الشهرة.. هذه الكلمة البراقة، الزاهية، المنشودة لدى الجميع؛ كبارا وصغارا، شيبا وشبابا، رجالا ونساء، استحالت، خلال الأزمنة المتأخرة، إلى “أيقونة ملائكية” يتساقط الجميع على أعتابها، ويخطب الجميع وُدَّها، ويهتف الجميع باسمها؛ سرا وعلانية… من أجلها استُرخِصت الأموال، وانتُهِكت الأعراض، وانتَشرت الشائعات والأكاذيب، وظُلِمت الأنفس، وانقلبت الموازين، و تحولت المعاني والفضائل السامية إلى مَسْخرات، وتفاهات، وأصبح إتقان “فن الكذب”، والمراوغات الإيتيكيتية، و”اتشلهيب”- مطايا اعتلاء المنصات، وقيادة الناس، والظهور على واجهات الأحداث، والفعاليات،…- ؛ مهاراتٍ، وفطنا، و”خفة دم”،.. !! لقد انتشر التسميع والرياء وحب الظهور في أوساط المثقفين والسياسيين والقادة، بحدة لا يمكن تفسيرها إلا بالفراغ الروحي، والخصاص الفكري، والشح الإبداعي، الذي يعيش عليه الكثير من مثقفينا، وعلمائنا، وقادتنا الأشاوس. بل وتلامذتنا وطلابنا الراسبين في مكابدة العلم بالرُّكَبِ، والسهر، والإجهاد الفكري والعقلي؛ فبحثوا لهم عن “نجاحات” أخرى يحققونها بأقل الخسائر، وأضعف الجهد، فوجدوها في مرابض الشهوات والشبهات؛ يتلمسون فيها التميز، والفرادة، والتفوق على حساب الخُلق والدين.. حتى هؤلاء أصبح نشدان الشهرة عندهم ، غاية الغايات، ومنتهى المقاصد والرغبات. ولقد اختار الكثير من عديمي المروءة العلمية، والوجاهة الأخلاقية، عندنا، ان يسلكوا أبسط السبل إلى لفت الأنظار إليهم، وكسب الحديث عنهم، والظهور في اهتماماتهم، عن طريق الانحراف عن أعرافهم، وانتهاك خُوَيْصَات قناعاتهم الفكرية والأخلاقية والمذهبية، لاستثارة ثائرتهم، و”الفوز” بردود أفعالهم التي ستدخلهم إلى مسالك الذكر، والاهتمام، والشهرة بين الأنام ولو كان ذلك عن طريق اللعنات؛ ليدخلوا التاريخ من باب الوساخة، والشِّينِ، واللعنة الأبدية،… كل هذا لا يهم عند هؤلاء، مادام “الاسم” قد سُجِّل، والرغبة في اعتلاء منصة الظهور قد تحققت، وكل ما يلي، ذلك، بعد ذلك، تفاصيل، وتفاهات لا تستدعي التفاتا ولا اهتماما. نعم، من أجل “الشهرة” ، انحرف الكثير من الناس عن الجادة، وباع الكثير من المهووسين بنظرات الناس واهتماماتهم؛ ضمائرهم، وقناعاتهم، وأصبحوا عبيد “لذة الذكر”، وسدنة الكبار؛ يستجدون عروشهم، ويتمسحون بأعتاب قاماتهم العليا، ليحافظوا على مواقع الشهرة والمكانة، ومناصب الظهور والفخامة، التي نالوها بكل وسائل الخداع، والزبونية، والمحسوبية، وتقبيل الهامات والأيدي. من أجل الشهرة خرج علينا مثقفون جدد، لا يعترفون بدين ولا بخُلق. دعاة على أبواب الفتنة. لا يتركون جميلا إلا قَبَّحُوه، ولا مُصلحا إلا حاربوه، ولا خُلقا إلا احتقروه، ولا دينا إلا استهزؤوا به وسخروا من أتباعه ودعاته .. باحثون عن شهرة بين يدي اللعنات، وفي خضم الرفض، بعد أن أعياهم اقتعاد مقاعد السبق في مجالات الإبداع والعطاء، وتقديم البديل النافع، والرأي السديد الراشد. ولقد حاولت من خلال تتبعي لبعض المشاركات الفكرية، والمساهمات الأدبية والفنية، والآراء السياسية والأيديولوجية، لهؤلاء الباحثين عن هذا الصنف من الشهرة في المواقع والمنابر الإعلامية؛ الإخبارية و الاجتماعية والثقافية، أن أجمع، في عناوين محددة، أهم تطرقاتهم التي أحرزتهم اهتمامات القراء، وانشغالات المتتبعين، حتى أصبحت مشاركاتهم، الشاذة والبئيسة، تحوز مآت، إن لم أقل آلافا، من المشاهدات وعشرات التعليقات؛ حتى أشعلت أوار جشعهم بالمدلهمات والمصائب التي لا تغتفر؛ فانتهى بعضهم إلى مزبلة التاريخ غير مأسوف عليه، وانتهى ذكره من الوجود بعد أن كان لاسمه طنين في الآذان كطنين إبليس اللعين، تخنسه الكلمة والكلمتان… !!! قلت: فهذه باختصار شديد أهم التطرقات التي اهتدت إليها هذه الكائنات في درب البحث عن “الشهرة”/الحلم المفقود، واعتبرتها سبيل الولوج إلى اهتمامات الناس وانشغالاتهم؛ أوردها في الملامح التالية: 1- السخرية والاستهزاء بالدين ورموز التدين والمتدينين وعلماء الدين ودعاته،..ومناصرة المروق الأخلاقي والديني . 2- نشر أخبار وصور الميوعة والانحلال والفضائح، والتشجيع على نشر الرذيلة والميوعة في الناس. 3- مخالفة الناس في كل معروف، والشذوذ عن إجماعهم في القضايا المجتمعية الفاضلة. 4- الدعوة الصريحة إلى التطبيع مع الفساد والاستبداد، والتطبيل للمفسدين ضد دعاة الاصلاح والخير… 5- نشر “الفكر السياسي العدمي” والترويج له، ب”سب” الحكومة، والأغلبية والمعارضة، والدين والملة، والسماء والأرض،… وعدم الاعتراف بالجميل لأحد.. 6- المس بالقضايا السيادية للوطن، والإشادة بدعوات الانفصال، والانتصار للاحتجاجات الممولة من قبل أعداء الوطن ووحدته،… 7- تخليل الكتابات الأدبية بلغة دارجة سوقية، ذات إيحاءات جنسية، لاستثارة ذوي الضمائر الخاوية، و”الفوز” بتفاعلهم، و”قهقهاتهم”…!. … ولعل آخر ما نضحت به قريحة بعض الباحثين عن الولوج إلى “دائرة الضوء”، بعد أن ران عليهم وعلى إطارهم ركام النسيان؛ الدعوةُ إلى التحييد المطلق للغة العربية الأصيلة (الكلاسيكية) من التداول المدرسي، واستبدالها بما “درج” عليه المغاربة في الأسواق، والحمامات، والشوارع،… من العاميات، و”الدوارج” . والحقيقة أن هذه “الدوارج” لا تحتاج منا إثارة كل هذه الزوابع “اللغوياتية” والهوياتية، ما دامت لا تعاني من أي “اضطهاد” أو مصادرة لوجودها بالقوة في تداولنا اليومي، البيتي والمدرسي سواء، حتى ننبري مدافعين عنها ومنافحين !!!. مما يجعلنا نشك أن يكون الهدف من هذه “الإثارات” استفزازا لطائفة مجتمعية تعتبر ذلك مسا بلغة الدين الإسلامي: قرآنا ومناسكَ عبادية، وكسبا لردود أفعالها العاصفة التي ستحقق لها الولوج إلى نادي “الشهرة” من أوسع أبوابه !!.( ولقد فصلنا في هذا الموضوع في مكان آخر). نعم، هذه بعض أهم العناوين التي تشتغل عليها هذه الكائنات، والتي أصبح لها “شأن”في سوق الناس؛ وإن كان “شأنَ سوءٍ”. وأصبح لما تكتب متابعين؛ وإن باللعنات. فتحقق لديها حضور حقق لها جزءا من رغبات قلوبها المريضة بالتسميع، والرياء، وحب الظهور، والذكر، …ولو على حساب الدين، والفضيلة، والإنسانية، وشهادة الخَلق في الدنيا والآخرة،…نسأل الله العفو والعافية!!!! دمتم على وطن.. !.