن ماشي هادشي لي جينا ليه” فالإغراء احد الوسائل الوظيفية للمخزن. بن كيران فهم اللعبة السياسية وفهم المجال السياسي في المغرب كيف يدبر، لدى فانه لما سكت سكت المخزن (بالمفهوم السابق: قوة تملك وتشتري أحزاب لوبيات أعيان جمعيات إعلام جرائد رجال أعمال مناضلين يساريين، أساتذة جامعيين، مثقفين …بهدف إبعاد كل عنصر جديد لا يريد أن ينخرط معهم وليس منهم)، ولما بدأ بالعودة إلى الكلام، عاد المخزن بقوة ليحرك محيطه، ويسخره للقتل السياسي لرجالات الإصلاح، الأمر الذي تعود عليه منذ عبد الله براهيم وبوعبيد وبن بركة وبوستة واليوسفي … ألان جاء الدور على بن كيران.. * طالب باحث في الدراسات السياسية والدينية