بعد رفض برلمان حزب العدالة والتنمية، تعديل المادة 16 من القانون الأساسي، أصبح الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة السابق، عبد الإله ابن كيران، خارج سباق زعامة "المصباح" في المؤتمر الوطني المرتقب عقده بعد أقل من أسبوعين، وهو ما خلق "شبه صدمة" لدى أنصار "الولاية الثالثة"، في حين اعتبره معارضو التمديد "انتصارا" للديمقراطية الداخلية. محللون اعتبروا أن "إزاحة" ابن كيران من سيناريو "الولاية الثالثة"، هو تراجع عن استعادة المبادرة من أجل مقاومة مؤشرات "التراجع الديمقراطي"، باعتبار زعيم "المصباح" رمزا لهذه المبادرة، وهو ما يهدد الحزب بمسار مشابه لأحزاب أخرى انتهى بها المطاف في يد "المخزن" بعد "تخليها" عن الإرادة الشعبية. في حين يؤكد آخرون أن رفض تعديلات القانون الأساسي أنقذت الحزب من "انتكاسة" ديمقراطية، كانت ستؤدي بالحزب إلى مسار "ديكتاتوري" يستمر فيه الزعيم على الكرسي كما هو الحال في دول العالم الثالث، مشددين على أن هذه التعديلات افتقدت الشرعية القانونية والأخلاقية، وأن رفضها من طرف المجلس الوطني "ينسجم مع متطلبات الظرفية التي تستدعي التوافق". ورفض برلمان البيجيدي، اليوم الأحد، تعديل المادة 16 بما يسمح بتولي المسؤولية لأزيد من ولايتين متتاليتين، حيث صوت ضد مقترح التعديل 126 عضوا مقابل 101 صوتوا بنعم من أصل 231 مصوتا، كما رفض برلمان الحزب تعديل المادة 37 بحذف عضوية وزراء الحزب من الأمانة العامة للحزب بالصفة. ديكتاتوريات إفريقيا ! أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة القاضي عياض بمراكش، محمد الغالي، اعتبر أن "الولاية الثالثة" لابن كيران لم تكن في صالح الحزب إطلاقا، مفسرا الأمر بكون نجاح الحزب في المرحلة الحالية مرتبط بالتوافق مع الدولة وباقي القوى والتيارات، مشيرا إلى البيجيدي جنى مجموعة من المكتسبات منذ 1998 بناءً على هذا التوافق، خاصة مع دستور 2011. وأضاف المحلل السياسي في تصريح لجريدة "العمق"، أن التصويت برفض تعديل المادة 16 من القانون الأساسي للحزب، ينسجم مع متطلبات الظرفية، خاصة وأن الفصل 47 من الدستور أعطى لزعيم الحزب بعدا وطنيا، ونص على تعيين رئيس الحكومة من الحزب الفائز بالانتخابات. واعتبر المتحدث أن موضوع "الولاية الثالثة" يذَّكر ب"ممارسات الديكتاتوريات في إفريقيا والعالم الثالث، كما هو الشأن مع الرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة، والرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، والتونسي الهارب زين العابدين بن علي"، مشددا على أن المطلوب من ابن كيران القيام بأدوار مهمة في المرحلة الدقيقة التي يمر بها البلد، باعتباره شخصية وطنية لها اعتبارها كما هو الحال مع بوستة والخطيب وغيرهما. وتابع قوله: "ابن كيران بيده أوراق إيجابية من أجل التعامل بروح الديمقراطية مع قرارات المجلس الوطني لحزبه، وإلا في حالة العكس، سيؤدي الأمر إلى ردة فعل ستؤثر على القوة التنظيمية للحزب التي تعتبر نقطة قوته، وبالتالي سيعاني المصباح من مشاكل ستفقدته الريادة في المشهد السياسي المغربي". وأشار الغالي إلى أن خدمة الوطن لا تكون بالضرورة عبر "الولاية الثالثة"، بل هناك مجالات مهمة جدا كالتحكيم والوساطة وغيرهما، لافتا إلى أن الملك كان دوما يعين شخصيات مرموقة لها اعتبارها في المشهد السياسي، على رأس لجان "تحكيم" ولجان تشاورية من أجل حسم بعض القضايا الشائكة في المجتمع. ابن كيران.. رمز "المقاومة" بالمقابل، قال المحلل السياسي وعضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، بلال تليدي، إن الجدل الذي أثارته "الولاية الثالثة" كان نتيجة خلاف ظاهر بين وجهتي نظر مختلفتين داخل الحزب، تعتبر الأولى أنها تسعى إلى تحصين المكتسبات عبر رفض تعديلات القانون الأساسي، وذلك من أجل تجنيب الحزب تحديات مرتبطة بالعلاقة مع الدولة وحكومة العثماني ومع المبادئ القانونية للحزب. وأضاف في تصريح لجريدة "العمق"، أن وجهة النظر الثانية تعتبر أن "الولاية الثالثة" هي جواب على مؤشرات التراجع الديمقراطي التي يعيشها المغرب حاليا، حيث تتطلب المرحلة ما سماه "استعادة المبادرة" من أجل مقاومة هذا التراجع، خاصة وأن ابن كيران يمثل رمزا لهذه المبادرة، بعدما فشلت حكومة العثماني في القيام بهذه "المقاومة". وأوضح الباحث السياسي، أن رفض تعديلات القانون الأساسي يؤكد ميول الحزب نحو النزعة المحافظة، وهو ما يكرس التصور الذي يعتبر أن العقل الإسلامي يميل إلى الحفاظ على المكتسبات وعدم المغامرة بأي اختيار نحو المجهول، مشيرا إلى أن الإشكال غير مرتبط بالبيجيدي فقط، بل بالدولة أيضا، لافتا إلى أن الأخيرة تعيش أزمة إيجاد بديل سياسي لحزب المصباح، وهو ما تؤكده مؤشرات التعامل مع قادة حزب الأصالة والمعاصرة. واعتبر المتحدث أن المغرب يعيش تحديات كبيرة على المستوى الاجتماعي (ارتباك الدولة في تعاملها مع الاحتجاجات)، والاقتصادي (ارتفاع أسعار النفط والغاز)، والبيئي (أزمة الجفاف والماء)، وهو ما جعل من الصعب على الدولة أن تعزل العدالة والتنمية، وإلا ستجد نفسها في مأزق كبير، مضيفا أن الدولة والحزب كلاهما يعيشان في وضع غير مريح في علاقتهما ببعضهما حاليا، على حد وصفه. وبخصوص تأثير قرارات برلمان البيجيدي هذا اليوم، قال تليدي إنه من الممكن أن تكون هناك احتجاجات لحظية واستقالات جزئية كتعبير عن عدم الرضا، لكنها ستظل محدودة في الزمن على الأقل، مشددا على أنه في النهاية يبقى القرار ديمقراطيا، وأن الحضور الكبير لقادة الحزب في المجلس الوطني فيه ضمان للتهدئة وعدم تفاقم الوضع. وعن توقعاته بخصوص الاسم الأقرب لقيادة الحزب في المؤتمر، قال المتحدث إن كل الخيارات ممكنة لأنه لم تكن البوصلة واضحة، حتى في حالة عدم رفض "الولاية الثالثة"، معتبرا أنه من الممكن أن يصبح أحد وزراء الحزب أمينا عاما، أو يصبح عضو آخر من قادة الحزب، لافتا إلى أن هناك أزيد من 2000 مؤتمر لهم تفكير وترجيح مختلف، حسب قوله. مؤتمر أكثر "استقرارا" من جهته، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي حسن بويخف، أن برلمان الحزب، وبعد لقاء مطول بمشاركة الجميع، حسم الاستمرار على منهجية الحزب، وليس فقط رفض تعديل صيغة المادتين 16 و37، مشيرا إلى أن هذه التعديلات لم يكن لها أي داعِ، واعتمادها يفتقد للشرعية القانونية والأخلاقية، حسب قوله. وقال بويخف في تصريح لجريدة "العمق"، إن تقديم هذه التعديلات إلى المجلس الوطني، كان في حد ذاته "انتكاسة"، مستدركا بالقول إنه ليس ضد ابن كيران، بل ضد الخروج عن المنهج، مشيرا إلى أن نتيجة التصويت كانت عادية، باستثناء النقاش السياسي الذي عرفه المجلس. وأضاف المتحدث أن المؤتمر الوطني الثامن كان سيكون "مستقرا" حتى لو تم تعديل المادتين 16 و37، مشددا على أن المؤتمر سينعقد بشكل عادي وفي ظروف أكثر استقرارا، لافتا إلى أن النقاش يمكن أن يتجه نحو مزيد من الديمقراطية، خاصة في طريقة اختيار المسؤولين، وذلك على أساس تقدم المترشح بنفسه لترشيحه وليس الترشيح الجماعي، معتبرا أن هذه الصيغة هي الأكثر ديمقراطية وتتيح تنافسا حقيقيا. في نفس الصدد، لفت بويخف إلى أن المؤتمر الوطني الثامن سيكون بدون رهانات سياسية كبرى بسبب الخلافات التي يعيشها الحزب، مؤكدا أن المؤتمر هو محطة لتقوية منهج الحزب بعدما أعاد المجلس الوطني عقارب الساعة إليه، على حد وصفه. "أزمة قيم" وعلى عكس موقف بوخيف، أشار المحلل السياسي خالد يايموت، إلى أن القيادة "عندما لا تدرك أنها جزء من الأزمة السياسية لتنظيمها، فإنها عمليا تضع التنظيم أمام اختيارات محدودة الأفق في الحقل السياسي". وأضاف في تدوينة له بالقول: "إصرار مؤسسة القيادة على التضيق الممنهج على الحوار التشاركي، لا يعبر فقط على أزمة مؤسستها ومن يشكلها؛ بل تعبير صادق على أزمة القيم التي دخل فيها جيل قيادي، يتحول تدريجيا من مثقف سياسي وسطي، إلى محترف سياسة مادي، تحت يافطة التدبير السياسي الناجح". المحلل السياسي حسن طارق، اعتبر أن الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة السابق، عبد الإله ابن كيران، "حجز مكانه في التاريخ جنب الكبار"، وذلك في تعليق له على رفض المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية تعديل النظام الأساسي للحزب بما يسمح بإمكانية الولاية الثالثة لابن كيران. وكتب البرلماني السابق عن حزب الاتحاد الاشتراكي، في تدوينة على حسابه بفيسبوك: "بالنسبة للرجل، هنيئا له.. هو حجز مكانه في التاريخ جنب الكبار.. بالنسبة للحزب أتمنى ألا ينتهي صغيرا أو مسخا كما انتهى من سبقوه".