صبي يشب في شوارع اسطنبول القاسية.. يبدو جادًا ومهذبًا.. ويبيع بذور دوار الشمس ويساعد الفقراء ويطلق عليه أصدقاؤه "الزعيم" ليصبح فيما بعد رجلاً يحارب قوى الظلام في سبيل بناء تركيا قوية وعادلة. هكذا تدور أحداث فيلم جديد بدأ عرضه في دور السينما التركية أمس الجمعة ويتناول حياة الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يهيمن على السياسة في البلاد منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، ويتهمه خصومه بتسخير كل إمكانات الدولة للظهور بمظهر الزعيم. ونفى الممثل "ريها بيه أوغلو" الذي يؤدي دور أردوغان أن يكون عرض فيلم "الزعيم" في هذا التوقيت يهدف إلى مساعدة أردوغان في الفوز باستفتاء مقرر في أبريل نيسان ومن شأنه أن يمنحه سلطات جديدة واسعة، وأضاف أن العرض الأول للفيلم تزامن مع عيد ميلاد أردوغان الثالث والستين. وقال "بيه أوغلو" في تصريحات للصحفيين فيما بعد: "سترافقني هذه المسؤولية الكبيرة على الأرجح طوال حياتي". ويلعب الممثل دور أردوغان حتى سجنه بسبب مزاعم أن له نشاطًا إسلاميًا قبل أن يصعد نجمه ليبلغ أعلى منصب في الدولة التركية، وقال: "من يُقبلون على مشاهدة الفيلم أناس يعشقونه وأنا منهم. لكن منتقدي أردوغان يرون في الأمر بذور حالة تشبه "التأليه" وسط اعتقالات جماعية وإقالات شملت: القضاء والشرطة والجامعات والإعلام، عقب محاولة انقلاب في يوليو تموز. وإذا أُقرت الإصلاحات التي ستطرح في الاستفتاء فإنها ستغير المشهد السياسي، وسيتمكن الرئيس من تعيين الوزراء وكبار مسؤولي الدولة وحل البرلمان وإعلان حالة الطوارئ وإصدار المراسيم. ويقول مؤيدو التعديلات إنها ضرورية في بلد يتعرض أيضا لهجمات من تنظيم الدولة الإسلامية والمسلحين الأكراد. لكن أحزاب المعارضة تقول إن التغييرات ستزيل الضوابط على نفوذ أردوغان الطاغي بالفعل بعد نحو 15 عامًا قضاها في السلطة نتيجة شعبية منقطعة. وقال الزعيم المعارض دينيز بايكال: "لا يمكن ائتمان شخص واحد على مصير أمة"، وشارك "بايكال" في بعض الائتلافات الهشة والمفتتة التي يبرر بها أردوغان سعيه لنظام رئاسي قوي. ويقدم أردوغان نفسه في صورة نصير الملتزمين دينيًا الذين عانوا الاضطهاد طويلاً من قبل نخبة علمانية أصبحت الآن مشوشة، ومن ثم يحتفي به الآلاف ممن يشاركون في مسيرات تأييده. وعقد المعلق السياسي مصطفى أكيول مقارنة تنطوي على مفارقة بين أردوغان الذي يعيد النزعة الإسلامية إلى الحياة العامة في تركيا، ومصطفى كمال أتاتورك الذي أقام دولة تركية علمانية على أنقاض الإمبراطورية العثمانية في عشرينيات القرن الماضي. وكتب في عمود على موقع المونيتور الإخباري "الآن.. وبعد قرن.. تتشكل في تركيا شخصية يكاد يؤلهُها أناس هم أنفسهم الذين سخروا لعقود من تأليه أتاتورك." وفيلم "الزعيم " من إنتاج شركة ليست معروفة على نطاق واسع وهي شركة "كافكاسور" للإنتاج السينمائي، ولم تتضح ميزانية الفيلم لكن بعض التقارير الإعلامية أشارت إلى أنها تبلغ ثمانية ملايين دولار، كما لم تتضح مصادر تمويله. وكان العرض الأول للفيلم يوم الأحد الذي وافق عيد ميلاد أردوغان، ويبدأ أردوغان الفيلم كفتى عمره 11 عامًا، ويسعى لإثبات نفسه أمام والده ويساعد أهالي حي قاسم باشا في اسطنبول. وبعيدًا عن السينما فإن أردوغان قد لا يتحمل خسارة الاستفتاء المقرر في 16 أبريل نيسان، بعد أن راهن بسمعته في سبيل هذا المسعى منذ سنوات، فإن كانت النتيجة "لا" فإن ذلك قد يوجه له أقوى ضربة خلال مسيرته السياسية. ولا يرى "بيه أوغلو" النزعة الانقسامية التي يراها الكثير من العلمانيين والليبراليين في أردوغان، بل يراه شخصية توافقية ليس فقط لتركيا بل للعالم الإسلامي بأكمله. وقال الممثل في يوم العرض الأول للفيلم: "رئيسنا مثل الحبة التي تجعل المسبحة متماسكة"، مستخدمًا بذلك تشبيهًا استحضره أردوغان نفسه بعد محاولة الانقلاب، وأضاف: "إذا انفصلت الحبة انفرط عقد المسبحة."