من خارج البرلمان وعلى لسان عبد الإله ابن كيران جاء انتقاد مثير لمعاشات النواب أو لما يعرف بقضية "الريع" البرلماني. بلغة قوية، أيد رئيس الحكومة السابق موقف رئيس الحكومة الحالي بخصوص هذا الملف إلى درجة أن ابن كيران وصف معارضي إلغاء المعاشات "بالبلطجية". وهو يقصد هنا إدريس لشكر زعيم الإتحاد الاشتراكي الذي كان هاجم سعد الدين العثماني خلال اجتماع لأحزاب الأغلبية عرف خلافات حادة بين مؤيدي ومعارضي إنقاذ صندوق المعاشات المفلس. وهو هجوم مرده رفض العثماني لتقديم الحكومة حوالي 90 مليون درهم لإنقاذ صندوق أفلس اليوم بعد أن كان يستفيد منه حوالي 700 نائب. وبهذا يكون ابن كيران "العائد من قبره" كما وصف نفسه قد طبق مبدأ "انصر أخاك…" وكرس انقسام الأغلبية الواضح حول هذه القضية. وقد شنت الصحف المؤيدة لحزبي التجمع والإتحاد أساسا والمدافعة عن إنقاذ المعاشات حملة عنيفة ضد ابن كيران وتصريحاته. وخلال آخر جلسة لمسائلة العثماني بمجلس النواب، برز الصراع مجددا حول المعاشات حيث وقعت مواجهة سريعة وثلاثية الأطراف بين كل من العدالة والأصالة والإتحاد الاشتراكي. انطلقت المواجهة بإعلان المالكي توصله رسميا بمقترح قانون من العدالة والتنمية يقضي بإغلاق صندوق المعاشات نهائيا، لكن الأصالة عارض ذلك وأعلن أن لديه مقترحا للإصلاح، فرد عليه العدالة بالقول إن مقترح الأصالة غير قانوني لأنه ليس معروضا في مجلس النواب بل في مجلس المستشارين. وهنا تدخل المالكي ليعلن أن القانون هو الذي سيحسم. ولكن أي قانون هذا الذي سيحسم في غياب التوافق؟ بعض الصحف المعارضة للعدالة تحدثت عن تراجع للعثماني وموافقته على مقترح لإنقاذ هذا الصندوق قدمه رئيس المجلس الحبيب المالكي لكن سرعان ما تبين أن الخبر غير صحيح، وأن كل طرف يتمسك بموقفه وهو ما أدى إلى تأجيل الحسم في الملف غالبا إلى دورة أبريل البرلمانية. محاربة "الريع"، كما سماه الإتحاد الاشتراكي في لحظة مناورة – هو ما طبع بقوة دورة أكتوبر. بحيث أن هذا الموضوع كان هو المحور الأساسي للنقاش والصراع. وقد تفجر هذا الملف في البداية بعد إعلان بنك الإيداع والتدبير أن صندوق المعاشات وصل رسميا إلى الإفلاس فتقدم العدالة والتنمية بمقترح قانون لإغلاقه نهائيا، بل إن الوزير مصطفى الرميد طالب بإلغاء حتى معاشات الوزراء بحجة أنها كلها معاشات لا مبرر لها أخلاقيا وماديا. وعندئذ، بدأ السباق بين جميع الأحزاب بحيث أخرج كل واحد مقترحات قوانين مضادة منها: ما يطالب بإنقاذ صندوق التقاعد، أو بسقف لأجور كبار الموظفين، أو بمنع تعدد المهام النيابية حتى تمنع تعدد تعويضات المنتخبين. فكانت النتيجة هي بروز تقاطب سياسي اختلطت فيه الأغلبية والمعارضة مما أدى إلى الباب المسدود وإلى عدم الاتفاق على أي حل رغم تدخل الرئيسين الحبيب المالكي وسعد الدين العثماني. في ملف التقاعد هذا وبتأثير مبهم ومتردد من روح حركة 20 فبراير التي رفعت شعار "محاربة الفساد والاستبداد"، تبدو اليوم بعض الأحزاب متفقة على التشخيص لكنها مختلفة على سبل الإصلاح ونواياه وتكتيكاته. في السياسة، كما يقول بيير لاسكوم: "الرشوة تستدعي التفكير في المرتشين والراشين وفي ما يساعد على وجود علاقة تجمعهم".