كتب تعليقا على صورة التقطها بمساعدة طائرة "درون" مسيّرة لقطاع غزة من الجو "نفسي يجي اليوم اللي اخد هاي اللقطة وأنا بالجو مش ع الأر ض!، اسمي ياسر مرتجى، عمري 30 سنة، ساكن في مدينة غزة، عمري ما سافرت!". تختصر الكلمات السابقة التي كتبها مرتجى على حسابه على فيسبوك يوم 24/3/2018 قصة الحلم الذي عاش معه قبل أن يعلن استشهاده فجر اليوم السبت متأثرا بجراحه التي أصيب بها عصر أمس الجمعة، إثر استهدافه من قناصة جيش الاحتلال أثناء تغطيته مسيرات العودة الكبرى شرق مدينة خانيونس. وقصة مرتجى مع حلم السفر تظهر بشكل لافت في منشوراته وتعليقاته على الصور، والذي كاد أن يتحقق فعلا لأول مرة في فبراير الماضي عندما خرج من غزة ليوم واحد، لكنه مكث في الصالة المصرية لساعات طويلة قبل أن تتم إعادته مع مئات المسافرين. كتب وقتها "أول مرة في حياتي كلها أنجح فيها بالسفر كانت يوم أمس وعدت اليوم، مكثت خلالها في الصالة المصرية، كنت أودّ ركوب الطائرة أو حتى مشاهدتها، لكني شاهدت فيها ذلا وقهرا لأهل غزة ما يكفي لتعبئة كتاب كامل، أرجعوا ثلاثة باصات من المسافرين، والسبب الأعمال الأمنية في سيناء". في واحدة من صوره يظهر الشهيد وهو يمسك بطائرة الدرون الصغيرة قبيل تحليقها لالتقاط الصور، ويحاول أن يرفع رجليه عن الأرض، تأكيدا لحلمه، ويعلق على صور جوية عديدة، تؤشر جميعها إلى حلمه بأن يطير أو يسافر ولو لمرة واحدة. للشهيد العديد من الأفلام التي تجسد معاناة الغزيين جراء الحصار والحروب الإسرائيلية (مواقع التواصل) أفلام المعاناة في تغطياته الصحفية، كرس الشهيد الصحفي عدسته التي كانت رفيقته أينما حل لنقل معاناة الإنسان الغزي الذي عاش سنوات الحرب والحصار على مدى السنوات ال 11 الأخيرة. ولم يكن مرتجى مصورا صحفيا فقط، بل كان صانع أفلام عرضت في قنوات عديدة، كان من أبرزها فيلمه "بيسان- فلسطين" الذي عرض عام 2016 على شاشة الجزيرة الوثائقية. الشهيد الصحفي مرتجى حلم بأن يركب الطائرة وأن يسافر ولو لمرة واحدة خارج قطاع غزة (مواقع التواصل) يجسد ذاك الفيلم قصة تزخر بالمشاعر الإنسانية يحاول فيها فريق إسعاف فلسطيني انتشال من تبقى حيا من عائلة ضاهر من تحت ركام منزلهم في غزة، بعد أن تعرض لقصف خلال العدوان الإسرائيلي الأخير عام 2014 في ظروف غاية في الخطورة. كما يصور علاقة صداقة حاول فيها المسعف "علاء أبو شعير" مساعدة الطفلة بيسان ضاهر بعدما تمكن من انتشالها مع زوجة أخيها من تحت الأنقاض، وسعيه لأن تمتثل الطفلة للشفاء من الصدمة النفسية التي عاشتها. يزخر حساب مرتجى بالصور المليئة بالمشاعر الإنسانية، فيظهر مع طفلة مصابة، كما يجسد علاقة خاصة مع الحيوانات الأليفة وصورها، فيظهر بواحدة من الصور مع قطة كانت بمثابة صديقة رافقته في العديد من صوره، وفي إحداها تظهر وكأنها تقبله. مرتجى أثناء تغطيته مسيرات العودة قبل أيام (مواقع التواصل) أصبح خبرا عاجلا في لحظاته الأخيرة، نقل الشهيد صورا للمتظاهرين قرب السياج المعدني شرق خانيونس والذي نصبه الاحتلال على طول الشريط الحدودي مع قطاع غزة، وتوالت لقطات عدسته إلى أن أصابته رصاصات أحد قناصة الاحتلال رغم أنه كان يرتدي بزة يظهر عليها بوضوح أنه صحفي. ظهر بعدها مرتجى مسجى على الأرض قبل نقله للمستشفى، وتحول من ملتقط للصور إلى موضوع لها، فتوالت اللقطات على الأرض، ثم في المستشفى قبل خضوعه لعملية جراحية، وصولا لصورته شهيدا، ليتحول من ناقل للخبر إلى "خبر عاجل" تناقلته وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية. نعاه شقيقه الأصغر حمزة بكلمات بسيطة، فكتب على حسابه على فيسبوك "أخي حبيبي سندي وعوني.. ااااه يا وجع القلب.. ياسر شهيدا شهيدا بإذن الله، الحمد لله على قضائه وقدره". أمس الجمعة كان يوما داميا للصحفيين في غزة، فإلى جانب مرتجى أصيب سبعة صحفيين برصاص الاحتلال أثناء تغطيتهم مسيرات العودة الكبرى. نقابة الصحفيين الفلسطينيين تعهدت بملاحقة القتلة بالمحافل الدولية ونددت باستهداف مرتجى وسبعة صحفيين أمس الجمعة (رويترز) إصابة سبعة صحفيين ونعت نقابة الصحفيين الفلسطينيين مرتجى، واعتبرت في بيان لها أن استشهاده وإصابة سبعة صحفيين آخرين "بمثابة إصرار من جيش الاحتلال على الاستمرار في ارتكاب الجرائم المتعمدة بحق الصحفيين الفلسطينيين". وقالت النقابة إن هذا الاستهداف "مغطى بقرارات من المستوى السياسي في دولة الاحتلال الذي يبرر ويشجع على قتل الصحفيين واستهدافهم بشتى الوسائل". وأكدت أنها ستلاحق القتلة في المحافل والمحاكم الدولية، وأنها ستكثف خطواتها وجهودها لتقديم قاتلي الصحفيين للعدالة الدولية، داعية الأممالمتحدة وهيئاتها ووكالاتها المختصة بحماية الصحفيين إلى التحرك الفوري، وترجمة قراراتها وخاصة قرار مجلس الأمن رقم 2222 لخطوات ملموسة وتوفير حماية ميدانية عاجلة للصحفيين الفلسطينيين. وبانتهاء رحلته مع الحياة سريعا، جسد مرتجى حكاية جيل من الغزيين تبدو آمالهم غاية في البساطة، فهم يحلمون بأن يعيشوا حياة طبيعية كباقي البشر، وأن يسافروا خارج القطاع الذي يمثل لجيل منهم "كل العالم" وأن يشاهدوا مطارا وطائرة مدنية، وأن يركبها من تيسر له ذلك، لكن الاحتلال أرسل ياسر كما أرسل من حلموا قبله بذلك إلى الجنة.