إن الشباب هو المحرك الإقتصادي والتنموي للدول المتقدمة، باعتباره العمود الفقري للمجتمع وفرصته للنمو . فالحفاظ عليه من أولويات الدولة الراشدة . في سنة 2000 أكد الملك محمد السادس أن الشباب يجب أن يكون في صلب أي نموذج تنموي، هي دعوى إلى إشراك الشباب والاعتماد عليه في بناء التنمية الإجتماعية والإقتصادية . وقد عرف المغرب سنة 2005 ما يسمى بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، جاءت هذه المبادرة من أجل تحسين الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية للسكان، حاولت الدولة من خلالها خلق فرص الشغل وتشجيع المقاولات … تبعتها مجموعة من المبادرات والمخططات مثل : الحوار الوطني للشباب سنة 2010، المناظرة الوطنية للشباب 2011، كذلك المخطط التنموي 2008 – 2012، الإستراتجية الوطنية من أجل الشباب 2015 – 2030 وكل هذه المبادرات والمخططات والاستراتيجيات التي كلفت المغرب ملايير الدراهم، لم تستطع أن توفر ما يطالب به الشعب المغربي وخاصة متطلبات الشباب . وهذا ما عبر عنه الملك صراحة في خطاب إفتتاح السنة التشريعية 2018، ودعى من خلاله إلى فتح نقاش عمومي ومؤسساتي لإعادة النظر في هذا النموذج التنموي . كل هذا يقودنا إلى التساؤل عن مؤشرات وأسباب فشل ومحدودية هذا النموذج التنموي ؟ مؤشرات فشل النموذج التنموي : أصدرت منظمة الأممالمتحدة تقريرا عن التنمية البشرية، حيث حل فيه المغرب في المركز 123، وراء الجزائر وتونس . يرى بعض الخبراء الإقتصاديين أن من أسباب فشل النموذج التنموي المغربي كونه نموذجا إقتصاديا، وليس نموذجا تنمويا إجتماعيا وبالتالي فهو يسمح لفئة قليلة من الناس بتحقيق أرباح وإنجاز مشاريع، لكن القاعدة الأكثر إتساعا من المجتمع، وخاصة الشباب لا تستفيد من هذا النموذج . بمعنى أن هناك إقصاء في التوزيع المجالي للسياسات العمومية وهذا ما لحضناه في حراك الريف بحيث كانت المطالب الشعبية من أجل العدالة المجالية . نأخذ على سبيل المثال : الوضع التعليمي والسياسي في المغرب . – المستوى التعليمي: في بلادنا التعليم مهمش وضعيف جدا، وهذا ما تثبته الدراسات والإحصائيات من نسبة الأمية المرتفعة وكذلك الهدر المدرسي… نجد أن % 50 من الشباب لايجدون فرص الشغل ، % 30 من الطلبة والتلاميذ في التعليم الخاص، بسبب عدم الإستثمار المعقلن في قطاع التعليم . يراهن المغرب بالإتجاه نحو خوصصة التعليم وذلك ما عبر عنه المسؤولين الحكوميين . وهذا يعني ضرب واضح في تطوير النموذج التنموي خصوصا أن القطاع الخاص في المغرب أبان عن فشله في عدة مجالات : منها قطاع التسيير المفوض ( الماء – الكهرباء ) وإحتجاج سكان مدينة طنجة خير دليل على هذا الفشل ، إلى جانب ذلك هناك غياب الشفافية في الصفقات العمومية . – المستوى السياسي: أصبح الشباب اليوم لايثقون في المؤسسات السياسية ولا الحزبية، ويعتبرون أن السياسة في المغرب مجرد مسرحية تلعبها الأحزاب مع السلطة، خصوصا بعد ما جرى في الإنتخابات التشريعة الأخيرة ( 7 أكتوبر ) وهذا ما ذهب إليه الخبير الإقتصادي ‘ نجيب أقصبي ‘ الذي اعتبر أن الملكية التنفيذية القائمة في المغرب تعيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية، لكونها تجعل رئيس الدولة في منأى عن المحاسبة من جهة، وتجعل الحكومة بدون أي سلطة من جهة ثانية . الشباب ومعركة الوعي : لم يعد الشباب اليوم مغيبا عن المشهد السياسي والإقتصادي للبلد كما كان في السابق، لقد كسر حاجز الخوف وأصبح لديه وعي سياسي أكثر نضجا بسبب المواقع الإجتماعية التي ساهمت في بلورة هذا الوعي عبر فضائه الذي أتاح لهم فرصة التعبير عن أرائهم السياسية والإجتماعية . ليس هذا فقط بل أصبحت محرك لمجموعة من المبادرات السياسية : مثل الاحتجاجات التي تنفجر على حين غرة بدون أي تخطيط مسبق، حين تسد طرق الإصلاح ويمارس الظلم والإستغلال . لكن مع الأسف تستقبل هذه الإحتجاجات بالتعسف عليها وممارسة القمع اتجاهها، واتجاه أي تجمع بشري يطالب بحقه في العيش الكريم . في نهاية الأمر يجد المجتمع نفسه وراء القطبان، بحيث تنتقل مطالبه من مطالب خبزية إلى المطالب بحقه في المحاكمة العادلة وحقه في الحياة . كذلك من بين هذه المبادرات هناك مايعرف بثقافة المقاطعة وهي التي يخودها الشباب اليوم ضد شركات الريع التي تستغل جيوب المواطنين ( ماء سيدي علي – شركة افريقيا للغاز – سنطرال … ) . كل هذه الإنتكاسات التي يعيشها المغرب اليوم من الاعتقالات السياسية والتهميش والإقصاء في الحياة السياسية والإدارية للبلد، يلاحضها الشباب بكل ألم وينتضر أي فرصة ليقول كفى من الفساد كفى من الإستبداد . أعتقد أنه إذا لم يتم توزيع الثروة بالشكل العادل والطبيعي، ولم توفر الدولة العيش الكريم للشباب من توفير فرص الشغل وأفاق مستقلية من ناحية المقاولة والإنتاجية والتعليم والصحة، يمكن أن ينقلبوا من فرصة للنمو إلى خطر على المجتمع والدولة . وعي وجداني يحلق في الأفق يطمح للعدالة والكرامة ويناصر القضايا النبيلة إنهم شباب المغرب .