إعلان لاعب كرة القدم الألماني من أصول تركية، مسعود أوزيل، اعتزاله على المستوى الدولي، فجر جدلا واسعا في الأوساط السياسية والرياضية والإعلامية في ألمانيا. وبقدر ما أثاره القرار من جدل واسع، فجرت أسبابه أيضا ردود أفعال متباينة، تعقيبا على ما قاله أوزيل في خبر إعلان اعتزاله، في بيان نشره، أمس الأحد، على صفحته بموقع "تويتر". وكتب أوزيل يقول: "بقلب ثقيل، وبعد الكثير من التفكير، وبسبب الأحداث الأخيرة، لن أعود لألعب على المستوى الدولي بعد هذا السلوك العنصري الذي تعرضت له وعدم الاحترام". عبارات أكدت أن قرار الاعتزال يأتي على خلفية ما تعرّض له اللاعب من تعليقات "عنصرية"، وما أثارته في ألمانيا صورة ظهر فيها، في ماي الماضي، بالعاصمة البريطانية لندن، مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. "معاملة عنصرية" عقب ظهوره في الصورة مع الرئيس التركي، و"غياب الدعم من الاتحاد الألماني لكرة القدم"، و"البروباجندا اليمينية المتطرفة" في الإعلام الألماني ضده.. ثلاثية تتصدر أسباب اعتزال لاعب "أرسنال" الانجليزي، وفق منشوراته عبر مواقع التواصل. زلزال يضرب العالم الافتراضي والصحف إعلان الاعتزال الذي ورد في 3 منشورات على الصفحات الخاصة ب"أوزيل"، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لم يستقطب اهتمام 71 مليون شخص فقط، هم إجمالي عدد متابعيه عبر مواقع "تويتر" و"فيسبوك"، و"إنستغرام"، بل تصدر أيضا صفحات ومواقع الصحف والمجلات الكبرى في ألمانيا. وحتى الساعة (14.31 تغ) من اليوم الأثنين، حازت منشورات أوزيل بالمواقع الثلاثة، على 232 ألف إعجاب على "فيسبوك"، و1.8 مليون على "إنستغرام"، وأعيد نشرها 177 ألف مرة على "تويتر". أما إعلاميا، فقد احتل خبر اعتزال أوزيل وتداعياته صدارة مواقع كبرى الصحف الألمانية. صحيفة "بيلد" (خاصة) واسعة الانتشار، كتبت تقول: "أوزيل يدافع عن صورته مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان". وسلطت الصحيفة الضوء على عبارة ذكرها أوزيل في منشوراته، وهي: "سواء كان الأمر يتعلق بالانتخابات الحالية أو السابقة أو التي سبقتها، كنت سأتخذ القرار ذاته باتخاذ الصورة مع الرئيس". وفي تقرير آخر بعنوان "هذا كل شيء ل'أوزيل'"، انتقدت الصحيفة نشر اللاعب الألماني منشوراته الثلاثة باللغة الإنجليزية، وليس الألمانية. وقالت: "أوزيل هو المواطن الألماني الوحيد في منتخبنا الوطني الذي يتحدث للرأي العام الألماني بالانجليزية.. علامته التجارية العالمية تبدو أهم بالنسبة له من التحدث للناس الذين يفهمونه (الألمان)". وتابعت أن أوزيل "لم يشكر في منشوراته المشجعين الذين غمروه بالدعم، أو مدرب المنتخب يواخيم لوف الذي جعل منه بطلا عالميا". ومضت تقول: "والأكثر أهمية، أنه لم يبد التزاما بقيم مثل حرية التعبير والتسامح، وهي القيم التي تمثلها ألمانيا والاتحاد الألماني لكرة القدم". بدورها، قالت صحيفة "دي فيلت" (خاصة): "لقد أظهرت الأزمة إلى أي مدى يعيش أوزيل ممزقا، وربما هو ليس الألماني الوحيد من أصول تركية الذي يعيش هذه الحالة". وأضافت: "من يقبل بالحصول على الجنسية الألمانية وارتداء قميص المنتخب الوطني، يجب أن يعرف ما يعنيه ذلك، وأن يقرر ما إن كانت لديه القدرة والرغبة للقيام بذلك أم لا". أما صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" (خاصة)، فرأت في "اعتزال أوزيل انفجارا هائلا، سيتردد صداه في كل مكان، ليس فقط في ملاعب الكرة، بل في الأسر والمدارس والسياسة، ومن برلين (شمال) إلى ميونخ (جنوب)، ومن حزب البديل لأجل ألمانيا (يمين متطرف)، للمجلس المركزي للمسلمين". وتابعت أن "أوزيل لم يكن مجرد لاعب، بل كان رمزا للتعايش مع أصحاب الأصول التركية، والأجيال الثانية من المهاجرين في ألمانيا". كما اعتبرت أن "اعتزال أوزيل هو الهزيمة الفعلية هذا الصيف، وسيكون له عواقب أليمة على المجتمع وسينتج ملايين الخاسريين؛ هم كل أولئك الذين يريدون العيش مع بعضهم البعض وليس ضد بعضهم البعض". مجلة "دير شبيغل" الألمانية الخاصة، كتبت، من جهتها، تقول: "بالمعنى الدقيق للكلمات، فإن أوزيل لم يعتزل نهائيا.. لقد كتب أنه سيتوقف عن اللعب للمنتخب الألماني طالما أنه يشعر بالعنصرية وعدم الاحترام، والكرة الآن في ملعب الاتحاد الألماني لكرة القدم والرأي العام الألماني". وعادت المجلة بالذاكرة إلى يوم 8 أكتوبر 2010، حين لعب أوزيل بقميص ألمانيا ضد تركيا في التصفيات المؤهلة لبطولة الأمم الأوروبية 2012، و"قدم أداء مذهلا وأحرز هدفا أمام 76 ألف متفرج في برلين". وتابعت: "لقد قدم أوزيل أداء مذهلا، ودخلت المستشارة أنجيلا ميركل غرفة ملابس الفريق الألماني عقب المباراة، والتقطت صورة شهيرة مع أوزيل، تداولتها الصحف بكثافة". ومضت قائلة: "لقد كان أوزيل تعويذة التكامل والاندماج في ألمانيا، فماذا حدث؟". السياسيون أيضا قرار أوزيل لم يقتصر على رج الرأي العام والصحافة في ألمانيا، وإنما بلغت تداعياته الوسط السياسي، ليستأثر بردود فعل من قبل مسؤولين بارزين بالبلاد. أورليكا ديمر، المتحدثة باسم ميركل، قالت في وقت سابق اليوم، إن المستشارة "تقدر أوزيل بشدة، وتعتبره لاعبا رائعا قدم الكثير للمنتخب الألماني"، مشيرة إلى أن اللاعب اتخذ قرارا ينبغي احترامه. أما وزيرة العدل الألمانية، كاترينا بارلي، فكتبت تقول، اليوم، على صفحتها الرسمية بموقع "تويتر": "هذه إشارة تحذير. بسبب العنصرية، لاعب ألماني عظيم مثل أوزيل لم يعد يشعر بأنه مرغوب فيه في بلاده". بدوره، قال وزير الخارجية هايكو ماس، في تصريحات إعلامية، في برلين، إن "كل الذين انخرطوا في هذه الأزمة يجب أن يراجعوا أنفسهم". وتابع: "أرى أن عددا قليلا جدا من الناس تصرفوا بشكل جيد في هذه الأزمة".