إن السؤال الذي طرحه الحوار المتمدن: كيف ترى ين تأثير الحزب السياسي، وحزب الطبقة العاملة، من أجل سياسة مستقلة بالطبقة العاملة، وكيف يحقق مطالبها بالتغيير الجذري، وإقامة عالم أفضل؟ يفرض ضرورة الفصل بين: أولا: النضال النقابي، الذي من شروط صحته: الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي، والذي لا يكون إلا مبدئيا، ومحترما للمبادئ، التي من بينها استقلالية النقابة عن الدولة، وعن الحزب السياسي، حتى وإن كان هذا الحزب هو حزب الطبقة العاملة. ثانيا: أن أفضل ما يمكن أن تسعى إلى تحقيقه النقابة، مهما كانت، هو تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية، للعمال وباقي الأجراء، وسائر الكادحين. ثالثا: أن اختلاف مجال عمل النقابة، أي نقابة، عن مجال الحزب، مسألة يجب أن تكون واضحة في فكر، وفي ممارسة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حتى لا يختلط الحزب عندهم بالنقابة، وحتى لا تختلط النقابة بالحزب، وحتى لا يختلط العمل النقابي بالعمل الحزبي. فمجال النقابة، والعمل النقابي، لا علاقة له لا بالأيديولوجيا، ولا بالتنظيم الحزبي، ولا بمواقف الحزب السياسية. وهو لا يتجاوز مجال حركة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، المقتنعين بنقابة معينة، ينتظمون في إطارها، حتى تقود نضالاتهم المطلبية، في اتجاه تحقيق الأهداف المحددة، التي تجعل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، يزدادون شغفا بالنقابة المبدئية، والمحترمة للمبادئ، والملتزمة بتنفيذ البرامج النقابية، والعاملة على تحقيق أهدافها المحددة، والساعية، باستمرار، إلى بث الوعي النقابي الصحيح في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حتى يصيروا مدركين لأوضاعهم المادية، والمعنوية، الناجمة عن الاستغلال الرأسمالي، الذي تحول في عصر عولمة اقتصاد السوق، إلى استغلال همجي، يستهدف استنزاف قدرات العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، كما يستهدف قوتهم اليومي، بسبب جمود الأجور، وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، وتسليع كافة الخدمات. ومجال الحزب، كيفما كان هذا الحزب، هو المجتمع، أو الشعب بكل فئاته، وبكل طبقاته الاجتماعية، انطلاقا من أيديولوجية معينة، قد تكون إقطاعية، أو بوجوازية، أو بوجوازية صغرى، أو تقدمية، أو يسارية، أو عمالية، يقوم على أساسها تنظيم قد يكون إقطاعيا، أو بورجوازيا، أو بورجوازيا صغيرا، أو تقدميا، أو يساريا، أو عماليا. وفي بعض الأحيان، قد يتم اللجوء إلى أدلجة الدين الإسلامي، من أجل تكريس التضليل، الذي يعتمده المؤدلجون للدين الإسلامي، لإقامة حزب معين، يقوم باستقطاب المضللين من المومنين بالدين الإسلامي، الذين يصيرون معتقدين: أن أدلجة الدين الإسلامي هي التعبير الحقيقي عن فهم الدين الإسلامي، مع أن المؤدلجين إنما يوظفون الدين الإسلامي أيديولوجيا، وسياسيا، لتحقيق أهداف أيديولوجية، وسياسية، تتمثل، بالخصوص، في الوصول إلى السلطة، لتطبيق ما يسميه المؤدلجون ب (الشريعة الإسلامية)، التي ليست إلا وسيلة لتكريس الاستبداد القائم، أو لفرض استبداد بديل. فمجال النقابة، إذن، ليس هو مجال الحزب، ولا يتداخلان في المجال الذي يصير النقابي حزبيا، ويصير فيه الحزبي نقابيا إلا في إطار تحريف النقابة، والعمل النقابي، حيث نجد أن النقابة تتحول إلى نقابة تابعة لحزب معين، تعمل على تحقيق أهدافه السياسية في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، أو حزبية، تعمل على تنفيذ القرارات الحزبية في صفوف المستهدفين بالنقابة، أو مجرد مجال للإعداد والاستعداد لتأسيس حزب معين. والنقابة المستقلة عن الدولة، وعن الأحزاب، لا يمكن أن تكون إلا: 1) ديمقراطية، تؤجرئ ما يقرره العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في إطاراتهم التقريرية المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، وتسعى إلى تحقيقه على أرض الواقع، من خلال النضالات التي تقودها، حتى تجعل النقابة نفسها رهن إشارة المستهدفين بها، وفي خدمتهم. 2) أو بيروقراطية، لا علاقة لها بإرادة القواعد النقابية، أو بالمستهدفين بالنقابة، بقدر ما لها علاقة بالأجهزة النقابية البيروقراطية، في مستوياتها المختلفة، التي تقرر ما تريد، مما يخدم مصالحها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، في علاقتها مع الحكم، في مقابل ممارسة كافة أشكال التضليل عليهم. فالعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ليسوا في حاجة إلى الحزب، بقدر ماهم في حاجة إلى النقابة؛ لأن همهم الوحيد هو: أولا: وعيهم بأوضاعهم المادية، والمعنوية، وبما يمارس عليهم من استغلال مادي، ومعنوي. ثانيا: قيادة نضالاتهم المطلبية، وفق برنامج محدد، وأهداف محددة، في أفق فرض الاستجابة إلى مطالبهم المادية، والمعنوية، في إطار الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي، الذي لا علاقة بتبعية النقابة للحزب، أو بحزبيتها، أو باعتبارها مجالا للإعداد والاستعداد لتأسيس حزب معين. وإذا كان دور النقابة لا يتجاوز فرض الاستجابة على مطالب العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، فإن دور الجزب، يختلف من حزب، إلى حزب آخر. فالحزب الإقطاعي، يسعى إلى الوصول إلى السلطة، لتكريس فرض الاستبداد الإقطاعي. والحزب البورجوازي يسعى إلى الوصول إلى السلطة، لتكريس فرض الاستبداد البورجوازي، الذي يمكنه الاستمرار في استغلال العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين. فإن دور الحزب، يتجاوز كل ذلك، في العمل من أجل تعبئة جميع افراد المجتمع، بمن فيهم العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في أفق الوصول إلى الحكم، من أجل فرض اختيارات أخرى، قد تكون إصلاحية، وقد تكون نقيضة للاختيارات القائمة، تسعى إلى التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، واحترام الكرامة الإنسانية. ولذلك، نجد أن استقلالية النقابة عن الدولة، وعن الحزب، تعتبر مسألة أساسية بالنسبة للعمل النقابي، نظرا لاختلاف الأهداف النقابية، عن الأهداف الحزبية، حتى يتأتى للنقابة أن تقوم بدورها، لصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين. واستقلالية النقابة لا تتناقض مع: 1) الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي، على مستوى البناء التنظيمي للنقابة، وعلى مستوى صياغة المطالب، وعلى مستوى وضع البرنامج التعبوي، وعلى مستوى تحقيق الأهداف، وعلى مستوى تكوين العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ومعلوم أن الربط الجدلي، بين النضال النقابي، والتضال السياسي، يتناقض، تناقضا مطلقا، مع الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال الحزبي. 2) التحالف مع الأحزاب الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، الهادفة إلى تغيير الواقع لصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، نظرا لتقارب الأهداف، وللاتفاق في المستهدفين. 3) اختيار أعضاء النقابة، أي نقابة، الانتماء إلى حزب ديمراطي، أو تقدمي، أو يساري، أو عمالي، شرط أن لا يقحم قناعاته الحزبية، في أمور النقابة، حتى لا تتحول النقابة، إلى نقابة تابعة لحزب معين، أو إلى نقابة حزبية. 4) الانخراط التلقائي في نضال معين، يخوضه حزب سياسي، تتقارب أهدافه مع أهداف النقابة، كتعبير عن الانحياز الفعلي للنقابة، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين. ومن خلال ما رأينا، يتبين أن تأثير التحزب السياسي، وحزب الطبقة العاملة، على النضال من أجل سياسة مستقلة بالطبقة العاملة، وكيف يحقق مطالبها بالتغيير الجذري، وإقامة عالم أفضل؛ لأن التحزب السياسي، وحزب الطبقة العاملة يسعى إلى: إما إلى إصلاح الأوضاع القائمة في الواقع، حتى تصير، بنسبة معينة، لصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، مع بقاء الاستغلال المفروض في حدود معينة؛ لأنه في حالة الإصلاح، لا يتم القضاء على الاستغلال. 5) التغيير الجذري للواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، مما يؤدي، بالضرورة، إلى التخلي النهائي عن الاختيارات المتبعة، واعتماد اختيارات بديلة، قائمة على التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، تمكن من قيام دستور ديمقراطي شعبي، تكون فيه السيادة للشعب، ويضمن تحرير جميع أفراد الشعب، من كل ألوان الاستعباد، وتحقيق الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والشروع في البناء الاشتراكي، تحت إشراف الدولة الاشتراكية، التي تصير في خدمة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.