يشهد المغرب في السنوات الأخيرة سلسلة من الأحداث المرتبطة بالفضيحة والتشهير أو ما يمكن تسميته ب”الفضائح الإلكترونية” التي تصل إلى حد انتهاك خصوصيات الأشخاص والتشهير بهم أمام العالم إما بنشر صور مخلة بالحياء، أو فيديوهات قد تكون حقيقية أو مفبركة لتصفية حسابات سياسية، أو لأسباب أخرى لها علاقة بعوامل اجتماعية ونفسية وثقافية، مما يجعل أسباب هده الظاهرة تكون بنيوية بالأساس ولا يمكن اختزالها في جوانب دون أخرى كي تكتمل الصورة. صدمة حضارية جديدة: ويرى بعض الباحثين أن الأسباب تكمن في إساءة استعمال وسائل التكنولوجيا مما يعني أن تكنولوجيا الصورة ساهمت في خلق هدا المشكل، وأن التكنولوجيا لم يتم إنتاجها من داخل المجتمع وإنما جاءت كوافد خارجي. هذا الوافد “العولمي” الجديد شكل صدمة حضارية للأمم السائرة في طور النمو، وأثر بشكل خاص على الشباب الناشئ الذي لم يتلق تربية “استباقية” للتعامل مع الثورة المعلوماتية كي تتحول إلى ثروة علمية مهمة تساهم في تنمية الرأسمال الثقافي والبشري والاجتماعي والاقتصادي. هذا يعني أنه لابد من وجود أرضية فكرية وثقافية، ومناعة نفسية وأخلاقية، للتعامل مع تكنولوجيا الصورة بشكل ايجابي وأخلاقي، وليس فقط بشكل نفعي استهلاكي يهلك المجتمع. هذا المعطى، وإن كانت له أهميته العلمية، إلا أنه لا يمكن اعتباره سببا وحيدا لأن ظاهرة التشهير قديمة جدا لكن بوسائل تقليدية وبدائية، ولما جاءت الثورة التكنولوجية جعلت هذه الظواهر تتخذ أشكالا غير تقليدية وتظهر بأثواب عصرية جعلت الفضيحة تنتشر على نطاق واسع. هذا يجعلنا نتساءل عن أسباب أخرى قد تكون أيضا نفسية. قد تكون أسبابا نفسية: هناك عوامل نفسية يعزوها بعض الباحثين إلى “سادية مرضية”، تجعل الأمور تتطور إلى جريمة اغتصاب وتصوير الضحية ونشر ذلك دون مراعاة عواقبه على نفسية الضحية وأسرته نظرا لأنه يعيش هشاشة نفسية تدفعه للانتقام. وهناك حالات نصب وابتزاز أو مجرد انتقام له علاقة بحسابات شخصية. ولا يتوقف هذا المشكل عند هذا الحد، بل هناك فئة عريضة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي تتلقى هذه الفضيحة، وتقوم بتناقلها ونشرها بغرض الفضول والبحث عن “الغرابة” أو التشويق. تساؤلات مشروعة: لا يمكننا أن نخوض في دراسة الأسباب والعوامل المفسرة لهذه الظواهر لأننا لسنا بصدد دراسة علمية أكاديمية، وإنما نحاول فقط إلقاء الضوء على هذه الظاهرة والاشتباك معها في محاولة لفهمها وسبر أغوارها ونشر ثقافة الوعي بخطورة الظاهرة وتداعياتها على المجتمع. مجتمع يعاني الهشاشة والفقر والبطالة والفساد المالي والإداري، هذا يجعلنا نتساءل عن سبب الترحاب الواسع بهذه الفضائح من طرف شريحة واسعة من المجتمع رغم الأزمة التي يعشيها المواطن من ضغوط يومية و”حكرة”، والجري الماراطوني وراء “طرف الخبز”، والكبد اليومي الذي يعانيه مجتمع يعيش ك “الأيتام في مأدبة اللئام”. أمة لا تقرأ لأنه أريد لها أن تشتغل بالحصول على القوت اليومي في غياب تام للعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للموارد، وغياب احترام “الإنسان” على أنه إنسان وليس فقط احترام المنصب والنفوذ والمال. هذه النظرة الاختزالية تجعل كثيرا من الشباب الذي هاجر إلى الغرب يحس لأول مرة بأنه إنسان، ويتذكر أخيرا بأن الله كرمه وخلقه في أحسن تقويم، بينما في بلاده نسي إنسانيته وقدره (بسكون الدال) وقيمته لأن معايير الاحترام تختزل في المال والمنصب والاسم، وليس في القيم العليا التي درسوها لنا في الأقسام الدراسية. هذا الوضع الذي يعيشه الشعب لم يمنع فئات عريضة منه أن تتهافت على “فتنة الصورة” أو بمعنى آخر التركيز على الفضائح وتناقلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي على سبيل الفضول، رغم أن ذلك فيه انتهاك لخصوصيات الأشخاص، وماله من تداعيات نفسية واجتماعية عليه وعلى محيطه. وأنا بهذا لا أحقر من ذكاء الشعب، وإنما أحاول طرح أسئلة تجيب على تناقضات المجتمع. فهناك فئات أخرى عريضة من الشعب تتساءل أيضا عن المستفيد من هذه الأحداث التي أريد لها أن تنتشر انتشار النار في الهشيم، وتنفجر مثل بركان من مدينة بركان إلى مراكش، وانتهاء إلى قبة البرلمان فيما يعرف بقضية “البيكيني ” رغم أن هناك أحداث أخرى لها أهمية كبرى لا تسلط عليها الأضواء بنفس التركيز، وهذا يجعل البعض يرى أنه ربما هناك “إعلام موجه” موازي يتحكم في الأذواق لأسباب معينة، لكنها تبقى أطروحة غير “علمية” أو غير أكاديمية رغم أن لها قوة، وكيفما كان الحال من حقنا أن نتساءل ومن حق المواطن أن يستحضر كافة الاحتمالات. وتطرح تساؤلات أخرى عن المتابعة القانونية لهذه الظواهر وما مدى مسؤولية المؤسسات القانونية في ضبط هذه السلوكيات، وهذا يعني حسب بعض الباحثين “عدم وجود علاقة نفسية واجتماعية بين الترسانة القانونية لحقوق الإنسان وبين الأنماط السلوكية الممارسة في الواقع الفعلي بفعل غياب ثقافة حقوق الإنسان في السلوك والعلاقات”. ويبقى للبعد القَيْمي دور في الحد من هذه الممارسات إذا سلمنا بأن العوامل المسببة لها علاقة بالتنشئة الاجتماعية والنفسية والفكرية، لا يمكننا دائما إيعاز كل المشاكل المطروحة للدولة بل هناك أزمة مجتمع، ليس فقط من الناحية البنيوية لكن أيضا بدرجة أولى من ناحية القيم الاجتماعية المغيبة. أغلب الباحثين في العلوم الاجتماعية يغيبون القيم ويعتمدون على آليات التحليل المادي الموضوعي، لكن القيم تساهم أيضا في تسريع أو تأخير حركة المجتمع، فالتنشئة على القيم الكونية والاجتماعية يقدم مناعة نفسية واجتماعية للمواطن تساعده على توظيف التكنولوجيا بطريقة تسمح بتنمية الرأسمال الثقافي والبشري والاجتماعي والاقتصادي.