للفساد و الاستبداد تكلفة. منها ما يقاس بالدرهم و الدينار، و منها ما يقاس بالتلكفة التاريخية و الزمن التنموي المهدور. هذه كنقطة صلبة تأسيسية لأي محاولة جادة للنقد. النقد باعتباره واجبا و باعتباره أساس اَي عملية تروم التصحيح و الإصلاح واعادة ضبط المسارات التاريخية. لا يستقيم ان يستقيل الجميع من ممارسة ادوارهم التاريخية في التنبيه على المعضلات التي تواجه نموذجنا، ان الدول تزدهر حين تكثر فيها السنة الحقيقية التي لا تداهن و ليس حين يكثر فيها المتملقون اصحاب المصالح العابرة. اننا و منذ الاستقلال ظللنانتأرجح في مكاننا، اننا حين نحاكم اَي تجربة نحاكمها ليس من منظور العدمي، و إنما بميزان ما تحقق في مقابل ما كان يمكن ان يتحقق. الحقيقية المرة التي يجب ان تملئ آذانناهي ان نصف قرن في تاريخ الأمم كفيل بإحداث الرجات و الثورات التنموية الكبرى .و لا حاجة لنا في هذا الصدد الى الإشارة الى دول أصبحت في العالم اليوم تمثلنماذج شالت نعام الغيد بين الأمم)كوريا الجنوبية،ألمانيااليابان،سنغافورة،إيران،..)، دول و أمم كانت قبل خمسين سنة او اقل قليلا في اوضاع تشبه ان لم تكن اسوء من اوضاعنا، غير ان مسلكيتها كانت غير مسلكيتنا ما جعلها تصل الى مواقع الريادة عالميا تنمويا و اقتصاديا و علميا و عمرانيا و لم نصل. يبدو إذن طرح السؤال الصحيح و الصريح واجب من اجل الوصول الى الأجوبة الحقيقية، لا يمكن ان ننتظر الأجوبة التي من شأنها النفاذ الى عمق الأشكال ما لم تكن هناك جرأة حقيقية في طرح الأسئلة الصحيحة. السؤال الأبرز التي لابد له ان يطرح هو ما هي طبيعة الأعطال الكبرى في نموذجنا التي حكمت عليه بأن يبرح مكانه طيلة اكثر من نصف قرن؟ لأيمكن الإجابة على مثل هذه الأسئلة الأكبرى من دون منظار نموذج تفسيري مركب يحاول الإحاطة بمختلف جوانب أعطابنا التاريخية. فعطبنا تاريخي مركب لايحتمل مزيد من التحليلات السطحية، المداهنة، المراوغة، المرتبكة، الملتفة، المتهافتة. عطبنا سياسي، ثقافي، اقتصادي، اجتماعي.. عطبنا التاريخي السياسي اننا نحمل وزر قرون من نمط في الحكم و تقليد في ولاية الأمر لاشك انه ترك معالم لازالت تطبع السلطة السياسية القائمة، ان المغرب ليس من الدول التي نشأت الامس، انه بلد يحمل ثقل قرون من الأعراف و التقاليد السلطانية. قد تكون النظرة الى التاريخ دائما ما يطبعها الحنين و البحث عن الملاذ و الاعتزاز بالأجداد، لكن التاريخ أيضاً قد لايبدو بهذا الشكل النوستالجي الذي يُصور به دائماً. كثيراً ما كان التاريخ عائقا في مسار ارتقاء الأمم، و يمكن المجازفة بالقول بأن جزء كبيرا من عطبنا هو التاريخ السياسي الذي طبعته مجموعة من الأعراف السلطانية امتزجت بلبوس ديني فانتهت الى تشكل بنية سياسية تقليدية عتيقة تستعصي كل محاولات الإصلاح عن تقويمها. لقد افرز تاريخنا السلطاني العتيق بنية يمكن ان نطلق عليها (المخزن)،انها بنية تحمل ثقل تاريخ عتيق تحمل عطبها البنيوي في تكوينها. لا يمكن إذن الإجابة على جزء كبير من اعطابنا في المغرب دون استحضار طبيعة السلطة السياسية القائمة و دون حفر عمودي في جذورها من اجل تفكيك بنيتها، غالبا ما توصف السلطة السياسية القائمة في المغرب “بالمخزن” و هو وسم ذو رمزية بالغة في تحديد معالم هذه السلطة و طبيعة ممارستها لسلطتها التي تعتمد فيها بناء المشروعية على ركيزتين جوهرتين ، التاريخ و الدين . ان دولة “المخزن” تشكل فعلا كيانا مركبا عصيا على الفهم و التفكيك . كل شيئ فيها متناقض و متسق في ذات الان، فكما أن الديموقراطية اليونانية شيء وما صوره الخطباء والمنظرون شيء آخر، فالدولة المغربية التقليدية، ، شيء وما قاله عنها الفقهاء والوعاظ شيء ثان. سنكون مضطرين امام هذا الاحباط الذي يرسمه علينا تحديد مفهوم دقيق للمخزن ان نستدعي هنا واحدا من ممن درسوا تاريخه و حاولوا سنينا تفكيك بنيته : المؤرخ العروي الذي يعتبر ان “ما نسميه المخزن بالمعنى المحدد، النظام الذي كان في القرن التاسع عشر والذي تعامل معه نواب الأجناس في طنجة، هو وليد القرن الثامن عشر، وإن شاركته الإسم أنظمة سابقة .القول إن المخزن دولة ” إسلامية” أو سنية مالكية، أو شريفة، أو تقليدية، أو حتى استبدادية، لا يفيد كثيرا. الوصف الدقيق، المحرر من كل تعريف سابق، هو المنهج الصحيح. للمخزن قاعدة انتاجية، يبحث فيها الاقتصاديون، تتداخل فيها عوامل عتيقة وأخرى مستجدة. للمخزن هيكل اجتماعي، يبحث فيه علماء الأجناس، يعمتد علي هيئتين (القبيلة والزاوية)، لكل منهما أشكال متنوعة ووظائف كثيرة. هذا المخزن يتولي القيادة القبلية وسياستها القمعية، كما يتولي الزوايا وسياستها التأليفية، كما يستمد شرعيته الأساسية من وظيفة الإمامة. يتجسد المخزن في فرد هو المولى / السلطان / الشريف / الإمام. هو سلطان أي أمير، يأمر بالسيف وبالقلم. حوله جيش منتخب من قواد القبائل وكتاب مبرزين من سكان المدن. هو شريف له نفوذ روحي مجرب، ينافس به ويحمي في الوقت نفسه دور العباد وشيوخ الزوايا. هو إمام ساهر علي إقامة الشعائر وإحياء تعاليم الشرع بمساعدة القضاة والعلماء والمفتين والإسم الغالب، لأسباب ذكرناها، هو السيد أو المولى… غير أن الظاهرة الرمزية لا تلغي الواقع الملموس: السلطة بيد رجل يقمع مرة ويؤلف القلوب مرة، بواسطة آليات تتدرج من المرافق التدبيرية (جيش، وزارة، كتابة، عمالة، شرطة، بريد، قضاء، إفتاء، حسبة، إلخ)، إلى الهيئات الاجتماعية (أشراف، علماء، تجار، صناع، شيوخ، إلخ) لتنتهي إلى الأصل والأساس (قبيلة، عشيرة، أسرة).اللفظ العام الذي يصف علاقة الفرد الحاكم بكل واحدة من هذه الجماعات، على اختلاف مستوياتها، هو البيعة (الدال علي الولاء التام الدائم). اللفظ موجود في كل نظام ينتمي إلى دار الإسلام، لكنه اكتسى صبغة خاصة في المغرب العلوي السليماني وعاد لا يكاد ينفصل عن مفهوم السلطان. ” لقد تم تبديدزمن مديد من عمر الأمة المغربية التنموي في التدافع و البحث عن المشروعية،دخلت فيه القوى الوطنية في تدافع مستمر مع هذه البنية وصل في بعض المحطات حد العنف و التصفية و سلوك المسلك الانقلابي قصد تحقيق مكاسب على المستوى الدمقراطي من خلال اقناع/ جبر هذه البنية على ضرورة الاستجابة لمتطلبات الدمقرطة التي تفرضها التطورات المستمرة في المحيط خصوصا في الضفة الشمالية للمتوسط في المقابل خاضت هذه البنية حرب استنزاف من خلال التماسها من القبضة الحديدية منهجا للدفاع عن صلاحياتها التاريخية، فكان الزمن التنموي و التطور الدمقراطي و الشعب ضحية هذا الصراع الذي حسمته القبضة الحديدية التي و ان ربحت رهانه فانها خسرت زمنا غاليا في عمر الأمم. و ما قيمة الانتصار و الاحتفاظ بالشرعية من دون مضمون حقيقي يلمسه الشعب في قوته و زمنه التنموي و ينعكس على حقوقه و كرامته. لقد عرفت بعض النماذج مثل هذه القبضات الحديدة لكنها على الأقل خلفت إصلاحات حقيقية فرضتها دكتاتورية الفرد و استفادت منها الأجيال في وقت لاحق. المأزق ان تمر و تستمر القبضة الحديدية من دون مضمون. يتضح اذن بوضوح انه لا يستقيم الحديث عن الانتقال الدمقراطي و المضمون التنموي و الإصلاح السياسي الحقيقي ،دون الوعي بطبيعة هذه السلطة السياسية القائمة ذات البنية التقليدية التي لا يمكن ان تتعايش مع شيء اخر سوى منطق الرعية و الولاء و الطاعة و ليس واردا في قاموسها مفاهيم الدولة و الحرية و الدمقراطية و ان حملتها كشعارات في مراحل مختلفة من مراحل تطورها ، اننا نعيش كيان تحكمه طقوس مخزنية عتيقة هي اقرب الى تقاليد زاوية منها الى اعرف دولة. لقد قلنا سابقا ان الإجابة عن اعطابنا المركزية يحتاج الى نماذج تفسيرية مركبة و منه لا يستقيم التحامل في تحميل مسؤلية العطب لجهة واحدة. ان هناك مسؤليات مشتركة فبقدر فداحة الأعطاب، يؤكد عبد الله العروي في حوار اجراه مجلة “انفاس” ان معضلته الرئيسة “في قضية الدمقراطية في المغرب هي مشكلة النخبة سواء النخبة في ادارة الدولة او في النخبة في ادارة المجتع و هما شيء واحد بالنسبة له و تناقضها مزيف، مصطنع، مزيف، سوء فهم، خطأ؛ حيث ان ما يوحدها اكثر مما يفرقها و ما يميزهما هو افتقادها هو وعي الحداثة” . هنا لابد من التساؤل هو المسلكية التي اتخدتها النخبة في ادارة الدولة او ادارة المجتمع في تدبيرها لمرحلة ما بعد الاستقلال . هل شكل تعاملها مع قضية الانتقال الدمقراطي بنفس العقلية التي تم بها تصفية الاستعمار من بين اسباب تعثر مسلسل الانتقال الدمقراطي !! حيث طغى جانب الصراع على فكرة التوافق، لا من جانب ادارة الدولة التي كانت متوجسة من قوى سياسية لا تعرف حدودها و افقها السياسي و لا من جانب ادارة المجتمع التي كانت تتعامل مع ادارة الدولة بمنطق الغلبة دون ان تعترف له بالشرعية اذ كان تعتبره استمرار موضوعيا للاستعمار كما عبر عن ذلك عمر بن جلون في التقرير الاديولوجي قائلا ” المخزن هو استمرار للاستعمار بعد مغربته” لقد كان عبد الله ابراهيم يعبر عن هذه الاشكالية العميقة التي لربما كان لها قدر كبير في تعليق مسار الانتقال الدمقراطي بنكتة كان يحيكها لاصحابه يقول فيها ” حنا فحال شي سجناء فشي سجن كينوضو كل صباح ايدفعو الباب حتا العشية مكيتفتحش و ايرجعو بلاصتهم معمرهم فكرو ايجرو الباب جيهتهم نهار جربوا ايجره تفتح” بهذا الوصف يعتبر عبد الله ابراهيم ان الاشكال هو في التعامل مع ادارة الدولة. حتى قانون التعدد الحزبي كان هو صاحبه منذ ان كان وزيرا للعلام رغم انها تضره و كانت مدبرة ضد حزب الاستقلال مع دالك دافع عنها بمبدأية . كان مؤمنا ان لا انتقال دمقراطي بدون اقناع هذه الادارة بضرورة الدمقراطية في البلاد من خلال توافق تاريخي تنجزه كتلة وطنية تضم ادارة الدولة و ادارة المجتمع في نفس الوقت حيث كانت تتجسد فكرته في “توافق صراع توافق”. لقد ظل هاجس الانتقال الدمقراطي موضوعا جوهريا لم ينفك يؤثث النقاش السياسي طيلة النصف الثاني من القرن الماضي الذي تميز يأخذ و جذب كبير و عرف فيه الصراع مداه بين ادارة الدولة و ادارة المجتمع خصوصا مع المحاولات الانقلابية المتكررة و التي كانت مدعومة من محيط اقليمي ساعد على شرعنتها خصوصا بعد اسقاط الملك فاروق في مصر و استلاء العقيد القذافي على الحكم في ليبيا بإسقاط الملك السنوسي ، فكان ان دافعت ادرة الدولة عن مشروعيتها بيد من حديد في مرحلة وسمت بسنوات الرصاص. بلغت فيها الاعتقالات و الاحتجاجات مداها الى حدود اواخر تسعينيات القرن الماضي مع انبعاث فكرة التناوب التوافقي من خلال حكومة عبد الرحمن اليوسفي التي باشرت سلسلة من الاصلاحات تميزت بطابع حقوقي يهم الانصاف و المصالحة و زكاها تولي العاهل الجديد للحكم بعد رحيل الحسن الثاني . ينطرح السؤال من جديد : ألم تكن الشعارات الرنانة المرفوعة في العهد الجديد كفيلة ببث الامل في نفوس الشباب بمرحة جديدة يكون عنوانها دولة الحق و القانون، لكن كل الوقائع كدبت الشعارات تباعاً، غاب صوت الشباب حتى و الملك شاب ، كان الطبيعي ان ترتفع اسهم الدمقراطية و يصان مسار التناوب التوافقي في ظل عرش العهد الجديد، ان يصبح هامش الحريات كبيرا، ان يكون الاصلاح حقيقيا و جذريا ، ان يتم تقسيم الثروة بشكل عادل بين ابناء الشعب ، ان يحارب الفساد ، ان يتم الرقي بالعمل السياسي و تنزيهيه من العبث و الاستغلال و الركوب ، ان تكون هناك فعلا دولة للحق و القانون ، دولة للمؤسسات ، احزاب سياسية مستقلة ، انتخابات نزيهة … كيف لكل هذا ان يحصل و الاشارة الاولى من الملك الشاب كما تتبعها بدقة صاحب خواطر الصباح لم تكن تشي الا بأن الجالس الجديد على العرش وفي لأعراف سلطانية عتيقة لا يملك الفكاك عنها ، انها بنية لا يمكن ان يغيرها شاب جديد وافد. دون العروي في ملاحظاته: «صلاة الجمعة. أول خروج رسمي من القصر إلى مسجد السنة حسب التقاليد العتيقة، اللباس سليماني. العربية عزيزية. والعودة إلى القصر على صهوة جواد أسود كما في لوحة دولاكروا.. كانت قسمات الملك الشاب تختفي وتنحل في صورة من سبقه على العرش.. ثم عاد إلى القصر ومد يده للتقبيل». (ص5) هكذا يصور العروي المشهد الأول في حياة محمد السادس بعد توليه العرش.. إنه يستعين بالتاريخ ليفهم كل المشاهد والمظاهر واللباس. إنه يبحث عن أصول لكل شيء في هذا الطقس البروتوكولي، وسرعان ما يجد الامتداد في طقوس الأسلاف السلاطين العلويين، غير أنه يبرر كل ذلك بما يسميه «البحث عن الشرعية»، المتمثل في التشبه بالأجداد، ليخلص إلى صعوبة الجمع بين الخضوع للتقليد والتحديث والإصلاح، مخاطبا الملك مباشرة: «من لا يخضع للأقنوم (الرمز المقدس) لا يكسب الشرعية، وإذا خضعت وكسبت الشرعية من أين يتسلل إلى ذهنك فكر الإصلاح؟»، ثم يعود ليؤكد أن تكهناته ستكون موافقة للصواب، حين يقول (في الصفحة 6): «كل ما قلناه عن الوفاء للتقاليد سيتركز أكثر عندما ينظم حفل البيعة العامة يوم 20 غشت بمناسبة ثورة الملك والشعب». يزيد العروي فيقول ” السيبة ليس لها شكل واحد ، رغم أن سببها العام واحد : ويرتبط بعجز المخزن على الإدماج ، فبقدر ابتعاد المخزن عن الجماعات ، بقدر ما تزداد مناطق السيبة ، وتتوسع الهوة بين المشاركين وغير المشاركين في السلطة المركزية ” من اجهض تجربة التناوب التوافقي ، من اوقف مسار الانصاف و المصالحة ، من أسس كيانات حزبية هجينة بدون تجذر شعبي و لدون هوية سياسية حصدت الاخضر و اليابس .. كل هذه أسئلة مركزية تسائل في العمق ارادة ادارة الدولة في الإصلاح و من دون الإجابة الحقيقية عن مثل هذه الأسئلة الكبرى بالصراحة الكافية سيستمر المأزق و تستمر الاعطاب و لن نتزحزح من مكاننا بينما الزمن التنموي ينسحب بساطه من تحت اقدامنا في زمن باتت فيه بعض النماذج الأفريقية تسير بخطى تابثة نحو نادي الدول الصاعدة . عطبنا السياسي التاريخي التأسيسي هو أم اعطابنا الذي تفرعت منه كل اعطابنا الأخرى ففي الاقتصاد لازلنا لم نحسم اختياراتنا الاقتصادية، هل نحن دولة فلاحية أم صناعية، و هل يكفي الادعاء لتحقيق المنى، لقد بتنا نردد أسطوانة النموذج الفلاحي و لكن اَي نموذج فلاحي هذا الذي ينتظر كل سنة جود السماء، توالت المخططات بكل ألوان الطيف دون ان يتغير شئ في المحصلة، فشل في النموذج التنموي و المخطط الأخضر ، تعالت الأصوات المبشرة بنموذج صناعي لم تكتمل يوما معالمه و بقيت الادعاءات و التبشير بصناعة الطائرات و السيارات و المناطق الحرة ، لا تكفي الشعارات لاقناع دار لقمان ان تغيير طلائها، الحقيقة اننا لسنا نموذجا فلاحيا و لا صناعيا و لا سياحيا خدماتيا و إنما مزيج من شعارات و خطب هي اقرب الى آمال منها الى نماذج. نفس الارتباك و خبط العشواء طبع اكثر المجالات الاستراتيجية في الأمم و هو التعليم الذي توالت عليه الخطط و الإصلاحات من دون ميثاق وطني واضح و هوية لغوية واضحة و منسجمة مع الثوابت و من دون مدرسة عمومية قادرة ان تصنع الأمل. نحتاج الى من يقول الحقيقة كما هي، و الدول و الأمم ترقى و تنمى كلما كثر فيها خطاب النقد الصارم و الحقيقية غير المداهنة. ان اعطابنا حقيقية و ان الحلول لابد ان تكون حقيقية و ان الزمن لا ينتظر ان تتلقف الأمزجة دعوات الإصلاح و تستجيب لها. نحتاج الى صياغة تعاقدات وطنية كبرى و التزامات تاريخية صارمةتستجيب لفداحة الاعطاب التي تكبل نموذجنا.هكذا فعلت الأمم التي حقاً ارادت الإصلاح قبلنا فتأتى لها. انها مسألة إرادة للتحرر من قبضة الأقانيم التي تكبلنا و تكبل من يحكمنا. ان خطر أنواع العواصف هي التي يسبقها السبات .