بايتاس: ارتفاع الحد الأدنى للأجر إلى 17 درهما للساعة وكلفة الحوار الاجتماعي تبلغ 20 مليارا في 2025    "ما لم يُروَ في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز".. قصصٌ توثيقية تهتم بالإنسان    إحباط عملية تهريب دولية للمخدرات بميناء طنجة المتوسط وحجز 148 كيلوغراماً من الشيرا    رابطة علماء المغرب: تعديلات مدونة الأسرة تخالف أحكام الشريعة الإسلامية    بايتاس: مشروع قانون الإضراب أخذ حيزه الكافي في النقاش العمومي    كربوبي خامس أفضل حكمة بالعالم    كمية مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي تبلغ بميناء المضيق 1776 طنا    وهبي يقدم أمام مجلس الحكومة عرضا في موضوع تفعيل مقترحات مراجعة مدونة الأسرة    وكالة التقنين: إنتاج أزيد من 4000 طن من القنب الهندي خلال 2024.. ولا وجود لأي خرق لأنشطة الزراعة    بايتاس يوضح بشأن "المساهمة الإبرائية" ويُثمن إيجابية نقاش قانون الإضراب    نجاة مدير منظمة الصحة العالمية بعد قصف إسرائيلي لمطار صنعاء    توقيف القاضي العسكري السابق المسؤول عن إعدامات صيدنايا    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الإغلاق على وقع الإرتفاع    خلفا لبلغازي.. الحكومة تُعين المهندس "طارق الطالبي" مديرا عاما للطيران المدني    احوال الطقس بالريف.. استمرار الاجواء الباردة وغياب الامطار    السرطان يوقف قصة كفاح "هشام"    الكلاع تهاجم سليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين المدانين في قضايا اعتداءات جنسية خطيرة    قبل مواجهة الرجاء.. نهضة بركان يسترجع لاعبا مهما    "الجبهة المغربية": اعتقال مناهضي التطبيع تضييق على الحريات    في تقريرها السنوي: وكالة بيت مال القدس الشريف نفذت مشاريع بقيمة تفوق 4,2 مليون دولار خلال سنة 2024    جلالة الملك يحل بالإمارات العربية المتحدة    ستبقى النساء تلك الصخرة التي تعري زيف الخطاب    مدرب غلطة سراي: زياش يستعد للرحيل    العسولي: منع التعدد يقوي الأسرة .. وأسباب متعددة وراء العزوف عن الزواج    تحديد فترة الانتقالات الشتوية بالمغرب    نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    المغرب يفاوض الصين لاقتناء طائرات L-15 Falcon الهجومية والتدريبية    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الثورة السورية والحكم العطائية..    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شعر محمد الحراق الصوفي: تحقيق ودراسة وصفية تحليلية
نشر في العمق المغربي يوم 03 - 12 - 2018


المقدمة
يطمح هذا البحث إلى البحث عن موضع قدم ضمن الأرومة العلمية الأكاديمية، وذلك من خلال تحقيق شعر الحراق الصوفي ودراسته.
موضوع، أعترف أنني وإن كنت قد التفت إليه في البداية وأنا بين إقبال وإحجام، ووقفت مشدوهة أمام الرموز الصوفية الكثيفة الجاثمة بكلكلها على متنه الشعري، فإنني لم ألبث إلا يسيرا حتى استحكمت بخاطري تراثيته، وتأصلت في أعماقي بوادر الرضا عن نفسي، وقد ارتضت السير في درب المنافحة عن أدبنا المغربي. ارتسامات أنى لي نقيضها ؟ وموضوع من قبيل موضوع دراستي، لطالما انتظر وينتظر التفاتة المهتم في صمت، وعليه، فإن لم أبادر أنا أو غيري من الباحثين بفك الحصار عنه، واحتضنه بالتحقيق أو الدراسة، ظل حبيس الرفوف ورهين الكمون والبلى.
أولا : دواعي اختيار الموضوع.
تؤول دواعي هذا البحث إلى عاملين متكاملين : عامل ذاتي وآخر موضوعي.
1- العامل الذاتي: تسليما بأن اعتبار النوازع الذاتية أمر مبرر لتلبس المعرفة الإنسانية بمنتجها، وارتباطها بميول مولدها…، كان مدار هذا العامل في هذا البحث-علاوة على ميولي إلى الشعر خصوصا والأدب عموما- ذلك الصفاء الذي طالعني من شرفة هذا الموضوع الذي أكسبني شرف المجاورة لكتاب الله وسنة رسوله، وتلك المتعة التي تفيأت ظلالها وأنا أعانق قيما روحية وسط زخم الحياة المادية وسلبياتها.
2- العامل الموضوعي:إيمانا بأن الموضوعية هي غاية الدرس العلمي، وحلته التي إن نزعها فقد سمات الصبغة العلمية، تواشجت في تكريس هذا العامل الموضوعي، عدة قناعات وحوافز عمقت الرغبة في التناول، ونشطت الهمة في الدراسة. قناعات وحوافز تتقاطع إجمالا وتفصيلا في النقط الآتية :
1 – تحقيق ديوان محمد الحراق، وبالتالي إحياؤه ليضاف إلى تراثنا الصوفي الأصيل،إذ من الغريب أن يظل هذا الديوان مخطوطا رغم بعد صيت صاحبه، ورغم التغني ببعض روضاته الغناء في الزوايا الحراقية، بل وفي برامجإذاعية غنائية.
2 – تكسير رتابة المقاربات التي تناولت شعر الحراق في إطار مقارنته بابن الفارض، وذلك بمحاولتنا وضع اليد على المحاور الكبرى لهذا الشعر سواء على مستوى المضمون أم على مستوى الشكل.
شعر، احتكمنا في فك مبهمه وغامضه، إلى مخطوط ذي بال تناول بالشرح والتفسير تائية محمد الحراق، ذاك هو شرح ابن القاضي الذي اطلع عليه الحراق فأثنى عليه بجميل الثناء.
3- تقديم شخصية محمد الحراق، باعتبارها شخصية أدبية وصوفية لامعة، قدحت زند التجربة الصوفية، فحازت كتاباتها الشعرية والنثرية القدح المعلى بين كتابات عصرها وقضى لها العارفون بالفصاحة.
4- تقديم أبيات شعرية جديدة، أغفلها أهم مصدر من مصادر شعر الحراق الصوفي، وأعني به مخطوط “النور اللامع البراق في ترجمة الشيخ محمد الحراق ( )،الأمر الذي يؤكد أن ما وصلنا من شعر الرجل، ليس هو الغلالة التي تكفي وتشفي، ويكرس وعينا بضرورة خدمة التراث، وضرورة الكشف عن خبيئه.
ثانيا : المنهج
تبعا للطابع الازدواجي الذي يسم عنوان الأطروحة قيد الدرس تحقيق / دراسة، وانطلاقا من التوجه التحليلي الوصفي الذي تبنيناه للإلمام بأطراف التجربة الشعرية الصوفية، ولاستجلاء ثوابت ومتغيرات المتن الشعري،هذا فضلا عن الإحاطة بصاحبه ومتلقيه وسياقه العام…، قطعت هذه الأطروحة صلتها مع المقاربة المنهجية الواحدة، فألزمتني المراوحة بين ثلاث خطوات منهجية كبرى :
1 – الخطوة الأولى:وهي الخطوة التي استأنست فيها بالمقاربة التاريخية التحليلية، والتي كانت عدتنا سواء في الكشف عن معطيات المرحلة التاريخية التي عاشها محمد الحراق، بما فيها من معطيات سياسية وسوسيواقتصادية وثقافية، أم في إزاحة الستار عن حياة الحراق بأدق تفاصيلها.
2 – الخطوة الثانية : وهي الخطوة التي لا قحت فيها بين جملة من المقاربات، لا سيما لدراسة النص الشعري لمحمد الحراق شكلا ومضمونا.
وهكذا، فقد كنت أراوح في عملي بين النص الشعري وخمسة أمور : التراث الصوفي الإسلامي الذي تخرج به الحراق أولا، والكتابات الصوفية التي حبرها ثانيا، والتراث النقدي والبلاغي العربي القديم ثالثا، وبعض من الدراسات النقدية والصوفية العربية الحديثة رابعا، وتحليلنا الخاص للنصوص الشعرية، وهو ما استثمرنا فيه كل ما سبق من غير هالة ولا إكبار خامسا.
3 – الخطوة الثالثة: وهي التي نهجتها في كل من الدراسة والتحقيق- عبرتلة من أدوات البحث العلمي الإجرائية- والمتجسدة جملة وتفصيلا فيما يلي :
المقارنة : وقد كانت حاضرة سواء في إطار ” المعارضة “، أم في التمييز بين النسخ المعتمدة في صنع ديوان الحراق.
التصنيف : اعتمدته بشكل مكثف سواء في الدراسة أم التحقيق، في الدراسة بفرز المؤلفات النثرية للحراق عن الشعرية، وبفرز مؤلفاته الصوفية عن غيرها، هذا فضلا عن تمييز مضامين النص الشعري عن خصائصه الفنية. أما في التحقيق فقد كان جليا في فرز النسخ المخطوطة عن المطبوعة (بما فيها الحجرية).
الوصف : بغض الطرف عن الوصف الأدبي الذي يحكمه الذوق والمتخيل، كان الوصف العلمي أحد خصائص هذه الأطروحة، حيث إنني اعتمدته في كل من وصف المخطوطات والتعريف بالأعلام ووصف كتابات الرجل النثرية.
الاستنتاج والتعليل والتعليق : لم أترك العنان لنفسي في تقديم هذه القضية عن تلك، وتمييز واحدة دون أخرى، بقدر ما سعيت وإزاء كل قضية، إلى إضفاء طابع المشروعية على عملي في هذه الأطروحة، وذلك باستخراج ما تنطوي عليه النصوص (شعرية أو نثرية) من أحكام وإفادات مع تعليلها والبرهنة عليها، هذا مع الإجابة عن أسئلة محددة من قبيل لماذا ؟ ومتى ؟ وكيف ؟.
التوثيق : اعتمدته غاية في ربط النصوص بمصادرها ومراجعها ضبطا علميا غايته الإتقان، كما وظفته في مجال المعالجة البيبليوغرافية.
التعريف : عمدت إليه في كل مهاد نظري لكل فصل أو مبحث، وذلك لتقريب المتقبل والقارئ من الصورة العامة لكل منهما (فصل – مبحث)، كما عمدت إليه للتعريف بالمصطلحات الصوفية وكذا المصطلحات التي قد تحمل لبسا ما.
ثالثا : التصميم
تشكلت تقاسيم هذا البحث في أفق محاولة إضافة كتاب محقق ومدروس لحظيرة المكتبة المغربية، من مدخل وبابين رئيسيين وملحق. ينهض الباب الأول بصرح الدراسة، ويقوم الثاني بصرح التحقيق، في حين يعنى الملحق بتقديم أشعار جديدة لمحمد الحراق لم يثبتها صاحب النور اللامع، وتغيب عن حفاظ شعر الحراق وأهل زواياه.
المدخل :
شكل مقدمة ماهدة عن المعطيات السياسية والسوسيواقتصادية والفكرية لعصر محمد الحراق، معطيات يتوقف عليها فهم جملة من الأفكار والأحداث :
التوجه الصوفي المعتدل لمحمد الحراق، وتفسير بعض مواقفه السياسية المتأنية والاجتماعية الإصلاحية، وتعليل قوة الطريقة الدرقاوية في حياته.
الباب الأول : الدراسة.
وقد تناولته في فصلين محوريين :
الفصل الأول : حياة وآثار.
افتتحته بالحديث عن حياة الحراق التي عاجت بنا الرغبة إلى رواية أدق تفاصيلها وذلك من حيث : الاسم واللقب، المولد والنشأة، الشهرة والنكبة، التصوف، الشيوخ، الوفاة ثم الشخصية. ثم ختمته بإماطة اللثام عن مؤلفات الحراق النثرية، والتي تصب غالبيتها ( ) في بحر الرمزية الصوفية.
مؤلفات استوجبت مني وقفة متأنية، وذلك لما تنبجس به من معان صوفية، تطوي في عمقها أسس النظرة والتوجه الصوفيين لدى الرجل.
الفصل الثاني : مضامين وخصائص.
بصرف النظر إلى هذا الفصل الثاني، نجده يطوي مبحثين دالين :
المبحث الأول : وقد اتجهت فيه إلى رصد دقيق لقصائد شعر الحراق الصوفي، بغية الإمساك بالمضامين الكبرى التي تنبجس منها، والتي هي حسب المقام التصاعدي كالآتي : الحب الإلهي، الحب المحمدي، السكر الصوفي، زوال الحجب ثم وحدة الشهود.
نزعت في القضية الأولى إلى سؤالين هامين : ما هو اتجاه الحراق في هذه المحبة؟ وإلى أي حد لم يكن عروجه عن قضية الحب الإلهي من قبيل الاستنساخ المرجعي فقط ؟
سؤالان، حررت جوابيهما من خلال رصد ثلاثة فضاءات لهذا الحب عند الحراق :
1- فضاء الوجدان بأسمائه ومفرداته
2- فضاء المكان بجغرافيته ورسومه
3- فضاء الزمن واللازمان بديمومته وفنائه.
واتجهت في القضية الثانية، إلى إبراز الحدود الفاصلة بين احتفاء الشاعر بنظرية الإنسان الكامل كصورة للتجلي الإلهي الأزلي (الحقيقة المحمدية)، وبين تغنيه بالذات المحمدية كصورة بشرية مشخصة للنبوة، هذا مع الإحاطة بكل منها على حدة.
وعمدت في قضية السكر الصوفي إلى التعريج على جملة من النقط المحورية :
1- الإبهام الذي قد يخامر الماسك بتلابيب المعجم الخمري في شعر التصوف.
2- حالة الصحو الدائم التي هي غاية غايات الصوفي.
3- المعاني التي تطويها خمرة الوجدان في شعر الحراق.
نقط خلصت منها، إلى أن الرجل معاقر لشراب الصفاء والتمكين، مستنكف عن شراب النشوة والخمار.
وقبل أن أنعطف إلى قضية وحدة الشهود، باعتبارها أخص مظهر من مظاهر الحياة الصوفية إطلاقا، وأخوض في مميزاتها في شعر الرجل، عرجت على قضية زوال الحُجُب، لأزيح الستار عن خصوصية ذلك السوى المعوق لخطوات الرجل في رحلته اتجاه الذات العلية، وأسلط الضوء على كل من العوامل المحفزة له على نجح هذه الرحلة، والعوامل المعاكسة التي تحول دون ذلك النجاح.
المبحث الثاني : تحولت فيه إلى الخوض في الخصائص الفنية في شعر محمد الحراق، مبتدئة بأصناف نصه الشعري، سيما وأن أول لقاء للعين بهذا النص الشعري في جملته، يوحي بكتابة شعرية تتجاوز الوثيرة الواحدة (نظام الشطرين، تخميسات، موشحات) والنمط الواحد، هذا فضلا عن الطابع الازدواجي الذي يسم نصه الشعري : أدب مدرسي وأدب شعبي، من هناوعلى هذه الجديلة، خلصت إلى أربعة أصناف شعرية :
1- القصائد، 2- المخمسات، 3- الموشحات، 4- البراول.
أصناف خرجت من تناولي لمميزاتها بملاحظ هامة.
أما في قراءتي لآليات النص الشعري لمحمد الحراق باعتبارها (أي الآليات)، قدساهمت في إثراء فاعليته الشعرية، وملامسة الهاجس الصوفي فيه، فقد اهتديت إلى ثلاث آليات هي على التوالي :
الآليات الأسلوبية والآليات البلاغية ( بديعية وبيانية ) ثم آلية المعارضة.
حُمْتُ حول كل أداة من الآليتين الأوليتين، فبينت المقصود منها لذاته والعارض، وأفصحت عن أهميتها في خدمة تجربة الرجل الصوفية.
أما عن آلية المعارضة، فقد كانت مما لا يمكن أن يغفل في معالجة شعر الحراق الصوفي،سيما وهو الشعر الذي ينضح بأصداء قوية لنصوص غائبة قرأها الرجل وحفظها، فجرب إعادة كتابتها محتذيا أحيانا، ونازعا إلى التجاوز أخرى.
احتذاء وتجاوز، شدني السعي في هذه الآلية (المعارضة)، إلى إضفاء المشروعية عن الأول وإظهار ملمح الثاني، وذلك بتقديم نماذج شعرية للحراق مقابل نماذج مماثلة لشعراء آخرين.
وبالتحول إلى آخر نقطة من نقط الفصل الثاني والتي خصصتها لإطار النص الشعري (الوزن والقافية) باعتباره أشهر إيقاعات هذا النص، أمضيت النية على رصد أهم ملامحه في كل صنف من أصناف النص الشعري الحراقي على حدة، ودونأن أدَّعِيَ الإحاطة بأسباب اختيار الرجل لهذا الإطار أو ذاك، تلك هي المحاور الكبرى التي دارت بي ودرت معها خضم هذا الباب.
محاور، خرجت من تناولي لها بخاتمة أكدت فيها ما توصلت إليه من نتائج، وأحطت فيها بأهم خصائص شعر محمد الحراق، وبأهم سمات سلوكه الصوفي، كما حاولت أن أفتح من خلالها بعض آفاق البحث في مجال التراث الصوفي عموما والأدبي خصوصا.
الباب الثاني : التحقيق
حققت فيه ديوان محمد الحراق، وقد قدمت له بمقدمة ماهدة تناولت فيها مصادر شعرالحراق وأنواعها وقيمتها التوثيقية.
واتجهت في صنع الديوان، إلى جمع الأشعار التي بلغ عددها اثنان وستون نصا، وتحقيقها تحقيقا علميا، حرصنا من خلاله على شكل النصوص، وشرح الغامض من المصطلحاتمع الالتزام الأمين بالمخطوط الأصل رغم ما قد يتخلله من أخطاء، ثم الإحالة في الحواشي على ما يستلزمه من صواب، هذا بالإضافة إلى إثبات نسبة عالية من النصوص المعارضة سواء في الأدب الفصيح أم العامي، وعزو الشعر المبثوث بين ثنايا القصائد إلى أصحابه، ورد الأبيات المخمس عليها إلى قائليها، ثم تخريج العلام الواردة في الديوان بالرجوع إلى كتب الأنساب والأعلام…
أما عن ترتيب الأشعار، فقد حرصت على ترتيبها مُبوَّبة على حروف المعجم، مقدمة الروي الساكن فالمنصوب فالمرفوع ثم المكسور، ومتجاوزة بذلك الترتيب حسب المضامين الشعرية، لكون الديوان محكوم بلغة الرمز التي يصعب معها تحديد ملامح مضمون قصيدة عن أخرى، هذا فضلا عن أن القصيدة الواحدة قد تندغم فيها جملة مضامين، ومتجاوزة في الوقت نفسه صنعة ” الدلائي الرباطي “، لأن الترتيب حسب البحور لا يستجيب للفضاء السمعي لبعض القصائد الملحونة والموشحة، إذ منها ما تنطمس فيه معالم العروض الخليلي كالبراول مثلا، ومنها ما يستوعب البحرين، الأمر الذي فاق حدود هذه المعالم هذا وقد خصصت للديوان فهرسين :
فهرس لقوافي القصائد حسب حروف المعجم، وفهرس لقوافي القصائد حسب البحور الشعرية، كما أنني أرفقته (الديوان) – خدمة للقارئ – بمجموعة من الفهارس تتعلق بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والمصطلحات الصوفية، وقوافي الأبيات الشعرية المعارضة والمتضمنة والمخمس عليها، والأعلام والأماكن، وختمت هذه الفهارس بفهرس عام لمحتويات الرسالة.
الملحق :
إيمانا بأن ديوان الحراق جمع صنعة ” الدلائي الرباطي ” لا يمثل بحق كل الإنتاج الشعري لمحمد الحراق، أمضيت النية – وأنا بعد في الخطوات الأولى من هذا البحث الذي كانيحمل في البداية العنوان الآتي : شعر الحراق، جمع وتحقيق ودراسة – على البحث عن زائد موثوق من شعر الحراق.
بحث، إن كنت أنسى، فلن أنسى أنني وإن كنت قد أقدمت عليه وشعلة حماسي متوقدة، لم تكن نتائجه في مستوى تلك الشعلة ولا في مستوى الوقت والجهد المكرسين له، لأن ما عثرت عليه في قلب المخطوطات والطبعات الحجرية، هو زيادة متواضعة جدا لا تتعدى بعض النتف وقصيدة مبتورة الأول والأخير.
هكذا، وعلى إثر هذا أدْلفتُ زيادتي المتواضعة ضمن الملحق، في انتظار التفاتة مهتم جديد، وفي انتظار معالجة شاملة للمخطوط المغربي. وعمدت – وأنا على مضض، وبعد استشارة الأستاذ حسن جلاب – إلى تعديل عنوان البحث الذي صار كالتالي : شعر محمد الحراق الصوفي، تحقيق ودراسة وصفية تحليلية.
والذي أتمنى أن يكسوه الله وعلى أكبر تقدير، حلة القبول ليكون عند حسن الظن المأمول.
رابعا : الصعوبات
أما عن الصعوبات والعراقيل التي رافقت هذا البحث – في تواضعه وقلة طموحه– فإنني لا أجد في نفسي المدعاة للتأكيد عليها واستقصائها، لأن الحديث عنها هو من قبيل البدهي وتحصيل الحاصل ليس إلا، إذ ليس هناك بحث علمي أنجز دون أن تضيق فسحة صدر صاحبه لعثرة أو لأخرى.
والسلام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.