ارتقى محسن فكري بائع السمك المغلوب على أمره إلى دار البقاء، رحل عن الدنيا بدون سابق إنذار ولا إخبار، ذهب ولم يقل لأهله وداعا، فارق الحياة مطحونا في شاحنة أزبال، ولا ذنب له سوى أنه مواطن مقهور يبتغي الرزق الحلال. محسن فكري عنوان نخوة وعزة نفس، في ريعان الشباب رفض الذل والمهانة، انتفض في وجه الحكرة والظلم، فقضى إلى ربه شهيدا، ومن مات دون ماله فهو شهيد، وكذلك نحسبه ولا نزكي على الله أحدا. محسن فكري عنوان كرامة طالب رزق حلال، لا قدرة له على افتتاح دكان ولا طاقة له على الإيجار ورأس المال، فالتجأ كغيره من المغلوب على أمرهم إلى افتراش صناديق وبيع سمكات يبتغي بها قوت أهل بيته، ولكن من صاد السمك الممنوع وخالف القانون له المال والغنى، والبائع الضعيف مصيره "#طحن_مو". محسن عنوان كرامة مواطن، ينتهكها مواطن آخر له بذلة عمل من لون مختلف وحزام وقبعة من شكل خاص، وعصا يلتجأ لها لإكرام من يعصا، ولم يكن محسن أول من يعيش تلكم القصة الحزينة، بل مئات الآلاف من الباعة المتجولين يوميا تفرض عليهك لعبة "قاشقاش" غير متكافئة الأطراف، لكن محسن انتفض وارتقى إلى السماء. بائع السمك يسائلنا بأي حق وبأي قانون تحجز سلع المتجولين، وبأي ضمير يطرد طالبو الرزق الحلال من الشوارع والأزقة، وبأي قانون يخرج مسؤولو السلطة المحلية عناصر القوات المساعدة لتشطيب الزقاق من مبتغي بيع بسيط، ومن يغفل أو يفشل أو يغض الطرف عن "المشرملين" ومحترفي "الكريساج". قضية محسن عنوان كرامة شعب اغتصبت، وحرمة وطن انتهكت، وقصة عدالة غابت، وبداية انتفاضة اشتعلت، ومسار حرية يوما نفرح إذا استعيدت، ونخوة نفس وعزة رجل وأنفة كبير انتصرت وتوجت.. فهنيئا له الشهادة، والعزاء فينا وفي عيشنا عار الحادثة وعار ما يليها.