كثيرا ما نسمع خطابات حماسية لثلة من مثقفينا الذين يدعون إلى توطيد حبل الألفة والتواصل بينهم وبين جمهورهم ومتتبعيهم. يحاضرون في أدبيات الإنفتاح والحوار والإنصات وقبول الآخر، يستهلون خطاباتهم التنويرية بضمير (النحن). مع العلم أن منهم من يضمر أكثر مما يظهر. وبالتالي، السقوط في نوع من النرجسية المقيتة والمخاتلة. وإذن، يجب أن يعمد بعض من "مثقفينا" الذين يقبعون في أعالي أبراجهم إلى تهشيم نرجسيتهم السامقة التي يمأسسون لها، سواء عن وعي أو بدونه. قد لا يكونون بالضرورة من زمرة المثقفين العضويين بتعبير غرامشي لأن انشغالهم بتبجيل "أناهم" يمنعهم من أن ينزلوا إلى أقرب الناس إليهم. ونتساءل: هل المثقف ملزم بالنزول عند جمهوره أم أن الجمهور مطالب بالصعود إلى سدة المثقف؟ قد نلفيهم، في انشغال لافت وملفت بتأثيث ندواتهم ومحاضراتهم بأقرب الناس إليهم، يمضغون الحديث أحيانا، يجيبون عن أسئلة ويتفادون أخرى. وقد يتفقون إشاريا على مدخلات الحديث ومخرجاته، وقد يسخروا كل الوسائل الممكنة لتغطية نرجسيتهم! قد يحدث أيضا أن يخصصوا أطراف حديث ما للرد "العنيف " على منتقديهم وتمرير خطابات ما. يبدو إذن، والحالات هاته، أن تفتيت هذه النرجسية يبدأ من ذاتية المثقف، أي البدء من الداخل أولا. والمثقف هنا ليس إلا الشجرة التي تغطي تلك الغابة الكثيفة. وعليه، لا يرجى من المثقف (الأكاديمي تخصيصا) إلا أن يعيد ترتيب علائقه مع أقرب الفئات إليه، وبدرجة أولى مع أولئك الذين يتقاسمون معه السؤال الثقافي والفكري تعميما، تلامذة وطلبة بمختلف تشرباتهم. أما المثقفون في علاقاتهم المتشابكة والمعقعة ب "مثقفين آخرين"، قد يوازونهم في نفس الدرجة العلمية وقد يختلفون في المنطلقات والتوجهات والإيديولوجيات فتبقى الآمال الكبيرة معقودة عليهم في رفع راية المغرب الثقافي بعيدا عن النعرات والحسابات و" الإمساك والقطع" التي لن تسهم بحال في توحيد الصفوف.