الصوم حقيقة ليس هو ذلك التعريف الفقهي:" الامتناع عن الأكل والشرب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية التقرب إلى الله تعالى "، نعم هو كذلك فقهيا من حيث اشتماله على الأركان.لكن، المتتبع لبعض أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الواردة في الصيام، سيجد أن معناها يتعدى ما أشار إليه الفقهاء في تعاريفهم. تعريف الرسول صلى الله عليه وسلم للصوم أقرب لأهل اللغة منه إلى أهل الفقه مع فارق؛ أن هذا الامساك والامتناع إنما يكون عبادة يتقرب بها المسلم إلا الله تعالى.فالصوم عند أهل اللغة معناه: "الإمساك والامتناع عن الشيء"، كيف ما كان هذا الشيء، دون حصره في الأكل والشرب والجماع كما تقدم. وهذا المعنى أكده القرآن أيضا على لسان مريم عليها السلام في قوله تعالى : " إني نذرت للرحمان صوما فلن أكلم اليوم إنسيا " (مريم /26) ، والمقصودهنا بالصوم: الامتناع عن الكلام.فتعدى معنى الصوم الأكل والشرب والجماع إلى الامتناع عن الكلام والانقطاع عن الناس بالاشتغال بعبادة الله تعالى، فهذه الآية كما يقول الدكتور فريد الانصاري(رحمه الله) من أرفع المعاني التعبيرية التي تعبر عن العبادة. الامتناع والامساكعن كل شيء قد يؤثر في الصيام إن لم نقل بطلانه،يؤكده أيضا ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ضمنيا فيبعض أحاديثه عن الصيام ، منها قوله: " فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ، ولا يصخب، ولا يجهل، فإن شاتمه أحد أو قاتله ، فليقل : إني صائم مرتين"،( رواه البخاري)معنى صائم: أي ممسك عن فعل الحرام وعن الجدال والخصام والرفث والصخب،ومشتغل بعبادة ربي. وقوله أيضا:"من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". (رواه البخاري) ، ونحن نقول قياسا على هذا: من لم يدع الكذب، والسرقة، والغش، والرشوة، والتعامل بالربا، والتدخين وشرب الخمر، وعقوق الوالدين،ومشاهدة الحرام، وايذاء الجيران، وقطع صلة الرحم، والنميمة والغيبة … وكل الموبقات ..الخ؛ فليس للهحاجة في أن يدع طعامه وشرابه. ومما يؤكدهذا المعنى أيضا حديثآخر للرسول عليه السلام الذي قال فيه :" رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ، رب قائم حظه من قيامه السهر "( مسند الإمام أحمد)، وهذا كناية على أن بعض الناس في رمضان يمتنعون عن الاكل والشرب فقط، مع عدم تورعهم في فعل الحرام أثناء صومهم؛ وبالتالي لم يحققوا الامساك والامتناع المفضيين إلى تحقيق التقوى المرجوة من الصيام التي نص عليها الله تعالى في قوله: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون.."( البقرة/183)…………..تقبل الله صيامكم .