، شخصية باعمرانية طبعت الساحة السياسية والجمعوية بسيدي إفني بكثير من الجدل، وذلك بسبب تحركاته التي بصمت عن لحظات ذات انعطافة تاريخية بعاصمة آيت باعمران، بدءً بأحداث السبت الأسود سنة 2008، ومرورا بتشكيل السكرتارية المحلية وانتهاء بترؤس المجلس البلدي لسيدي إفني، فدخول السجن بعد ذلك. في هذه الحلقات المعنونة ب "السر" والتي خص بها الوحداني جريدة "العمق المغربي"، نتعرف بشكل أقرب إلى شخصية الوحداني ومساره طيلة عشرين سنة من حياته، حيث يحكي عن تجربته بانتصاراتها وانكساراتها، حكايات وفاء وحكايات خيانة مقربين وأصدقاء، تقاطعت حكاية حياته مع حيواتهم. الحلقة الأولى: المؤامرة اخترت عنوان السر، لأحكي تجربة عشرين سنة من حياتي، بانتصاراتها وانكساراتها، حكايات وفاء وحكايات خيانة مقربين وأصدقاء، تقاطعت حكاية حياتي مع حيواتهم. وتعمدت أن تبتدأ اليوميات من لحظة شكلت فاصلا حساسا في تجربتي الإنسانية والنضالية، لحظة أحسست فيها بيد الغدر القريب مرة أخرى تفترس ماتبقى في من ثقة في نخب آيت باعمران، التي مافتئت كل مرحلة تاريخية تبيعنا بخيانة بئيسة، لحظة انقضاض ستة أمنيين علي، بمدخل أوطيل أنزي بأكادير، حيث مقر إذاعة Mfm الواسعة الإنتشار. كنت في ذاك المساء الشتائي عام 2014، على موعد مع الصحافي الباعمراني مدير البث بالإذاعة، السيد ابراهيم بوليد الرئيس الحالي للمجلس الإقليمي، لإجراء حوار مباشر على اثير البث الوطني ، موضوعه فيضانات 2014، وإقليم إفني المنكوب. شاءت الأقدار أن أكون في تلك الفترة من شتاء عام 2014، وفي لحظات كثيرة، نقطة التواصل الوحيدة بين إقليم إفني والعالم، وبين أبناء آيت باعمران وعائلاتهم عبر القارات، وبين وسائل الاعلام الجهوية والوطنية والدولية ومعلومات مايقع في المنطقة. أقلتني سيارة الأجرة بمحاذاة الباب الأمامي لفندق أنزي. إتجهت صوب حارس البوابة، كنت أعرف أن مقر الإذاعة يوجد به، فقد أجريت به حوارا سابقا منذ سنوات، لكني نسيت المكان تحديدا. رد علي الحارس السلام وأجابني قائلا: الإذاعة كاينا من جهة الباب التحتاني، وأشار علي بالسير في طريق طويلة وملتوية باردة ، من خلالها سأصل الى باب الإذاعة. شكرته ومشيت طريق الأخطار. كنت أمشي خطواتي بين بنايات أنزي الشاهقة، وأشجار باسقة في تلك الطريق القارسة، وأصوات تملأ رأسي، تذكرت معها إتصالات أصدقاء، وصحافيين، ومناضلين، ووساطات جهات رسمية! ومنتخبين: "واسي محمد بلاش ماتمشي لداك الحوار، ولكن أنت راسك قاسح غادي تمشي". وآخرون: "والرئيس واش زاعما انت داير الثقة فبوليد را غار بغا يجيبك ليهوم! مكالمة هاتفية. ابراهيم بوليد: مرحبا البطل، كي داير؟ محمد الوحداني : سلام سي إبراهيم، الحمد لله ها حنا مع الوقت. إبراهيم بوليد: برافو عليك، الفايس تاعك سلط الضو على النكبة تاع آيت باعمران، آش بان لك في شي حوار حول الموضوع؟ الوحداني: في الحقيقة هادي وقتو الله يكبر بك، على الأقل نفكو الحصار الاعلامي على المنطقة، را شفتي التلفزة والاعلام مرة أخرى مهمش آيت باعمران، بحال إلى ما وقع والو. بوليد: صحيح، أنا را متابع الصفحة تاعك، وفي الحقيقة أنت اللي تصلح تفضح مايقع في الاقليم، غير شوف آ الزعيم الحوار غادي نديروه بلا ماتجي، علحقاش ممكن إكون شي خطر عليك، آش بان لك نديروه هاتفيا أحسن وحماية لك البطل ديالنا؟ الوحداني: قل لن يصيبنا إلا ماكتب الله لنا، ربي إلى كتب علي الحبس غادي نمشي ليه! وزايدون الحبس أنا معول عليه دائما، هاد الحكرة والقهرة كثيرة بزاف، را شفتي آش كتبت في الرسالة المفتوحة للملك، والمنشورة في جريدة الوطن الآن، كل ما يتعرض له، وتعرض له الباعمرانيون بزاف … قلت فيها : السجن أو الموت أرحم. بوليد: الله يهديك أسي محمد، المهم عول على الحوار غدا، وبالهاتف، آش داك لشي حبس أوا. مر الحوار هاتفيا، وكان ساخنا ومثمرا، تكلمنا فيه عن إقليم إفني المهمش والمحكور، عن المواطنين الذي يبيتون في العراء، عن نكبة الإقليم وانقطاعه عن العالم، منازل تهدمت، وطرق وقناطر حملتها السيول الجارفة، عن الخصاص المهول في الماء والكهرباء والغداء والغطاء، عن يأس الناس وفقدهم الثقة في المستقبل والمؤسسات، عن الميزانيات التي نهبت ... طالبت في الحوار بأن تتحمل الدولة مسؤوليتها الوطنية والتاريخية إزاء أحد أكثر القبائل وطنية عبر تاريخ المغرب. وصرخت بأن حالات وفاة عديدة يعرفها الإقليم بسبب انعدام الدواء والمواصلات أو انهيار الطرق والقناطر، واستمرار سيول الأمطار، وجثثا تنهشها بفظاعة الحيوانات الضارية والأليفة. كل هذه اللحظات استرجعتها وأنا في طريقي إلى المؤامرة / الحوار. حدسي كان يراوحه شك ممزوج بثقة خارقة وخرقاء بأن أي من أحد الباعمرانيين لا يمكن أن يتآمر علي إلى هذا الحد! في لحظة وأنا في منتصف الطريق داخل أوطيل أنزي، برق في ذهني رجع مناقشة مع أحد الأصدقاء حينما قال لي: علاش مادار بوليد خبر الحوار معك في الصفحة ديالو؟ هداك فراسو شي حاجة! إتصلت يومها ببوليد وبعد كلام عام، قلت له: سي إبراهيم شفتك مادرتي والو في الصفحة تاعك حول الحوار تاع نهار الإثنين، فأجابني وصوته يتهدج: لا، علاش؟ را كاين، درتو. دخلت بعدها صفحته لم يكن الخبر منشورا. حاولت أن أنشر الخبر الذي كتبته في صفحتي على حائط حسابه الفايسبوكي، لكنه لم يرخص لمنشوري بالظهور. كم كنت غبيا! مكالمة هاتفية. إبراهيم بوليد: مرحبا الزعيم ديالنا، كي داير وكي دايرة آيت باعمران؟ محمد الوحداني: أهلا وسهلا سي إبراهيم، بصاحتك دوك المساعدات تاع الراديو لساكنة اقليم إفني إشارة وتقدير كبير لآيت باعمران ولتاريخها. بوليد: هداك أقل واجب، شوف آش بان لك أسي محمد في شي حوار مباشر يبث وهاد المرة وطنيا. خاصنا شي واحد من الشعب يتكلم على المضرورين والمواطنين، والحمد لله رانك معروف في البلاد كلها وهادي فرصة تكلم فيه على نكبة الفيضانات وأنت من أكثر المتابعين الآن لهاد لملف في الإعلام الوطني، غادي تكون في البلاتو تاع أكادير، والحكومة غادي يمثلها الرباح وزير التجهيز المسؤول على الطرقان والقناطر التي طاحت، وعلى السدود اللي مادارت والو! الوحداني : ok، ها أنا موجود، هادي نيت فرصة تعرف الحكومة والشعب المغربي، بأن الإقليم تاعنا منكوب وفيه ضحايا وموتى، ورا عندي المعطيات الرقمية والاسمية تاع كل شيء. على بركة الله. وأنا أقترب من البوابة الخلفية لأوطيل أنزي حيث مقر إذاعة Mfm، تهاطلت سيول كل هذه الوقائع والمكالمات ومحاولات كثيرين ثنيي عن الحضور إلى هذا الحوار الإذاعي، وإصرار بوليد على حضوري الجسدي هذه المرة، بعد أن كان مصرا على إجراء الحوار الأول هاتفيا، لأن حضوري فيه تهديد لسلامتي ولحريتي وكما قال آنذاك: أنت مبحوث عنك ، يجب أن نحافظ عليك، يحب أن لا نغامر بك. ماذا تغير الآن إذن؟ فأنا مازال مبحوثا عني. كنت أستبعد أن يدخل إبراهيم بوليد في أي مؤامرة ضدي، آخر مكالمة كانت معه كانت في منتصف نهار يوم 15 ديسمبر 2014. مكالمة هاتفية. الوحداني محمد: السلام سي ابراهيم، إتصلت معك للتأكد من أن الحوار باقي كاين، لا يكونو ضغطوا على الراديو باش يلغي البرنامج؟ ابراهيم بوليد: مرحبا بالزعيم، لا شكون غادي يضغط علينا؟ حنا إذاعة خاصة، وسي لحلو كاد على سواقو، لاش زاعما قلت هاد الخبار؟ فراسك شي حاجة؟ الوحداني: ههههه بحال هكداك، جاني اتصال من واحد السيد مسؤول وجزء من اللعبة د السياسة فهاد البلاد. بوليد: آش أوا كتقول؟ شكون هذا؟ آش بغا؟ الوحداني: ههههه المهم المصادر خليها، هي والأسماء. السيد كيقول: يجب أن احترم المقدسات، والعامل بلاش مانجبدو، لأن الداخلية هاديك، فأجبته: المقدسات اللي كنعرف هي الله والوطن. والملك أنا احترمه كملك وأقدره كأنسان لأني تعاملت معه مباشرة حينما استقبلني واحترمني. العامل ماشي مقدس، العامل موظف. بوليد: واش باقي؟ الوحداني: صافي، قل لي آش من وقت غادي نجي إن شاء الله؟ بوليد: حاول تجي بشي 45 دقيقة قبل باش نوجدو للبرنامج، لأنه سيبث وطنيا ومباشرة. حضرت قبل الوقت ب 40 دقيقة وكل اتصالاتي باءت بالفشل مع السيد الصحافي ابراهيم بوليد، ولم يجبني إلا قبل اعتقالي بخمسة دقائق قائلا لي: "داني النعاس"! لما وصلت بجانب باب إذاعة Mfm رأيت تحركات غريبة! وأشخاصا موزعين على أماكن متفرقة، ويتبادلون النظرات، حينها علمت بأن المؤامرة إكتملت حلقاتها، وأنني سقطت في الفخ. أكملت سيري، وعاودت الإتصال ببوليد، ولكن الهاتف يرن دون أن يجيب بوليد!، إبتعدت مايقارب الكيلومتر عن الإذاعة، لم يتبعني أحد! حينها فقدت الثقة في العالم. أبي الذي أعتبره صديقي وأخي خفت عليه من أن أتصل به وأخبره بما وقع. خديجة زيان، ورطتها في الاعتقال عام 2008، حينما زارتني في السجن، ووصلني خبر أن أمها قالت لها: ها السخط إلى خرجت باقي ناضلتي. أخي عزيز كنت على خصام معه لأنه أصر على عدم حضوري لإجراء الحوار، فكان ردي قاسيا عليه في آخر مكالمة معه، وقطعت بصلافة مكالمتي معه في وجهه! أخي جمال يعتبر كل ما أقوم به من نضال دعوة إلى الفتنة والخروج على ولي الأمر المحرم شرعا. الوحيد الذي ثقت فيه لحظتها وقلت أبدا لا يمكن أن يخونني هو: لحسن بولقطيب لأنني خبرته، لا يمكن أن يشترى بالمال أو بالإغراء أو أن يتخلى عني بالتهديد. إتصلت به: قلت له بعد 15 دقيقة إتصل بي إذا وجدت الهاتف مغلقا، أخبر أخي عزيز كي يخبر أهلي بأنني: إما أختطفت، أو أعتقلت، وودعته، وأوصيته بأنني أحب آيت باعمران حتى الموت أو السجن. وهاهو رقم بوليد أبراهيم يظهر على شاشة الهاتف، وأخيرا قررت أن أتجه صوب حتفي. يتبع ... ملحوظة: إن هذه المادة لا تعبر عن موقف جريدة "العمق المغربي" وإنما تعبر عن رأي كاتبها، لذلك وجب التنويه أن الجريدة لا تتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ما تتضمنه هذه المادة.