الذين حضروا للجلسة الثانية من دورة مجلس مدينة الرباط لشهر ماي، سيكونون سعداء وهم يشاهدون أيادي منتخبيهم من فرق الأغلبية وأيادي جزء من المعارضة ممثلة في فيدرالية اليسار ترفع للتصويت بالإيجاب على مشروع دفتر التحملات والشروط الخاص بمعايير الاستفادة من دعم جماعة الرباط لمشاريع وأنشطة الجمعيات الثقافية والاجتماعية والرياضية وهيئات المجتمع المدني، فيما غاب مستشاوا فريق الأصالة والمعاصرة بعد أن قرروا مقاطعة أشغال المجلس، وفوتوا على أياديهم أن ترفع في هذه اللحظة التاريخية، بعد أن اختارت أن ترفع في مناسبات سابقة لتوجه لكماتها لمستشاري العدالة والتنمية وتخرب ممتلكات المجلس وطاولات. إننا لن نبالغ إذا قلنا أن التصويت على دفتر لتحملات خاص بدعم الجمعيات، هو لحظة مهمة وفارقة في تاريخ مجلس مدينة الرباط، فارقة بالنظر إلى أنه قطع مع منطق الريع الذي ساد ولسننين طويلة في الكثير من المجالس، ريع كان السبب في اغتناء الكثيريين مم احترفوا الاسترزاق باسم العمل الجمعوي، وفي تواطئ مفضوح منع نخب محلية فاسدة، وظفة العمل الجمعوي والمدني لتحقيق طموحاتها السياسية، عن طريق شراء ولاءات بعض الجمعيات وذلك عبر المنح المقدمة لها. نخب محلية فاسدة تواجدت وتتواجد في الكثير من مجالسنا البلدية جنبا إلى جنب مع نخب نزيهة، نخب خلقت علاقات زبونية مع جزء من المجتمع المدني، علاقة زبونية قوامها تبادل المنافع بين الناخب والمتخب، كما يقول عالم السياسة الكبير موريس دوفيرجي، منافع تتمثل في حصول بعض الجمعيات على منح بطرق تغيب فيها الشفافية وتكافئ الفرص مع باقي النسيج الجمعوي، في مقابل ذلك تسخير الجمعية لكل إمكانياتها اللوجستيكية والبشرية لدعم هذا المنتخب في الاستحقاقات الانتخابية. وهو ما كان للأسف الشديد يعطي صورة سلبية عن المجالس المنتخبة، قوامها غياب الشفافية والعدل في توزيع المنح ودعم المشاريع، صورة ستحتاج مجالسنا المحلية إلى بعض الخطوات لمحوها، وهي ما قرره مجلس بلدية الرباط حين إقراره لدفتر تحملات يحمل بين طياته تلك الصورة المشرقة التي على المجالس المنتخبة أن تقدمها عن نفسها. فقراءة سريعة لاهم بنود ومواد هذا المشروع، يجعلنا نكتشف أن هذا المشروع حاول جاهدا تحصين المال العام، بأيات الحكامة والشفافية، ناهيك على أنه قطع المنطق الذي كان سائدا في السابق في الكثير من المجالس، وهو إخفاء المعلومة عن الجمعيات التي في كثير من الاحيان تتفاجئ إلى كون المجلس قد قام بتوزيع المنح ودعم المشاريع دون أن يكون الخبر قد وصل إى مسامعها. فدفتر التحملات الجديد سيجعل كل الجمعيات على قدم المساواة، وذلك من خلال أعمال مقتضياته التي تتحدث عن معايير دقيقة ومضبوطة في انتقاء مشاريع الجمعيات، وطريقة الاختيار التي وضعت لها لجان محددة وعبر مراحل متعددة، فمن لجنة للدراسة والانتقاء والتتبع إلى لجنة للبث انتهاء بعرض اللائحة الحصرية على انظار المجلس قصد المصادقة، حيث أن الراي العام وجمعيات المجتمع المدني ستكون على إطلاع بالجمعيات المستفيدة، بعيدا عن منطق الغرف المغلقة واللجان السرية التي كان يوكل اليها الاشراف على العملية. لكنه فوق ذلك سيساهم من الرفع من مردودية المجتمع المدني وحكامته في التدبير، لأنه سيدفع الجمعيات إلى المنافسة عبر الرفع من أداءها والابتكار في طرق تدبيرها للمشاريع والانشطة، ناهيك وهذا هو الأهم، الرفع من حكامتها في تدبير المال العام، فالجمعيات اصبحت بناء على بنود طفتر التحملات الجديد مطالبة بتبرير نفقاتها. أعتقد أن دفتر التحملات الذي صودق عليه، سيحسب لا محالة في منجزات هذا المجلس، هذا المجلس الذي يشكله تحالف من الحركة الشعبية والأحرار والاتحاد الدستوري و يقوده حزب العدالة والتنمية ويترأسه رجل اسمه محمد صديقي، لكنه إنجاز مرهون بمدى التنزيل السليم لمقتضياته حتى لا يبقى حبرا على ورق، لأن أهمية القوانين في تطبيقها لا في حفظها فوق الرفوف.