أثار موضوع حملة المقاطعة الواسعة لمنتوجات استهلاكية منذ أيام، جدلا ونقاشا حادا تحت قبة البرلمان، خلال الجلسة الأسبوعية بمجلس النواب، مساء اليوم الإثنين، وذلك بين فرق برلمانية من الأغلبية والمعارضة من جهة، والوزير المكلف بالشؤون العامة والحكامة الذي يمثل الحكومة من جهة أخرى. وانتقدت الفرق البرلمانية لأحزاب العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة والاستقلال، الحكومة بسبب تجاهلها لحملة المقاطعة، وبسبب وصف وزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد للمقاطعين ب"المداويخ"، معتبرين أن رد الحكومة على المغاربة المقاطعين ب"السبت والقذف" دليل على ارتباك مواقفها، وفق تعبيرهم. تجاهل المقاطعة عبد اللطيف وهبي، البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة، قال إن قوى من الشعب المغربي انخرطت في المقاطعة بينما تجاهلت الحكومة الموضوع، في حين قام وزراء بوصف الشعب ب"المداويخ"، ومنهم من وصفهم ب"القطيع"، مضيفا أن الحكومة لم تتطرق إطلاقا إلى المقاطعة ولم تكشف موقفها إن كانت هذه الحملة جيدة أم سيئة، وفق تعبيره. وأضاف بالقول: "الناس قاطعوا، سولهوم علاش كتقاطعوا حليب الفلاحين، واش ماشي من حقهم يتحاوروا معكم، نعيش واقعا مرا والحكومة لا تعرف الر على حقوق الناس، فقط تشتمهم، هل هذه حكومة جلالة الملك التي تصف الشعب بالمداويخ"، على حد قوله. من جانبه، هاجم رئيس الفريق الاستقلالي نور الدين مضيان، الحكومة بسبب تجاهلها للمقاطعة، مشددا على أن "الهروب إلى الأمام لا يفيد في شيء"، لافتا إلى أن "هناك غلاءً في الأسعار وتدني للقدرة الشرائية للمواطن وارتباكا وعدم وضوح أجوبة الحكومة، خاصة فيما يحدث على مواقع التواصل الاجتماعي". وأشار إلى أن "ملايين المغاربة يقاطعون اليوم، وغدا سيقاطعون منتجات أخرى ومجلس المنافسة معطل"، مردفا بالقول: "فعلا هناك حرية لكن لا يجب أن تأكل الأسعار المواطن، وخير دليل حملة المقاطعة، وننتظر من الحكومة جوابا صريحا، فما عبرت عنه الحكومة من صمت دليل على ارتفاع الأسعار قبل رمضان وبعده". ودعا المتحدث الحكومة إلى الاعتراف بأن "هناك ركودا اقتصاديا وعشوائية في معالجة شؤون الشعب المتعلقة بالأسعار"، متابعا قوله: "على الحكومة، ليس فقط إطلاق عنان المنافسة الحرة، بل حماية القدرة الشرائية للمواطن، ونحن نعرف أن كل الطبقات مستهدفة بما فيها الطبقة المتوسطة وليس الهشة فقط، خاصة ونحن على أبواب رمضان، لذلك على الحكومة التحرك". بدوره، نبه البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، عبد الله بووانو، الحكومة إلى ضرورة الانتباه فيما يخص موضوع المقاطعة، قائلا: "إذا قام الشعب بمبادرة لا يجب مواجهتها بالسب والقذف، بل بالتي هي أحسن"، معقبا على الوزير الداودي بخصوص لجنة الاستطلاعية حول المحروقات بالقول: "نحن نقوم بدورنا كبرلمانيين، لم نذهب للسياحة وأعددنا التقرير وأعطيناه لكم وهو وموجود عند كل الفرق، وهذا النقاش كان مفقودا في اللجنة، ونتمنى أن تحضر هذه المواقف في مناقشة المهمة الاستطلاعية". الحكومة بريئة! بالمقابل، تبرأ الوزير المكلف بالشؤون العامة والحكامة الحسن الداودي، من تصريحات زميله في الحكومة محمد بوسعيد الذي وصف المقاطعين ب"المداويخ"، قائلا في رده على مداخلات البرلمانيين: "الحكومة بريئة وليس هناك موقف رسمي، والمواقف التي تصدر من الحكومة معروفة، وهذا هو الناطق الرسمي باسم الحكومة، هل قال كلاما حول المقاطعة؟". الداودي دعا البرلمانيين المتدخلين إلى عدم الحديث عن الحكومة كلها فيما يخص وصف المقاطعين ببعض النعوت، مضيفا بالقول: "كلنا قادرين على الصراخ، لا يجب المزايدة في هذا الموضوع، ومعالجة مشاكل المواطنين تكون بالمعقول، نعم الغلاء موجود، وأنت لماذا تشتري السيارة مرتفعة الثمن؟"، وفق تعبيره. المتحدث طالب بعدم الخلط بين القدرة الشرائية للمواطنين وثمن المنتجات الاستهلاكية، موضحا أن "المازوط غالي على لي ماعندوش ما شي على لي عندو، لذلك يجب تحسين القدرة الشرائية، أما الأسعار فهي مرتفعة في العالم كله ولا يجب أن نعود للوراء، والحكومة تشتغل على الزيادة في العرض وتشجيع المنتجين وجلب الاستثمارات الأجنبية، لأن الندرة لا تأتي بالأسعار المناسبة، فكثرة الطماطم مثلا تعطي ثمنا مناسبا". الوزير قال إن الكل يعترف بأن الفقر تراجع في المغرب من 15 إلى 4.5 في المائة، ولكن لا زال الفقر المتنوع من قبيل غياب الطريق والمستشفى والمدرسة، وتراجع الفقر هو إنجاز للبلد وكل الحكومات وليس الحكومة الحالية فقط، والمؤسسات الدولية كلها تقول إن هناك تراجعا إلا نحن نجلد أنفسنا بالفقر الفقر، ونتمنى أن نقضي على الفقر المدقع في 2021 و2022، ونحن نشتغل على ذلك". وتابع قوله في نفص الصدد:"المغرب يتطور ونحن نشتغل، والنمو يرتفع والفقر يتراجع والحساب يكون في الانتخابات، والحكومة تقوم بعملها وعلى البرلمان والمعارضة أن يقوموا بعملهم، ونحن مستمرون في محاربة الفساد، وقد حجزنا 95 طنا من المواد الفاسدة خلال يناير المنصرم وحده". وبخصوص ارتفاع سعر الحمص، دعا الداودي إلى "مراجعة النمط الاقتصادي لتحسين القدرة الشرائية للمواطنين"، مشيرا إلى أن الحمص يباع بالخارج بثمن مرتفع والمغرب يستورده، متسائلا بالقول: "هل تريدون الاستفادة من دعم الدولة على حساب الفقراء والرجوع للوراء؟ هل نحن في حكومة شيوعية؟" على حد قوله. وفي نفس الجلسة، طالبت فرق ومجموعات برلمانية بتفعيل مجلس المنافسة من أجل ضبط الأسعار في السوق الوطنية وحماية القدرة الشرائية للمواطنين، مشددين على استعجالية هيكلة المجلس ومعرفة المستفيد من تعطيله، في حين أوضح الوزير المنتدب المكلف بالشؤون العامة والحكامة، أن الحكومة تنتظر فقط تعيين رئيس المجلس من أجل هيكلة المجلس. "المداويخ" وأرخت حملة المقاطعة الواسعة لمنتوجات استهلاكية بسبب غلاء أسعارها، بظلالها على معاملات البيع بالأسواق الممتازة بعدة مدن، حيث أوضح مصدر مسؤول لجريدة "العمق"، أن الطلب تراجع بشكل كبير على منتوجين استهلاكيين من الحليب والماء المعدني بهذه الأسواق، فيما كشف مجموعة من أصحاب "البقالة" أن عددا كبيرا من الزبناء يتحاشون شراء المُنتجات المقاطَعة، كما تداول نشطاء صورا تظهر فروع محطة المحروقات المعنية بالمقاطعة وهي فارغة من الزبناء. وكان وزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد، قد قال في كلمة له خلال الجلسة الأسبوعية لمجلس المستشارين، إن الشركات التي يطالب بعض "المداويخ" بمقاطعتها مهيكلة وتشغل عدد من المواطنين، وتدفع الضرائب، داعيا إلى ضرورة تشجيع المنتوجات والمقاولات الوطنية، حسب قوله. وأثار وصف "المداويخ" الذي أطلقه الوزير التجمعي من داخل قبة البرلمان، على المغاربة المنخرطين في حملات واسعة لمقاطعة بعض المنتوجات الاستهلاكية بسبب غلاء أسعارها، غضبا واستياءً عارمين من طرف نشطاء وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انتشر وسم "كلنا مداويخ" بشكل لافت على موقع فيسبوك، ضمن منشورات تضمنت صورا وتعليقات تهاجم الوزير بوسعيد وتصفه بأنه يعاكس هموم المواطنين مع غلاء الأسعار ويساند "جشع" الشركات الكبرى، فيما أكد النشطاء استمرارهم في حملة المقاطعة بشكل أقوى خلال الأيام المقبلة. بالموازاة مع ذلك، أطلق نشطاء مغاربة عريضة دولية على موقع "أفاز" العالمي، لمطالبة الوزير التجمعي بالاعتذار للشعب المغربي، بعد أن وصف المشاركين في حملة المقاطعة ب"المداويخ"، وبعد أن أشاد بالشركات المعنية ودعا إلى تشجيعها.