في مسار الصراع مع العدو الصهيوني ومع توالي الهزائم التي شهدها الجيل الذي سبقنا، أصبح عند جزء من الأمة التسليم بأننا نواجه عدوا شرسا وأصبحنا عن "وعي" نردد مقولة أننا نواجه "الجيش الذي لا يقهر"، وأن الكيان الصهيوني المسمى "اسرائيل" هو "أقوى دولة في الشرق الأوسط" علما أننا يجب أن نعيش الماضي بمنطق يذكرنا أن هذه الأرض المباركة المسماة فلسطين هي أرضنا، وأن نعيش الحاضر الذي نحن شهود عليه والذي يعلمنا أن إرادة المقاومة لا تنكسر، وأن نعيش المستقبل الذي علمنا وبشرنا فيه القرآن الكريم في فواتح سورة الإسراء "وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا". جميع المعطيات تدعونا لأن نتفائل ونعتز بأن لنا فلسطينوالقدس والمسجد الأقصى نساء وشباب ورجال هم فعلا كما قال الراحل عرفات "شعب الجبارين". في ميزان الصراع مع العدو الصهيوني من المجحف استدعاء الحساب الرياضي، لأننا أمة تذكرها أحداث السيرة أن جيوشها الأولى انتصرت وهي قلة وتذكرها أن يوم أعجبتنا كثرتنا كدنا ننهزم … ونحن أمة بالمعطيات المادية ليست لنا الترسانة العسكرية للاحتلال وحتى إن وجدت فهي لا تملك قرارها، فإطلاق الرصاصة لا يكون إلا بإذن تاجر السلاح الذي هو في نفس الوقت الخصم والحكم .. القدس صنعت برباط أبنائها ملحمة أسطورية حيث إن قرار منع الصلاة في المسجد الأقصى من طرف الصهاينة فقد وظفه المقدسيون وسوقوا له وعروا عنصرية الكيان واستمروا لحوالي أسبوعين دون صلاة داخله حتى تزال كل أدوات التجسس الرخيصة من أبوابه بل إنهم عبروا عن حل تفاوضي عالي إذ أضافوا إلى شروطهم شرط "الدخول إلى المسجد الأقصى لكل الأعمار. الربح الآخر هو كم التعبئة التي حصلت في الشارع المقدسي بين مختلف مكوناته من مسلمين ومسيحيين وقوميين، الكل ينادي بالحرية والغضب للمسجد الأقصى وتجسد فعليا أن "الأقصى والقيامة" في الرمزية والقدسية سيان. دماء الشهداء التي روت ساحات المسجد الأقصى لم تذهب هدرا وأكثر شيء يرعب الصهاينة هو أن يعيشوا حالة غياب الأمن ليس في القدس فقط بل في مناطق احتكاك أخرى، ولعلهم فطنوا ولو متأخرين أن الرهان على الأنظمة من أجل إخماد بركان الغضب في القدس أصبح رهانا خاسرا بالنظر إلى الصورة الكارثية التي أصبحت لمجموعة من زعامات الدول العربية. لقد أدرك المقدسيون أن حل القضية بيدهم وبيد من يساندهم من الأحرار في العالم فأداروا المعركة إعلاميا وتراضيا عبر الصور والهاشتاغات والبث المباشر، فأصبح للقضية امتدادها وعاد إليها وهجها. ويبقى أكبر ربح أنه في الوقت الذي تراهن فيه بعض الأنظمة العميلة على صفقة القرن من أجل تصفية القضية وتصفية منهج المقاومة، يصنع أهلنا في القدس ملحمة انتصار تؤكد أن السنوات القادمة ستكون عجافا على الكيان وستغاث فيها الأمة بنصر قريب تصنعه العقول العالمة والوجوه المتوضئة والسواعد الفتية … الرهانن الحقيقي في العمق هو استثمار هذه الأحداث في بث وعي مقدسي في الأجيال القادمة حتى نبني ثقافة مراكمة الانتصارات ونعيش فرحة التحرير والصلاة في المسجد الأقصى.