منذ الساعات الأولى لصباح اليوم الأربعاء بدأت أفواج المصلين، رجالا ونساء وأطفالا، تتقاطر على مركز الملك فهد الثقافي الاسلامي ببوينوس أيريس لأداء صلاة العيد بمسجده الكبير، وتبادل التهاني والمتمنيات في أجواء يطبعها الإخاء والتسامح والتضامن وصلة الرحم. فعلى غرار باقي الأوطان الاسلامية، توجهت الجاليات المسلمة المقيمة بالأرجنتين إلى مختلف المصليات والمراكز الاسلامية لأداء صلاة العيد وشكر الله عز وجل على نعمه وآلئه التي خص بها عباده خلال الشهر الفضيل، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار وشهر الفضائل والتعبد والتقوى ميزه الله عن سواه من شهور السنة بأن أنزل فيه القرآن الكريم. سيكون من الصعب حصر مسلمي الأرجنتين ضمن نطاق جغرافي أو عرقي معين وذلك لأن الجالية المسلمة بهذا البلد الجنوب أمريكي تبدو كفسيفساء متجانس الألوان والأعراق والسحنات التي تنتمي إلى بلدان وأوطان وثقافات وحضارات متشعبة، لكنها تنصهر في بوتقة واحدة تتمثل في الانتماء للدين الاسلامي الحنيف، الذي لا يقيم الفرق بين عربي أو أعجمي ولا بين أبيض أو أسود إلا بالتقوى وبدرجة الايمان بخالق الكون وجاعل الناس شعوبا وقبائل. ومن بين جموع المصلين، تبدو الحاجة حورية المدغري العلوي، في عقدها السادس، وهي ترتدي جلبابا مغربيا يشي بذوق رفيع وينم عن تشبت بالعادات والتقاليد الأصيلة التي لا يمكن للمغاربة التنازل عنها أينما حلوا وارتحلوا في جولاتهم بأرض الله الواسعة، وخاصة في مثل هذه المناسبات الدينية كعيد الفطر الذي ترجو الحاجة حورية أن يعيده على كافة الأمة العربية والاسلامية بالخير واليمن والبركات، معربة عن أحر التهاني وأغلى الأماني لجلالة الملك محمد السادس بموفور الصحة والسعادة وطول العمر. من جانبه، وبمناسبة عيد الفطر المبارك هنأ مدير مركز الملك فهد الثقافي الاسلامي ببوينوس أيريس، السيد نايف الفعيم، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، صاحب الجلالة الملك محمد السادس وخادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، متمنيا أن يجعل الله أيام المسلمين كلها أعيادا وفرحا ومسرات. ويقول إبراهيم وهو سنغالي يقيم ببونوس أيريس منذ سنوات، في تصريح مماثل بهذه المناسبة، ندعو الله أن يتقبل من الجميع صالح الأعمال وأن يعم الأمن والسلام والرفاهية والازدهار على كافة الأمة الاسلامية وأن يحفظ قادتها وفي مقدمتهم جلالة الملك محمد السادس، مشيرا إلى الجالية السنغالية بهذا البلد "فخورة بالأدوار التي يضطلع بها جلالة الملك لخدمة المسلمين أينما تواجدوا وتقدر الجهود التي يقوم بها جلالته في سبيل تحقيق التنمية بالقارة الافريقية". ويشكل عيد الفطر بالنسبة للحسين مناسبة لصلة الرحم مع إخوانه المغاربة والعرب الذين تحول في بعض الأحيان ظروف العمل بينهم، فليس هناك من سبيل للقاء بهم وتجاذب أطراف الحديث معهم، نظرا للانشغالات اليومية ومصاعب الحياة التي يفرضها التواجد ببلاد الغربة. أما لحسن، الذي اختار أن يتوجه إلى المسجد مرتديا، وبكل فخر واعتزاز، جلبابه التقليدي الصوفي، يقيه برد بوينوس أيريس القارس، وهو المزين بخطوط جمعت اللونين الأسود والأصفر منحت هندامه أناقة لا تخطؤها العين، فقال إن العيد مناسبة للإعراب عن أجمل المتمنيات بغد أفضل للأمة الاسلامية، داعيا الله أن يحفظ بلدان المسلمين من كل سوء وأن يحفظهم من آفة الارهاب التي باتت تضرب في كل مكان. صحيح أن العيد بديار الغربة يعتبر قاسيا في غياب الأهل والأحباب، يقول الحسين، الذي لم يكمل عامه الأول بالأرجنتين، مضيفا أن لوعة الأشواق إلى الأبناء والأهل والأحباب بالمغرب لا يخفف من قسوتها سوى ذلك اللقاء مع أبناء البلد والحديث إليهم في جلسات ما بعد صلاة العيد التي تحضر فيها كؤوس الشاي بالنعناع ولا تغيب عنها مختلف الحلويات التي يحرص كل مغربي على أن يدس ولو القليل منها في حقيبته قبل أن يشد الرحال إلى ديار المهجر. وفي خطبة العيد بالمسجد الكبير بمركز الملك فهد الثقافي الاسلامي ببوينوس أيريس، توقف الخطيب عند أهمية الصلاة التي هي عماد الدين وأم العبادات وأفضل الطاعات فهي قرة عيون الموحدين ودأب الصالحين، مذكرا في هذا السياق بوصية الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم). كما شدد على أهمية صلة الرحم وزيارة الأهل والأقارب والأحباب خلال هذه المناسبة الدينية العظيمة، التي تسمو بالنفوس، داعيا إلى التصافح والتسامح وبنذ البغضاء والكراهية وتطهير القلوب من الشحناء والسخيمة. وفور نزول الخطيب من على منبره، انخرطت جموع المصلين في رسم صورة غاية في الروعة فيها من المحبة والإيخاء والصفاء ما قد تعجز الكلمات عن وصفه وقد ذابت الفوارق بين الناس وهم يتبادلون التهاني في يوم هو للتسامح والتراحم والبهجة والفرح والسرور بعد قضاء شهر فضيل يرجون الله أن يتقبل منهم قيامه وصيامه وصالح أعمالهم.