دخل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، على خط الأحداث التي يعيشها السودان منذ أسابيع، مطالبا الحكومة السودانية بحماية حق التعبير السلمي ومنع الاعتداء على المتظاهرين، وبالإسراع برفع المعاناة عنهم ومعاقبة الفاسدين والمعتدين، داعيا الجميع بعدم الاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة، والحفاظ على السلمية. وقال الاتحاد الذي يرأسه عالم المقاصد المغربي أحمد الريسوني، إنه يتابع “ببالغ القلق والألم ما حدث ويحدث في السودان الشقيق، وما وصل إليه معظم الشعب من الفقر والمسغبة، والبطالة، والتضخم مما دفعهم إلى التظاهر للتعبير عما يريدون وهذا في حد ذاته حق مشروع كفلته الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية بشرط الحفاظ على الأمن العام وعدم مصاحبة العنف من جميع الأطراف”. واعتبر الاتحاد في بيان له، توصلت جريدة “العمق” بنسخة منه، أن السوداء “يمر بمنعطف كبير نتيجة أزمة اقتصادية خانقة واحتقان سياسي، تمثلت في الغلاء الطاحن الذي تبدى في شح النقود والوقود والخبز والدواء بشكل غير مسبوق. الأمر الذي فاق احتمال الناس وصبرهم، فخرجت جماهير منهم تعبر عن سخطها عما آلت إليه الأوضاع”. وحذر البيان من أن هنالك “قوى أخرى متربصة امتطت ظهر هذه الأحداث ولها أجندات غير المطالب التي عبر عنها المحتجون”، مشيرا إلى أن السودان “محل اهتمام وتنافس قوى إقليمية لها أهدافها في إضعافه تنتظر لحظة مناسبة لجر السودان إلى مستقبل مجهول يعصف بوحدته وأمنه واستقراره”. وطالب الاتحاد الحكومة ب”بذل أقصى الجهود في تخفيف معاناة الناس ورفع العنت عنهم، وإقامة العدل بينهم، لاسيما أن السودان يزخر بموارد طبيعية كبيرة وكفاءات بشرية مقتدرة، الأمر الذي لا يحتاج من الحكومة إلا إلى حسن التقدير والتوظيف الأمثل لإدارة الموارد، وإلى قطع دابر الفساد والمفسدين”. وشددت الهيئة الدولية على أن حق التعبير السلمي أمر كفلته الشريعة الإسلامية، وهو من باب النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم ويدخل في إطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أنه أقرته المواثيق الدولية والدساتير والقوانين، لافتة إلى أنه “لا يجوز بأي حال من الأحوال إتلاف الممتلكات العامة والخاصة أو تخريبها”. وحذر الاتحاد بشدة، من إراقة الدماء والاعتداء على المتظاهرين السلميين، مستدلا بقول الله تعالى: “وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا”، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً”. ودعا إلى “معاقبة كل من ثبت تورطه في إزهاق نفس معصومة وأن يُنفذ عليه العقاب الرادع، سواء كان من الجانب الحكومي، أو من جانب المتظاهرين أو المندسين فيهم”، و”محاسبة المسؤولين الذين أفضوا بالناس إلى هذه الأحوال والمآلات، سواء كان ذلك بتقصيرهم أو بفسادهم”، مع وضع آليات قوية لمكافحة الفساد وردع المتلاعبين بالمال العام والمصالح العامة. وأكد “علماء المسلمين” على ضرورة الالتزام بالدستور وما نص عليه من آجال، ومن تداول سلمي للسلطة دون أي تعديل في هذا المجال، داعيا إلى تقديم خطاب سياسي رفيق بالناس مشمول بالقول والوعد الصادقين، مصداقا للآية القرآنية: “وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ”. الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي انتخب الدكتور أحمد الريسوني خلفا للشيخ يوسف القرضاوي، خلال مؤتمره الأخير باسطنبول، توجه بنداء إلى الدول العربية والإسلامية، من أجل مؤازرة السودان “بدعم يخفف المعاناة عن شعبه وبتقديم المناصحة للقائمين على أمر الحكم والقيادات المتصارعة بأن يعتبروا بمصائر الدول التي انفرط فيها عقد الأمن وآلت إلى دمار وقتل وتشريد”. ودعا البيان إلى “المبادرة لإصلاح ذات البين وتقريب الشقة بين الفرقاء في السودان، حقناً للدماء وصوناً للأمن وتعزيزاً للحمة الوحدة الوطنية بين السودانيين”، مشيرا إلى أن الاتحاد “على استعداد كامل للمساهمة في كل ما يساعد السودان الشقيق في تحقيق ما فيه خيره وأمنه واستقراره”. واعتبر أن “غياب الأشقاء في الدول العربية عن المشهد في السودان -دعماً ونصحاً- يلقي بظلال سالبة على المكونات المجتمعية ويتيح فراغاً تتمدد فيه أطرافٌ أخرى تتربص به الدوائر، فأي اختلال في أوضاع السودان يؤثر على الأمن القومي العربي، والمسارعة في اتخاذ موقف إيجابي هو مطلوب المرحلة، ويشكل إسهاما قوياً في إزالة الاحتقان وإعادة السكينة إلى أهل السودان”.