ظاهرة انتشرت خلال السنوات الأخيرة واستفحلت كأنها مرض معدي يصيب كل من غفل أو تغافل. الفيسبوك ظاهرة مرضية معدية تحولت من وسيلة لانتفاضة وثورة الشعوب على مستبديها، إلى صندوق الملاهي العجيبة. صور ومنشورات وبث مباشر، وأخبار هنا وهناك تتناقل بشكل لا يمكن تصديقه. لنجد أغلب الفسابكة يملئون صفحاتهم بكل ما جادت به خواطرهم من طيب أو مرير، واقع أو زور، عام أو خاص، ظاهر أو خفي. وكأننا في ملهى لا متناهي، نسبح لنكتشف النفوس وأحوالها، تارة سعيدة مشرقة، وتارة أخرى يائسة متدمرة. فيصبح واقعك الذي هو خصوصيتك بين يدي أتصفحه بدقة صباح مساء، لأكتشف يوما بعد يوم ما يختلج فؤادك، وأستنتج بذلك كله نواقصك وسلبياتك ونقط ضعفك، فضلا عن إيجابياتك. كل صورة تنشرها، وكل تدوينه تضعها بحائطك إلا ولها سبب وغاية وهدف. قد يكون السبب منطقي عقلي والهدف واضح، لكن ومع الأسف الشديد نجد كثيرا ممن ينشر بشكل عبثي، ولهم كذلك سبب وهدف، لكنه خفي غامض، تبدو معالمه يوما عن يوم بين تدوينة وأخرى، فيظهر بذلك المرض جليا. فالمتصفح يشهد كل يوم أمراضا نفسية لا يعتقد أصحابها أنها ظاهرة للعيان. فنجد كل من يعاني إشكالا نفسيا مع واقعه القريب من أقربائه أو أصدقائه أو أحبائه أو حتى مع نفسه، يجعله موضوع سلسلة تدويناته المتتالية. وقد يكون الموضوع سارا، فينشر صورا هنا وهناك كلما حل وارتحل. وقد نجد تدوينة يشهدها المآت أو الآلاف، بينما هي تدوينة تستهدف شخصا بذاته في عقل واضعها وفي خياله، ولا علاقة للفسابكة به، لكنها بالنسبة لصاحبها بمثابة شفاء للغليل، لا تبدو حقيقتها الكاملة، لكن معالمها واضحة جدا. الفيسبوك أصبح يبرز كل تلك الأمراض النفسية والقلبية والفكرية، من حسد وحب للذات وحب الشهرة وضعف المعرفة ببعض الأشياء، وإحساس بالنقص أو إحساس بالغرور أو حب التباهي. فنجد أغلب هؤلاء ينتظرون الجيمات والتعليقات بشكل هستيري جنوني. فكل من لم يستطع تحقيق ذاته ونجاحه على أرض الواقع، أصبح يخلق لنفسه مجالا افتراضيا يشتهر به، ولو كان تافها، ولو كان على حساب الآخرين، بنقل الأخبار الكاذبة والترويج لها، بل والترافع حولها بشتى الطرق دون تبين. ناهيك عن الجيل الجديد من الأبطال المناضلين الفيسبوكيين، الذين يتخذون من الأمور التنظيمية بالهيئات التي ينتمون إليها مادة حديثهم لإثارة انتباه من هب ودب. ضاربين عرض الحائط كل الأدبيات والأخلاقيات التي تؤطرنا كإنسان قبل أن تؤطرهم كأعضاء بتلك الهيئات. وعلى ذكر الأخلاقيات، أليس من الغفلة أن يفرح بعض الفسابكة بما يحصولون عليه من نتائج الاختبارات الفيسبوكية الكثيرة والعجيبة، والتي هي في الغالب شرك بالله لما فيها من تنبؤ بالغيبيات، كما أنها تحمل في طياتها هدفا لانتهاك واختراق خصوصية مستخدمها … لكن لا حياة لمن تنادي. هكذا أصبح العالم الافتراضي أداة لإبراز كل هاته الحالات النفسية المتنوعة بشكل تلقائي لا صعوبة معه، بل وأن المرض يصيب هذا وذاك بشكل مُعدي، كلما أصبح الوضع عاديا متداولا لا خجل منه، وكلما لقِيَ الفرد تجاوبا كبيرا من أصدقائه الفيسبوكيين مشجعين ومصفقين له غير ناصحين، ومن ينصح يتلقى الضربات من هنا وهناك إلى أن يتراجع أو ينضم للفريق.