أثار القرار الذي أصدرته وزارة الداخلية بشأن منع وسائل الإعلام من إعداد ونشر استطلاعات للرأي ذات طابع سياسي، ردود أفعال متبانية، بين من يرى قرار الوزارة قانوني ويهدف إلى حماية نزاهة الانتخابات من استطلاعات الرأي "المخدومة"، فيما يرى آخرون أن القرار يحاول احتكار استطلاعات الرأي بهدف حجب المعلومة عن المغاربة والتضييق على حرياتهم. وكان بلاغ لوزارة الداخلية أكد أنه "حفاظا على المسلسل الانتخابي، ودرءا لكل ما من شأنه الإسهام في توجيه إرادة واختيارات الناخبين، فإنه يمنع إنجاز أو نشر استطلاعات الرأي ذات الطابع السياسي بأية وسيلة كانت، تحت طائلة المتابعة القانونية التي ستصبح ذات طبيعة جنائية". قرار احتكاري اعتبر المؤرخ والمحلل السياسي المعطي منجيب أن قرار وزارة الداخلية هو قرار احتكاري يهدف إلى منع المواطنين من الإطلاع على المعلومات التي بحوزة النظام، الذي يجري استطلاعات رأي سرية من أجل معرفة توجهات المواطنين بخصوص الأحداث السياسية وموقفه من الأحزاب، مشيرا أن تلك استطلاعات الرأي التي تنجزها وزارة الداخلية تستغلها من أجل تمريرها لأحزاب مقربة من الدولة دون أخرى. وأضاف في تصريح لجريدة "العمق المغربي" أن استطلاعات الرأي المستقلة، لا تخدم مصلحة وزارة الداخلية ولا تخدم أجندتها، لكونها تضع حقيقة توجهات المواطنين أمام الرأي العام بشفافية، كما من شأن تلك الاستطلاعات، يشير منجب، أن تمنح للأحزاب السياسية المعارضة أرضية علمية من أجل بناء موقف مشكك في نتائج العملية الانتخابية التي سيتم اصدارها بشكل رسمي مباشرة بعد اجراء الاستحقاقات الانتخابية. وأكد أن منع إجراء استطلاعات الرأي يستهدف أحزابا بعينها كما يستهدف أيضا بعض الأشخاص، مشيرا أن إجراء استطلاع رأي مستقل في الدارالبيضاء مثلا حول شخص معين لا تريده وزارة الداخلية أن يفوز في الانتخابات سيضر بصورة الداخلية إذا ما تم "انجاح" مرشح آخر تريده الوزارة خدمة لأجندتها، لأن من شأن ذلك أن يجعل الوزارة في قفص الاتهام مباشرة. وأبرز أن الدولة يكون لها موقف من بعض الأشخاص في كل الأحزاب الذين يتوفرون على نوع من الاستقلالية أو يزعجون السلطات المحلية بمواقفهم المتناقضة أو الرافضة لتوجهاتها، وهو ما يدفعها إلى العمل من أجل منعهم من أن يتحملوا المسؤولية في عدد من المدن، مبرزا أن وجود استطلاعات رأي مستقلة ستحرج الدولة إذا ما نجح شخص آخر عكس توجهات استطلاع رأي المواطنين. قرار قانوني في توقيت غير بريئ وفي السياق ذاته، اعتبر القيادي بحزب العدالة والتنمية حامي الدين، أن قرار وزارة الداخلية بمنع وسائل الإعلام من اجراء استطلاعات الرأي ذات الصبغة السياسية هو قرار قانوني، إلا أن توقيت إصدار البلاغ له أهداف أخرى، منها انزعاج الوزارة من بعض استطلاعات الرأي التي تعطي الامتياز لمصلحة العدالة والتنمية، وتشكك في حياد وزارة الداخلية في الانتخابات المقبلة. وشدد على أن منع اجراء استطلاعات الرأي لم يصدر خارج إطار القانون، وإنما توقيت نشر البلاغ هو الذي غير مناسب بالنظر إلى أن توقيت الحملة الانتخابية لم يصل بعد، مشيرا أن الداخلية اعتمدت في قرارها على القانون 57.11 المتعلق باللوائح الانتخابية العامة وعمليات الاستفتاء الذي صادق عليه البرلمان، غير أنه لا يوجد أي قانون يحدد شروط إجراء استطلاعات الرأي لحد الساعة. وفي الإطار ذاته اعتبر القيادي في حزب الأصالة والمعاصرة عبد اللطيف وهبي أن قرار وزارة الداخلية هو قرار سليم من الناحية القانونية، مشيرا أن فسح المجال لمثل تلك الاسطلاعات من شأنه أن يستغل من قبل جهات سياسية من أجل تغليط الرأي العام لأجل خدمة أجندتها الخاصة. فراغ قانوني من جانبه اعتبر المحلل السياسي عبد الرحيم العلام أن الموضوع متعلق بجانبين، الأول مرتبط بوجود تخوف من استغلال جهات سياسية معينة لاستطلاعات الرأي وهو ما حذا بالمشرع إلى سن قانون يمنع اجراء استطلاعات الرأي قبل 15 يوم من انطلاق الحملات الانتخابية، حيث جاء بلاغ وزارة الداخلية في هذا الإطار. أما الجانب الثاني، فيرى العلام، أن المغرب يفتقد إلى قانون ينظم استطلاعات الرأي بشكل دقيق ومضبوط، ويحدد كيفية إجرائها، مبرزا عددا من الاستطلاعات يتم اجرائها بشكل غير علمي ومستقبل، وهو ما يساهم في ترويج اشعاعات لا تتوافق وحقيقة توجه الرأي العام، كالقول إن استطلاعا أظهر أن الناخبين ضد هذا أو مه هذا. وأبرز العلام أن استطلاعات الرأي في الدول الديموقراطية هي شيء مواز للعملية الانتخابية، بل إنها تستمر إلى ما بعد العملية الانتخابية بهدف معرفة مسارات السلوك الانتخابي للمواطنين، غير أن هذه الاستطلاعات تقوم بها مؤسسات تحترم المعايير العلمية التي تجرى بها استطلاعات الرأي. وأضاف المصدر ذاته، أن قرار وزارة الداخلية بمنع استطلاعات الرأي هو قانوني وشرعي، غير أن الدولة كان عليها أن تصدر قبل ذلك قانون ينظم استطلاعات الرأي، لأنه لا يمكن منع أسلوب ديموقراطي ومقبول دون اصدار قوانين تقوم بضبطه وتقنينه.