لطالما كنت أود أن أقول هذا، لكن حماس الجماهير آنذاك كان يمنعني، فعدلت عن قرار التغريد خارج السرب إلى أن قررت مؤخرا الحديث وعدم إلتزام الصمت حيال هذا الواقع المر. انتصارات، نتائج بين المتوسطة والجيدة، فرحة الصعود للقسم الأول، الإيمان بأننا اقتربنا من تحقيق أول لقب، الفوز على فرق لها باع طويل في البطولة الوطنية والإعتقاد بأننا فريق قوي، أحداث جعلت الكل يصبح مشجعا ومتتبعا لفريق اتحاد طنجة. شيوخ، نساء ورجال، عائلات، شباب وشابات وأطفال إنخرطوا في تشجيع الفريق وارتداء أقمصته وترديد أغاني لتشجيع النادي، حتى أصبح يمكنك سماع تلك الأغاني في جميع أحياء المدينة، ولحظة بدأ يخفت ذلك الحماس، مباراة بعد مباراة أصبح الكثير يهجر مركب ابن بطوطة، تتعدد الأسباب والنتيجة واحدة. من عقوبات الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم كانت البداية، والتي كانت في الغالب تتراوح بين ثلاث وأربع مباريات بسبب شغب الجماهير، فبدأ الغياب الإجباري لجماهير فارس البوغاز والذي كان يحول دون متابعة الجمهور لفريقه خلال كل مباراة يجريها بملعبه. مر الموسم الأول في البطولة الإحترافية وحل الثاني، لكن هذه المرة جاء الموسم بمشكل جديد بين الألتراس ووزارة الداخلية، حيث دعت هذه الأخيرة سلطاتها للتعامل بحزم مع هذه الفصائل التشجيعية، وكرد فعل لهذا القرار أعلنت الألتراس مقاطعتها لعدد من مباريات البطولة الوطنية والتي انخرطت فيها ألترا هيركوليس مما أثر على حضور الجماهير بالملعب. مقاطعة مباريات والعودة في أخرى، نتائج متواضعة للفريق، الكثرة من استعمال كلمات نابية، سب وشتم الجامعة واللاعبين أحيانا.. هذا كله يتم القيام به من طرف من كانوا يتغنون بحب الفريق خلال السنوات المنصرمة، فكيف إذن سيصمد الجمهور أمام كل هذا ويظل حاضرا بالملعب في كل مباراة للفريق؟ يذهب الزوج للملعب مع زوجته وأبنائه، أو إبن مع والديه الكبيرين في السن، للإستماع بأجواء رائعة بالملعب واسترجاع ذكريات جميلة مع فريق المدينة فيتم استقباله قبيل أو مع إنطلاق المقابلة بكلمات نابية غالبا ما تكون موجهة للسلطات الأمنية. تتواصل مجريات اللقاء و تكون النتيجة التي تسير إليها المقابلة هي المحدد الرئيسي لحجم الكلمات النابية التي يمكن أن يسمعها الجمهور داخل الملعب أو خارجه إما بجنبات المركب أو عبر شاشة التلفاز في بيتك بحضن عائلتك، فاتجاه نتيجة المقابلة نحو هزيمة أو تعادل أحيانا لفريق إتحاد طنجة ينبئ بأعمال شغب، مما يفرض على فئة من الجماهير الخروج مبكرا من الملعب مخافة تكسير سياراتهم أو التواجد في خضم تلك الأعمال المشينة التي يمكن أن تعرضهم لإصابات بليغة وخطيرة لا تحمد عقباها تصل إلى الوفاة أحيانا وهو الشيئ الذي حدث بعدد من المدن المغربية في السنوات الأخيرة. تخيل أنك ستذهب للملعب عبر سيارتك وذلك لتجاوز الإنتظار الطويل لوسائل النقل الذي يحدث بعد نهاية المقابلة نظرا لقلتها مقارنة مع عدد الأشخاص الخارجون من الملعب، فتجد أن سيارتك قد تم تكسير زجاجها و ربما سرقة ما يوجد بداخلها أيضا، فكيف سيكون شعورك آنذاك، هل سترتفع نسبة حبك لفريق مدينتك مثلا؟ هل ستفكر في العودة مستقبلا للملعب لمشاهدة مباراة فريق مدينتك؟ إذا فهل سيواصل الجمهور حضوره المستمر للملعب وسط كل هذه الأحداث التي تقع؟ شيئ آخر أصبح يعكر صفو المقابلات بشكل كبير هو إطلاق الشتائم والتلفظ بكلمات نابية في حق الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم و حكم المباراة، فبمجرد عدم إعلان الحكم عن خطأ لفارس البوغاز إما سهوا أو بخطأ منه يطلق العنان للشتائم في حق الحكم و"جامعة الكرة". وفي ظل هذا الوقائع التي تساهم في شيئ واحد هو ابتعاد الجمهور عن مدرجات الملعب، أصبح من الضروري التفكير في طريقة لتوعية فئة من الجماهير التي تتسبب في هذه الأحداث المشينة وإلا فإن القانون سيكون هو الحل الوحيد للحد من ظواهر تشهدها بعد المباريات كأحداث الشغب. وفي وقت بدأ يشهد ملعب ابن بطوطة عزوف كبير للجماهير الطنجاوية عن مباريات فريقها، أصبح لا بد من تدخل المكتب المسير وعقلاء المدينة من أجل عودة الجماهير الغفيرة للملعب لتشجيع فريقها، عبر مبادرات عدة يمكن أن تعيد الجمهور لمكانه العادي، والعودة إلى الأجواء التي كان يشهدها المركب خلال السنوات الأخيرة، إلا أنه يجب التذكير أن مشكل جماهير طنجة هو الحماس الزائد فتحقيق بعض النتائج الإيجابية في البطولة الإحترافية أو بلوغ أدوار متقدمة من منافسات كأس العرش يجعل فئة من الجماهير تطالب بتحقيق اللقب فإن لم يتم ذلك يبدأ الحديث عن أن المدرب وبعض اللاعبين لا يقومون بواجبهم، في حين أن الواقع شيئ آخر فليس لدينا ذلك الفريق الكبير الذي يمكنه تحقيق اللقب إلا أن الهالة الإعلامية التي ترافق الفريق والعاطفة تجعل البعض يقتنع بأفكار لا يمكن تحقيقها على أرض الواقع في الفترة الراهنة. إن حب الفريق كما يدعيه عدد من مشجعي فارس البوغاز يفرض التضحية الكبيرة مع الفريق والصبر إلى غاية تحقيق المراد، فليس مجهود الصعود من القسم الثاني إلى الأول هو نفس المجهود لتحقيق لقب البطولة أو كأس العرش حيث يختلف المنافسون والحيثيات والتفاصيل، ويبقى على محب الفريق الحقيقي مساندة فريقه في حدود قدرته دون المساهمة في تحطيم فريقه عبر ممارسات وأفعال يندى لها الجبين ولا تعود بالنفع على فريقه.