يزداد يقيني يوما بعد يوم بوجود أقلية مبدعة نجحت بتوجيه عموم الشعب المغربي إلى مقاطعة علامات تجارية، وبقدر ما أفادت هذه الأقلية شعبنا بدعوته إلى تمرين سلاح المقاطعة لضرب الطغيان والاحتكار وزواج السلطة والمال، نجحت بالتحكم في المقاطعة وتأطير مخرجاتها لتكون سلاحا بيد القوى التي ترغب باستعادة نفوذها ومصالحها الحيوية. وقد نستشعر ذلك عرضا إذا استحضرنا الأسئلة التالية: لماذا لم تنخفض الأسعار بعد أزيد من شهر من المقاطعة؟ أين الآثار الايجابية التي جناها الشعب من المقاطعة غير تخفيض ظرفي أعلنت عنه شركة الحليب؟ هل يمكن اعتبار مقاطعة سرحت العمال، وتنذر بتوتر اجتماعي وسياسي، مقاطعة تخدم مصالح الشعب؟ لماذا لم تأبه شركتا المحروقات والماء بالمقاطعة لحدود الساعة؟ إن الأجوبة الأولية عن هذه الأسئلة تصرخ بوجهنا قائلة: ثمة أسرار وخلفيات كان يخفيها المهندس الأول للمقاطعة. وقع اختيار العقل المؤسس للمقاطعة على علامتين تجاريتين تمتلكان قوة التعبئة للمقاطعة؛ الأولى تخص المحروقات وصاحبها تلاحقه سوابق سياسية سيئة، والثانية تخص الماء الأغلى سعرا في المغرب،. و كل منتج منها يخفي هدفا سياسيا ضد جهة معينة، ولكم أن تتأملوا كل منتج على حدة: -علامة المحروقات: أخد صاحبها الدور السياسي لحزب ورموز تاريخية للسلطوية والتحكم، حتى إذا اطمأن وانتشى بانتصاره على الجميع جاءته المقاطعة التي غذتها جماهير أكبر فصيل حزبي كانت تتحين أي فرصة للانتقام منه. وهذا ما ستغتنمه الدولة العميقة التي يمثلها أشخاص شداد غلاظ يملكون امتدادا تاريخيا سلطويا مرعبا، لإنهاء تمرد رجال أعمال رغبوا في الاشتغال بعيدا عن قبضتهم وابتزاز رجالهم، وطمحوا إلى الاستقواء بمواقعهم السياسية الجديدة. وفي عودة شخص وَفِيٍّ لَهُم، لا ينتمي إلى أسرة رجال الأعمال، إلى قيادة الباطرونا في ظرفية المقاطعة أبلغ الإشارات. ولعل في حديث الإعلام عن النهاية السياسية لأخنوش وعدم استدعائه لأي توضيح في الإعلام العمومي، ما يعزز مسار الحصار وتصفية الحسابات. لذلك لم نر حزب أخنوش يقاطع لقاء لرئاسة الحكومة أو محملا العدالة والتنمية مسؤولية ما، بل اجتمعت الأغلبية الحكومية وعبرت عن لحمتها وتبرؤها من كل صوت نشاز يبث الشقاق فيها، وعن سعيها إلى تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، لأن ثمة عدو مشترك، لم يعد صابرا على احترام الشرعية الانتخابية، وبات خطره متربصا بكافة الأطراف بعد عودته إلى التحكم في المشهد السياسي مستغلا التحولات الدولية والتوترات الاجتماعية الناجمة عن المقاطعة. -علامة الماء: عطفا على ما سلف، لا تمثل علامة الماء استهداف لشخص مريم بنصالح بقدر ما تمثل استهداف الباطرونا التي دعمت استقرار حكومة بنكيران منذ أيامها الأولى بتمويل صندوق التماسك الاجتماعي، وفي نفس الوقت استفادت من تحسن مناخ الأعمال. وإذ لا يخفى تاريخيا دور رجال الأعمال في استقرار الحكومات، صار من الضروري عند العقل المدبر للمقاطعة أن يهدم هذه الدعامة المسندة لكل تَصَدُّرٍ سياسي، فاستهدف علاقة التوافق الموجودة بين قيادة الحكومة ورجال الأعمال من خلال الضغط على رجال الأعمال وتخويفهم، خاصة إذا اسْتُحْضِرَ الانخراط الواسع لقواعد العدالة والتنمية في هذه المقاطعة. إن كل متابع منصف للتطورات التي يشهدها المغرب على كافة الأصعدة تدفعه إلى استنتاج مفاده أن قطار التنمية وُضِعَ على السكة، على كثرة الانتظارات وفداحة الاختلالات، ولن يخامره شك في أن ثمة أطراف تدفع بكل قوة لحرفه عن المسار.