في الوهلة الأولى وبدون التدقيق في التفاصيل، يتبين لنا انه مشكل عادي يقع داخل الفصل الدراسي بين الفينة والأخرى، لكن مع التدقيق نستنتج أنها أصبحت ظاهرة خطيرة متفشية داخل المدرسة المغربية، ففي الأونة الأخيرة أصبحنا نسمع ونرى أمورا كانت إلى وقت قريب تعد ضربا من الخيال، ولا يمكن أن تقع داخل الفصل الدراسي، والذي كان بمثابة المكان الذي يتجه إليه الفرد قصد تنوير عقلة والتزود بالقيم والمعارف والمهارات التي إن لم تساعده في تحصيل وظيفة معينة، فإنها تجعله قادرا على تسيير حياته الشخصية والأسرية بطريقة متزنة. واقعة أستاذ الرياضيات بخريبكة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، لأننا أصبحنا أمام ظاهرة مجتمعية خطيرة أصبحت متفشية داخل جدران المدرسة المغربية وهي "ظاهرة العنف المدرسي"، وهذا يجبرنا على طرح مجموعة من الأسئلة من قبيل : ما هو السبب في هذا التدني الأخلاقي التي أصبحت تعرفه المدرسة المغربية ؟هل أصبحت هناك حرب ضروس بين التلاميذ والأساتذة ومن السبب فيها؟ ما هي السبل والوسائل الممكنة للحد من هذه الظاهرة الخطيرة؟ ما سبب تفشي هذه الظاهرة داخل المنظومة التربوية؟ ما هي الأطراف المتدخلة والتي وجب عليها الضرب بيد من حديد لتجاوز هذه الافة ؟ من المستفيد من هذا الوضع الذي أصبحت تعيشه المدرسة العمومية ؟ هذه الأسئلة وغيرها وجب علينا كافة البحث لها عن أجوبة شافية، للخروج من هذه الافة. قراءة الأوضاع التي أصبحت تعيشها المدرسة المغربية بصفة عامة، والمدرسة العمومية بصفة خاصة، يجعلنا نبحث عن الأسباب التي أدت إلى تفشي هذه الأزمة الحقيقية، العنف داخل الوسط الدراسي أدى وسوف يؤدي إلى مجموعة من الأضرار سواء على المستوى المادي أو المعنوي، لأن الطريقة التي يتم التعاطي بها لمثل هذه الحالات لا تحل المشكل، بل تساهم في تجدره. ولعل من يتحمل الجرء الأكبر من تفشي هذه الظاهرة هي الوزارة الوصية لأنها ومن خلال طريقة التعاطي لمثل هذه الحالات، لا تحل المشكل بل تساهم في تأزيم الوضع، فمثلا الطريقة التي تعاملت بها الوزارة الوصية مع التلميذة التي تسببت في سجن أستاذ الرياضيات أو وضعه تحت الحراسة النظرية، لا يمكن أن يحل المشكل لأنه في نظري هو تشجيع للتميذة ولأمثالها على تكرار تلك الأفعال المشينة داخل الفصل الدراسي، فإرسال لجنة وزارية لبيت "الضحية" كما يروج لها بهدف الدعم النفسي والتخفيف من أثر الصدمة النفسية… ، هذا يجعلنا نقف لنطرح سؤالا من الأولى بالزيارة والدعم النفسي هل التلميذة التي قذفت أستاذها بالطباشير حسب شهادة زملائها وزميلاتها في الفصل، أم رجل التعليم والذي من خلال الصور المتداولة له بلغ من الكبر عتيا ؟ نحن لا ندافع عن رد الفعل الناتج عن الفعل الصادر من طرف التلميذة، لأن العنف سلوك مدان في جميع الأحوال، لا من طرف التلميذ ولا من طرف الأستاذ، لأنه بمثل هذه السلوكات نزيغ عن الهدف الأسمى من المدرسة ألا وهو التربية والتعليم. والتربية هي دور الأسرة قبل كل شيء، فلا ننتظر من المدرسة أو المدرس(ة) أن يربي 300 تلميذ أو تلميذة، في حين أن بعض الأباء والأمهات لا يستطيعون تربية طفل أو طفلين، التربية هي فعل وجب فيه تظافر الجهود من كافة الأطراف المسؤولة بهدف تنشئة رجال ونساء للمستقبل. واقعة خريبكة كشفت بعض الأمور التي لا يمكن السكوت لها ومرورها مرور الكرام، حيث اتضح لنا بما لا يدع مجالا للشك أن كلا منا يحاول إلصاق التهمة للأخر، فهذه الوزارة الوصية وبعد فشلها الذريع في تدبير المنظومة التربوية ككل، تعتقد أن تدبير قطاع حساس وإستراتيجي مثل قطاع التربية والتعليم، يتم عبر تسيير عمودي من خلال التفنن في إصدار مذكرات ومراسلات والتي لا تعدوا أن تكون مجرد حبر على ورق، في غياب التدبير التشاركي والذي يجعل من الأستاذ حجر الزاوية في كل إصلاح لأنه هو العارف بخبايا القطاع.فهذه المذكرات لا تربطها أي صلة بالواقع المعاش داخل أسوار المدرسة، فكيف يمكن مثلا لمذكرة "البستنة" أن تعالج سلوك العنف المتفشي داخل المدرسة، هذه المذكرات وغيرها لا تحل المشكل بل هي كمثل "صب الماء على الزيت"، حيث أنها ترمي ثقل المسؤولية على الإدارة، التي بدورها تحاول التنصل من المسؤولية وترميها على كثف الأساتذة وهم بدورهم، ومع تقدير الفارق في القدرة على المقاومة، يرمون ذات الثقل على التلاميذ، المثقلين أصلا بهموم ومعانات ومحن أسرهم، وببصيص أحلامهم الشخصية التي تبدو لهم صعبة المنال في بلدنا العزيز التي يقوم بتوزيع اليأس بنزاهة منقطعة النظير. ولعل تحميل الأستاذ كامل المسؤولية في الحادث، من خلال وضعه خلف أسوار السجن بدون فتح تحقيق في الحادث تحث مسمى إجراء إحترازي.. ، هو خير مثال لما ذكرناه سابقا، فأي نفسية سيعود بها ذلك الأستاذ لمزاولة مهامه، بعد خروجه من السجن، وكيف سيستصيغ هو وعائلته الصغيرة والأسرة التربوية عامة، أن كل هذه السنوات التي قضاها والتي سيقضونها داخل أسوار المدرسة وهم ينيرون العقول ويطورون المواهب والملكات لن يذكرها أحد، وسوف تنسى لمجرد خطأ بسيط أو رد فعل ناجم عن إستفزاز من طرف مراهق(ة) لأن الذاكرة البشرية تركز على الجديد وتتناسى القديم. وهذه الأسرة، تحمل المسؤولية للأستاذ بعد أن تناست دورها الأساس والذي وجب أخده بعين الإعتبار، والذي هو تربية الأطفال قبل إرسالهم للمدرسة، لان المدرس(ة) لا يملك عصى موسى لحل جميع المشاكل، فالأستاذ(ة) يحاول جاهدا تحدي جميع الظروف المحيطة والتي لا تشجع في الغالب على العطاء لإيصال ما يمكن إيصاله. وهذا المجتمع، الذي أصبح يعتبر رجل التعليم بمثابة ذلك الشخص الذي يراكم الثروة والذي لا يقوم بعمله على أكمل وجه، فنجد هذا التعبير من تقافثنا الشعبية ملتصقا بالأستاذ(ة) : "هادوك ماتيديرو والو تايقيلو جالسين وتيكلوها باردة"، هي النظرة التي أصبحت ملتصقة برجل التعليم أو التي أريد بها أن تلتصق به ، بعدما كان هو رمز العطاء اللامحدود وممثل للطبقة المثقفة داخل المجتمع. وضع حد لهذه الافة الخطيرة التي أصبحت تنهش جسد المنظومة التربوية، هو مسؤوليتنا جميعا أسرتا ومجتمعا ووزارة وصية بكافة أقطابها وممثليها عبر وضع نظرة تشاركية يتم فيها تحديد المسؤوليات كل من جهته، وربط المسؤولية بالمحاسبة، حيث أنه حين وقوع أي مشكل وجب تظافر الجهود من مختلف الأطراف لحله من جدوره ، لا هرولة كبار المسؤولين في الوزارة نحو "الضحية" المحتملة ومحاولة تسويق فكرة أن الوزارة هي بمثابة "الأم الحنون" التي همها الوحيد هو تقديم الدعم النفسي لمحاولة تمويه الرأي العام أن أصل المشكل ليس مشترك بل يتحمله طرف دون الاخر.