توصلت جريدة "العمق المغربي" بمقال من عبدالواحد الأنصاري، باحث في مركز البحوث والتواصل المعرفي، يرد فيه على مقال الدكتور أحمد الريسوني، العالم المقاصدي المغربي، الذي نُشر على موقع "العمق"، وذلك بعد المقال الأول للداعية السعودي محمد بن إبراهيم السعيدي، أستاذ الفقه وأصوله بجامعة أم القرى. وفيما يلي مقال الأنصاري بعنوان : بين الريسوني وحلاّق باماكو أستغفر الله من أن يُظن بي أنني ألوّح بلواء السخرية في وجه عالم من علماء مقاصد الشريعة في العصر الحديث، ولكنني أتذكر قولة الفند الزماني، فارس بكر بن وائل، إذ يقول: صفَحنا عن بني ذُهلٍ وقُلنا القومُ "إخوانُ"! عسى الأيام أن يرجع نَ قوماً كالذي كانوا فلمّا صرّح الشرّ فأمسى وهو عُريانُ ولم يبقَ سوى "العدوا نِ" دِنّاهم كما دانوا وقد كتب الدكتور أحمدالريسوني، مقالة في صحيفة العمق المغربي الألكترونية بعنوان: "الإسلام السعودي من الازدهار إلى الاندحار"، وصف فيه السعودية بأن لها إسلاماً غيرَ الذي يعرفه المسلمون، إسلامٌ، بحسب الشيخ الريسوني، شديد خشن، تكفيري، يضلل كبار العلماء، ويعتمد على العنف والسيف، ويشعل الفتن بين المسلمين، وهذا ما جعل الرياض وأبو ظبي تدبران الانقلابات وتحاربان الحركات الإسلامية السنية، زعَم! ثم ادعى أن السعودية تخلت عن هذا الإسلام الذي أفل واندحر، وراحت تأمر ملحقياتها وسفاراتها بإحراق كتب ابن تيمية، وحط على المملكة من المعايب والمثالب ما لم يسطره التوحيدي في كتاب مثالب الوزيرين، حتى قال إن من غرائب علمائها قضية التحريم والتحليل لسياقة المرأة السيارة، إلى غير ذلك مما قاءه القلم الريسوني. وأجدني هاهنا مضطراً إلى أن أستعير عبارة شامية هي: "يا عيب الشوم" يا دكتور! يا عيب الشوم على عالم يتواصى طلاب العلم السلفيون في السعودية بكتبهوبحوثه في المقاصد، ويرجعون إليها، ويقدرونها في منتدياتهم، فإذا بالشيخ الذي يتغنون بالثناء الحسن عليه يصبّحهم- بعدما نعم بالمكث بينهم سنين عدداً – بجميع هذه المعائرالمفتراة. وأقول: بقطع النظر عن الكذب الواضح في دعوى أن السعودية تأمر ملحقياتها بإحراق كتب ابن تيمية – سبحانك هذا بهتان عظيم – وكفى بالكذب سبة!لتعلم يا ريسوني أن من الكتب التي يقدرها هؤلاء السلفيون حق قدرها ما كتبتموه في علم المقاصد، فهل كانت عنايتهم بكتبك من باب العناية بالكتب المتشددة المتطرفة؟ إن هؤلاء المتشددين هم الذين رأوا أن الريسوني شخصية تستحق أن تكتب وتشرف على المباحث وتراجعها، واستقبلوك في جدّة، وعملت معهم، وشاركتهم في الجيئة والذهاب، والخبز والملح، فهل رأوا فيك شخصاً متشدداً مثلهم حين استدعوك للعمل والكتابة معهم وأكرموك أيما إكرام؟ أم أنك أبديت لهم غير الذي تبطن، ونافقتَهم بأن أظهرت لهم أنك متشدد وتكفيري، فأحسنوا إليك بذلك ظناً منهم أنك واحد منهم؟ وهل سمعت يا ريسوني بعالم مقاصدي قبلك يهاجر ليسكن أعواماً عديدة بين ظهراني تكفيريين عتاة قساة لا يعرفون إلا التضليل ولا سبيل لهم إلا العنف والسيف؟ لا يستطيع أحد أن يقول إن علامة مثلك عاني ضيق ذات اليد، وأنت القيادي في التوحيد والإصلاح في المغرب، فاحتاج إلى مجاورة الخوارج السعوديين، ولا يستطيع أحد أن يقول إن قرقرة الجوع في أمعائك اضطرتك إلى المقام في وكر الخوارج والتصبر عليهم، حتى تخرج على الناس فجأة وأنت تتمثل بقول المتنبي في أرض نخلة: ما مقامي بأرض نخلة إلا كمقام المسيح بين اليهودِ فيا أيهذا المسيح، إنّ مما يخجل ويجلب الأسف الشديد، أن يغضب عالم مقاصدي مثلك لدنياه؛ فيخسر مبادئه وأخلاقه، أمِن أجل غضبة على الإمارات – والمقربون من الريسوني يعرفون سبب هذه الغضبة، وأنها غضبة دنيوية بحتة -، وجراء تعطّل مربح دنيويّ تسمح لنفسك بأن تجعلك من أولئك الذين قال الله فيهم: (فإن أُعطوا منها رضوا وإن لم يُعطوا منها إذا هم يسخطون). لكن ما قصة الحلاق في باماكو؟ ذلك خبر كدت أنساه، لولا أن ذكرتني به قصة الريسوني هذه، وهو أنني كنت مع ابن أختنا عبدالله بن عبدالرحمن الأنصاري في عاصمة مالي باماكو، وكنا قد عدنا من الصحراء الكبرى، وقد لوّحت "لواهيب" الصحراء وجوهنا، فطلبنا من مضيفنا أن يدلنا على أفخم حلاق في المدينة، فدلّنا على حلاق جزائري قريب من أحد الفنادق، ومن إن جلسنا على الكرسي الخاص بالعمل حتى أخذ يشنّ حملة شعواء على المملكة، ويتهمها بارتكاب المذابح، ويكيل من أقذع السبع ما وسعه شدقاه، ثم بعد أن انتهى من تقيؤ ما في جوفه اعترف لنا بأنه يعمل في هذا الصالون منذ سنين، وبأن شخصاً سعودياً أكرمه ذات مرة بعد أن حلق له شعر رأسه بخمسمائة دولار! أقول هذا وأستغفر الله لي ولابن أختي عبدالله، ولحلاق باماكو، وللريسوني معنا أيضاً.