منذ زمن بعيد أصدر المفكر الإسلامي عماد الدين خليل كتابا بعنوان (نحو إعادة تشكيل العقل المسلم) عالج فيه أزمة العقل المسلم الذي أصيب بالإعاقة الفكرية على مختلف المستويات، وفقد حاسة الإبصار والاستبصار فيما يخص تجديد القراءة للدين باعتباره رسالة الله للإنسان في كل زمان ومكان. ومنذئذ- وحتى قبلئذ- رسمت في الأفق الفكري أسئلة حائرة: من أين نبدأ؟ وما المدخل إلى فك الانسداد العقلي والعقم الفكري؟ وكيف السبيل إلى كسر أغلال التقليد والموروث الثقافي و(العلمي) الذي عد من المقدسات عبر مئات الأعوام وعبر مسار التاريخ؟ وبرقت في سماء الفكر الإسلامي بوارق من نور بين الحين والحين، تمثلت في دعوات وصرخات منادية بالتجديد والمراجعة النقدية الفاحصة منها القديم ومنها الجديد كادت أن تتبلور- أو تبلورت- في مدارس تجديدية، مثلها في القديم الإمام الشوكاني والإمام الصنعاني، والإمام الطنطاوي، والإمام محمد شلتوت، ومثلها في الجديد في آسيا أبو الحسن الندوي، والكندهلوي ومحمد إقبال، وفي الشرق العربي جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، ورشيد رضا، وابن باديس، وسيد قطب، وحسن الترابي، ومحمد الغزالي ومن مشى معهم وبعدهم على هذا الدرب اللاحب الشاق. لكن مع الأسف قوبلت هذه الدعوات ببعض( حراس التراث) ممن عنونوا لحراستهم بالسلفية وحاملي راية السنة ولواء الحديث النبوي الشريف، وبقي العقل الإسلامي في محنته بين دعاة ودعوات مختلفة الألوان، وإلى جانب هذا الحجر (السلفي) المدعوم بالوهابية الخليجية والسعودية النجدية بدولتيها القديمة والجديدة. إلى جانب هذا كان العقل الآخر الغربي ينقص أرض الإسلام من أطرافها ويستحوذ عليها مصرا مصرا، ليبني حضارة إنسانية جديدة على مقاسه فيها ما ينفع وما يضر، لكنها في النهاية تمثل جزءا كبيرا من الاستخلاف الذي ما كان الانسان وما وجد إلا من أجله على هذا الكوكب المعلق الدوار. ولأن الإسلام دين الله ولأن القرآن خطاب الله ضمن له الحفظ لفظا ونطقا - فقد ضمن له أيضا- الحفظ فهما وتدبرا وتعقلا، بتسخير من ينفي عنه غلو الغالين وانتحال المبطلين وتحريف الدجالين. إن من بين صيحات التجديد الجديدة اليوم- وامتدادا لخط المدرسة الفكرية العقلانية عبر التاريخ- تنبعث ظاهرة المفكر الألمعي الفلسطيني (عنان إبراهيم) هذا العبقري المجدد الذي أمسك الثقافة من تلابيبها و الفكر من ناصيته وجرد نفسه من مذهبية الفقه والمعارف وكسر كل قيود وسياجات الطائفية الفكرية، وفكك الأسلاك الشائكة الملتفة على قضايا مختلفة في التراث، طالما سكت عنها وتغاضاها العالمون والمتعالمون والمتعلمون، حيث اعتبروها من مسلمات الدين ومعصومات التراث ومقدسات الإسلام. إن هذه الظاهرة/ المدرسة (العدنانية) تطرح اليوم أسئلة الإيقاظ والإحراج التي عجز عن طرحها وتهيب من طرقها حتى المجامع والمجالس العلمية الإسلامية التي عمرت طويلا إلى أن شاخت وحاصرها الموت من كل مكان. إن هذا الصوت المجدد في هذه المائة سنة لجدير أن تلتف حوله وتسيرمعه كل الأصوات الصادقة، لتطرح بعض الإشكالات الفكرية القديمة الجديدة، التي غطاها قناع القداسة والعصمة، حتى تحولت إلى فيروسات فكرية نخرت الفكر الإسلامي من الداخل وجرأت عليه المستشرقين والمستغربين والمستلبين، لينالوا منه ويكشفوا عورته وكأنهم ينالون من الإسلام القرآني -لا التراثي- البشري الذي أفرزته ثقافة العصور الخالية المليئة بالصراعات والخرافة والدجل والإسرائليات وشظايا الفلسفة اليونانية الإغريقية والهندوسية والفارسية الممجوجة. إن المدرسة (العدنانية)اليوم بريادة معلمها وأستاذها عدنان إبراهيم ذي الدم الفلسطيني صاحب الصوت الصادق النشاز الصريح، لجديرة بالدعم والمؤازرة لتسهم في نهضة فكرية إسلامية تحقق تطلعات الأجيال وتجيب عن أسئلة العولمة الداهمة التي لا يقاومها أو يقومها إلا الإسلام الناصع الحصيف. بالامس تكلم في قضايا الإسلام محمد أركون ومحمد شحرور ونصر حامد أبو زيد وأمثالهم، تكلموا في قضايا ما كان للإسلاميين – حركات وهيئات رسمية وأكاديمية – أن يتجاهلوها أو يردوا عليها بمثل ما ردوا به من أحكام. كان يجدر أن ترد بالأفكار والأقلام، لابالتكفير وحبال الشنق والإعدام. إن مدرسة (عدنان إبراهيم ومثله حسن بن فرحان المالكي وكمال الحيدري) ومن يسير على سننهم، لهي الجواب الشافي لمن يبحث عن دواء الحيرة الفكرية، دون أن يدفن رأسه بين ركام المجلدات يبحث عن حجة لا تشفي العليل ولا تقمع الدخيل، إلا أن يأتي بصراخ واتهامات لا تكتسب قوتها من منطق أو ميزان، وإنما من أسماء قائليها وكأنهم معصومون أو ملائكة أطهار. إن المنطق القرآني علمنا( هاتوا برهانكم) وعلمنا(وإنا أو إياكم على هدى أو في ضلال مبين) وعلمنا(قل أولوجئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباكم) وعلمنا(سنريهم آياتنا في الآفاق). حجة غبية: في هذا المضمار جمعني محفل علمي مع أحد المنتسبين إلى مدرسة الحديث أو النص أو السلف. ألقى على الحضور مداخلة (تنويرية) بحث فيها من وجهة نظره ما ينبغي من تمسك بالسنة والكتاب، وحذر في معرض كلامه من أفكار (عدنان إبراهيم) ضاربا المثل به في تحريف السنة والدعوة إلى البدعة ومخالفة منهج السلف الأخيار!! في هوامش هذا المحفل استدرجته إلى المذاكرة فيما قال، سألته: سيدي هل قرأت شيئا خطه عدنان إبراهيم بقلمه ؟ قال : لا ! قلت: هل سمعته في ندوة أو محاضرة؟ قال: لا. قلت : هل زرت موقه الإلكتروني؟ قال: لا. قلت " هل سمعت حلقة من حلقاته المعروضة في الشبكة الإلكترونية، و تحديدا في موقع اليوتوب؟ قال: لا ! قلت ومن أين لك أنه محرف للسنة داعية للبدعة ؟ قال: هذا ما أسمع به من بعض من نثق بهم من أساتذتنا! قلت: عجبا ! ليتك سمعت من رب العزة وهو يقول على لسان إخوة يوسف عليه السلام (وما شهدنا إلا بما علمنا) فالقرآن أصدق دليلا وأقوى مقيلا. دردشة تكشف عما يعانيه الفكر الإسلامي من لوثات يصيبه بها من فقد أدوات االتحليل والتعليل والتأصيل، ومنهم حتى من يصنفون في عداد المدكترين أو المشيخيات، الذين تحجبهم ألقابهم عن الإبصار والاستبصار، فيقفون في طريق المجددين أحجار عثار . وبدل أن ينضموا إلى موكب النور والتجديد، يسخرون طاقاتهم – أو يسخرهم غيرهم في دوائر المكر الإيديولوجي- لإطفاء هذا المشعل الذي يقتبس من نور الله- لكن ( والله متم نوره ولو كره المشركون). أفلا تعقلون، أفلا تبصرون، أفلا تتفكرون.