كثر الكلام في الآونة الأخير ة عن مصطلح " الكولسة" عند بعض الأحزاب والجمعيات والمنظمات باعتباره سلوكا منحرفا يلجأ إليه بعض الأفراد قصد التشويش على الديمقراطية الداخلية وضربها في جوهرها وروحها والمس بالمقاصد النبيلة التي جاءت من أجلها، وقد يحتج البعض الآخر إلى أن هذه العملية أي " الكولسة" هي وسيلة للوقوف في وجه الجهة التي قد تؤثر سلبا على توجهات التنظيم أو تسعى إلى السيطرة عليه، وقبل الخوض في مناقشة هذه الظاهرة، لا بد من تعريفها ثم نأتي على تحليلها ومقاربتها بشكل موضوعي وعميق. أصل هذه الكلمة يأتي من الكواليس أي الأمور تنجز خلف المنصة الظاهرة للجمهور في المسرح أو التلفاز أو غيره، فكل الأشياء غير الظاهرة لنا تسمى كواليس، وهذا أمر محمود في هذا المجال، إذ لا بد للمسرحيين أو الفنانين من تحضير المادة التي ستعرض على الجمهور إعدادا جيدا في الكواليس قبل عرضها في المنصة الأساسية، وكلما كان الإعداد جيدا والتدريب متقنا، كان العرض النهائي موفقا وناجحا. ثم انزاح استعمال هذا المصطلح ليوظف في مجالات أخرى، يقصد بها عملية التحضير و الإعدد المسبق في الزوايا المظلمة غير الشرعية سواء كانت بيوتا أو مقاهي أو أو مقرات أو أماكن أخرى، والتي يجتمع فيها فردان أو مجموعة أفراد من أجل الاتفاق والتوافق على تبني خيار معين أو موقف موحد أو التحيّز إلى شخص أو تبني قرار ما.وكما هو معلوم فإن كل الهيآت والأحزاب والجمعيات تنتظم في لقاءات وجموع عامة يتم فيها الحوار والنقاش والتداول وطرح الأفكار ووجهات النظر المختلفة من أجل ترشيد أو تقريب المواقف والقرارات والاستراتيجات والتوجهات العامة، أو اختيار مرشحين لشغل مسؤوليات ومواقع تنظيمية معينة. والمتتبع لهذه الآفة"الكولسة" يمكنه الوقوف على مفاسد كثيرة من شأنها أن تمس كينونة المنظمات وكنه التجمعات التي تتساهل في التصدي لها والضرب على أيدي مقترفيها، ويمكن بسط بعض هذه المفاسد كما يلي: أ. ضرب مبدأ الديمقراطية والعبث بآلياتها ووسائلها ومقاصدها. ب. المس بمصداقية الأفراد والهيآت وضمور المصداقية والنزاهة الداخلية. ت. تعريض التوجهات العامة والخيارات الاستراتيجية إلى الانحراف والتمييع. ث. اختيار بعض القرارات أو الشخصيات غير المناسبة والتي قد تعرض مستقبل الهيئة للخطر. ج. تفشي انعدام الثقة بين القيادة القاعدة، وظهور تيارات أو تحالفات من شأنها أن تعصف بالهيئة أو التنظيم. ح. زوال المقاصد والقيم الجامعة للتنظيم وذهاب ريحه وضمور رسالته ومشروعه الحضاري. كل هذه المفاسد وغيرها كثير تفرض على الشرفاء من أبناء هذا البلد تجنب هذه الآفة والابتعاد عنها، لأنها توصل إلى نتائج خطيرة تمس روح العملية الديمقراطية وجوهرها، وهو سلوك يترجم مدى ضعف إيمان أصحابه بالخيارات الديمقراطية، والفاعلية النضالية. وقد يقول البعض: إن بعض الأفراد قد يجمعهم النقاش من أجل ترشيد العمل والرفع من قوة التنظيم وتقوية اختيارته، ونحن نرى أنه لا بأس في اجتماعهم ما لم يكن هذا الاجتماع من أجل الاتفاق على رأي موحد وخطة محبوكة لدعم هذا أو إسقاط ذاك، أو التصويت لصالح قرار مشروع، خارج الوحدات التنظيمية الشرعية، هذه هي " الكولسة " المرفوضة والمحرمة، وهذه هي " الكولسة " التي تضرب بالديمقراطية والشورى عرض الحائط وتتسبب بمفاسد وأضرار خطيرة على مستوى الأفراد والهيآت، ولذلك ينبغي سد هذا الباب وإغلاقه بإحكام، فكل وسيلة تؤدي إلى أمر محظور ينتج عنه مفسدة فهو مرفوض وغير مرغوب فيه.