غني عن البيان ما أولاه المغاربة من عناية واهتمام بالسيرة النبوية، حيث كان من هديهم الحرص على ختم ومدارسة كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض ( ت 544 ه) خاصة في مناسبة المولد النبوي الشريف. بل منهم من يختمه في كل شهرة مرة. و كان القصد من وراء ذلك جليا في ربط العباد بسيرة وشمائل المصطفى صلى الله عليه وسلم . و في هذا الإطار و تزامنا مع الحملة الوطنية التحسيسية السادسة عشر لوقف العنف ضد النساء، نغتنم هذه المناسبة لبيان منهج النبي صلى الله عليه وسلم في معاملة المرأة، و العطف عليها، و قد تجلى ذلك في مواقف عديدة؛ نذكر منها: أولا: كان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان يُسَّرُ ويفرح لمولد بناته، فقد سُرَّ واستبشر صلى الله عليه وسلم لمولد ابنته فاطمة رضي الله عنها، وتوسم فيها البركة واليُمن، بخلاف ما كان يفعله أهل الجاهلية، فقد قال الله تعالى عنهم: ” وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ. وفي هذا درس منه صلى الله عليه وسلم بأن من رُزِق البنات وإن كثُر عددهن عليه أن يُظهر الفرح والسرور، ويشكر الله سبحانه على ما وهبه من الذرية. ثانيا: ترغيبه عليه الصلاة والسلام في تربية البنات، قال صلى الله عليه وسلم: “من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يُهِنها، ولم يُؤْثِرْ ولده عليها – يعني الذكور – أدخله الله الجنة” وقال أيضًا: ” من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أختان، فأحسَنَ صحبتهن واتقى الله فيهن، فله الجنة”. ثالثا: نهيه صلى الله عليه وسلم عَنْ ضَربِ النِّساءِ، فقالِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: “لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللهِ”، وَتوعَّدَ الَّذِينَ يُؤذُونَ النِّساءَ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:”اللهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيْمِ وَالمرْأَةِ”. والمعْنَى أنَّ من ظَلَم هَذَين الصِّنْفَيْنِ مُعرَّضٌ للحَرَجِ والعُقوبَةِ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَة. و الإيذاء محرم بكتاب الله تعالى: “وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا”. رابعا: ترغيبه صلى الله عليه وسلم الأزواجَ فِي النَّفقةِ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، فَقَالَ عليهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: “إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُهُ فِي فِيّ امْرَأَتِكَ” . و ربنا عز وجل أمر في كتابه بالانفاق على الأزواج فقال: “لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا”. خامسا: أنه يوصي بالنساء في آخر وصية له في حجة الوداع، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، أَنَّهُ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَّرَ وَوَعَظَ، ثُمَّ قَالَ: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٍ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، إِنَّ لَكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ، فَلَا يُوَطِّئْنَّ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ». وَمِنْ تكْرِيم النبيِّ (صلى الله عليه وسلم) للمرْأَةِ أَنَّه نَهى الأزْواجَ عَنْ سُوء الظَّنِّ بالزوْجَات, وَتلمُّس عَثَراتِهِنَّ، فَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: “نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلاً؛ يَتَخَوَّنُهُمْ، أَوْ يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ” [مُتفق عليه]. Zone contenant les pièces jointes