شأن النجوم حين تنطفئ، غيب الموت أسماء مغربية لامعة على مدار هذا العام الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة. لكن ألق هذه النجوم، وإن تنطفئ، يظل يتوهج على مدى الأيام. وقد خلفت هذه القامات الفكرية والفنية، التي رحلت عن دنيا الناس هذا العام، تراثا زاخرا يجعلها حية في الذاكرة الجماعية المغربية. ومن تلك الأسماء، الفنان المسرحي الطيب الصديقي، الذي يعد أحد أبرز المسرحيين العرب الذين اشتغلوا على التراث العربي والمغربي وسعوا إلى توظيفه مسرحيا. وكانت للراحل إسهامات لافتة في التأسيس لمسرح مغربي وعربي ينهل من الرواية الشعبية والحكاية التاريخية. وتميز في هذا المضمار، بشهادة العديد من النقاد، عن كل محاولات التأصيل للمسرح العربي. واستثمر الطيب الصديقي، الذي توفي عن سن ناهز 94 عاما، مواهبه المتعددة في التأليف والتشخيص والإخراج، فأبدع مسرحيات احتفى العديد من النقاد بتفرد أسلوبها، من قبيل “سيدي عبد الرحمان المجدوب” و”الفيل والسراويل” و”الشامات السبع” و”بديع الزمان الهمداني” و”جنان الشيبة”. وأبان المسرحي المغربي الراحل عن قدراته الفائقة في اقتباس روائع مسرحية عالمية وإضفاء أجواء مغربية على أحداث هذه المسرحيات. وهكذا، صارت في “انتظار كودو” لصامويل بيكيت، على سبيل المثال، “في إنتظار مبروك”. وأفلت نجمة مغربية أخرى هذا العام. ويتعلق الأمر بسعيد الشرايبي، أحد كبار الملحنين والعازفين على العود في العالم، الذي رحل إلى دار البقاء عن سن يناهز 65 عاما. وصهر الراحل المقامات العربية والتركية والأندلسية في بوتقة الطبوع المغربية، فأنتج فنا عالميا بهوية مغربية. وفي العزف على العود، أعاد إلى الذائقة العربية صدى أصوات عمالقة الموسيقى العربية من أمثال فريد الأطرش ورياض السنباطي ومحمد القصبجي ومحمد عبد الوهاب وأحمد البيضاوي. وأثرى سعيد الشرايبي الخزانة الموسيقية المغربية بالعديد من المعزوفات والألحان، من قبيل ألبومي “مفتاح غرناطة” و”حلم بفاس”. كما لحن أغان كثيرة للعديد من المطربين المغاربة، من بينهم عبد الهادي بلخياط ونعيمة سميح وكريمة الصقلي. وشاءت الأقدار أن يغيب الموت في هذا العام واحدا من الأسماء الفنية الآتية من زمن الأغنية المغربية الجميل: الملحن والزجال العربي الكواكبي. ويعد الراحل، الذي توفي عن سن ناهز 87 عاما، أحد أعلام الأغنية المغربية، الذين أثروا ريبرتوار هذه الأغنية بالعديد من الروائع، كلمات ألحانا. وقد كتب الكواكبي كلمات أغنية “خفة الرجل”، إحدى أشهر الأغنيات التي لا تزال حية في وجدان عشاق الموسيقى المغربية. وهي الأغنية التي أداها اسماعيل أحمد وعدد من الفنانين بعده. كما لحن هذا الفنان المراكشي عددا من الأغاني، من بينها “الحبيب الغالي” و”يا قاسي القلب” و”كورنيش طنجة”، فضلا عن الأغنية الوطنية الشهيرة “نشيد القسم”. وعن سن ناهز 113 عاما، توفي، هذا العام، الفنان الشعبي الشهير موحا أوالحسين “المايسترو”، الذي نقل بحركات يديه، رقصة أحيدوس نحو العالمية. ويعد الراحل أول مغربي أوقد مشعل افتتاح كأس العالم لكرة القدم بإسبانيا سنة 1982. كما حاز على عدة أوسمة وجوائز عالمية سلمت له من طرف شخصيات عالمية كوسام الفنان العالمي الذي سلمته له ملكة بريطانيا سنة 1981. وفي الفصل الأول من العام الجاري، انتقل إلى عفو الله الفقيه العلامة سيدي الحسن العبادي عن عمر ناهر 80 سنة. وشغل الراحل مهام رئيس المجلس العلمي لأكادير وتارودانت، فضلا عن عضوية المجلس العلمي الأعلى. كما أسهم الفقيه الراحل، بحظ وافر، في إغناء الاجتهادات الخاصة بفقه النوازل. وودع الصحافيون المغاربة، هذا العام، الكاتب الصحافي عمر منير والصحافي السابق بوكالة المغرب العربي للأنباء العربي مشيش، والمصورة المغربية الفرنسية ليلى علوي التي قضت في حادث أليم إثر هجوم إرهابي غاشم بعاصمة بوركينا فاسو في يناير الماضي. وتوفي، أمس الثلاثاء، قيدوم الفنانين التشكيليين المغاربة عبد اللطيف الزين عن عمر ناهز 76 سنة. وكأن هذا العام يأبى أن يمضي إلى حال سبيله قبل أن يغيب الموت اسما فنيا رائدا في عالم الريشة والتشكيل.