توصلت دراسة حديثة إلى أن الشعور بالوحدة يؤذي قلب الإنسان بشكل كبير، قد يصل في بعض الأحيان إلى حد التسبب بالجلطة. ونشرت دورية “هارت” الصادرة عن الجمعية البريطانية لطب القلب دراسة تناولت تحليلاً متقدماً ل23 إحصائية سابقة شملت حوالي 181 ألف شخص، حيث تبين ازدياد خطر الإصابة بأمراض القلب بما نسبته 29% لدى أفراد عينة الدراسة الذين يعانون من الوحدة والعزلة الاجتماعية، إضافة إلى خطر الإصابة بالجلطات بنسبة 32 %. وتدعم الدراسة الحالية نتائج الدراسات السابقة التي أكدّت وجود رابط قوي بين الصحة العقلية والصحة الجسدية بدءاً من وظائف الجهاز المناعي وانتهاء بعوامل التأخر الذهني. واتضح أن التأثير الهائل للوحدة على الصحة مماثل لتأثير كافة أنواع الضغوطات بما في ذلك تأثير القلق وضغوطات العمل على اختلافها سواء على الرجال أو النساء. وتشير الدراسة إلى أن الآثار المدمّرة للوحدة تتعدى “الألم الفردي” لتصبح خطراً صحياً على المجتمع بأسره. إلى ذلك قالت الباحثة من جامعة يورك نيكول فيتورتا وزملاؤها في الدراسة “إن البحث الذي يسلط الضوء على تأثيرات الوحدة والعزلة يمكن أن يحدّ وبشكل لافت من انتشار الأمراض في الدول ذات الدخول المرتفعة”. مقترحة وسائل لعلاج المشكلة، من خلال طرح البرامج التثقيفية وإقامة النشاطات الاجتماعية وتطبيق العلاج السلوكي المعرفي. وأضاف فريق الباحثين “تتدخل عوامل عدة في إمكانية استفادة الأفراد من التدخل العلاجي المطروح مؤخراً ومن تلك العوامل العلاقة بين الجنسين والوضع الاقتصادي والاجتماعي والحالة الصحية العامة ومستوى المعاناة والحرمان لدى الفرد”. بينما طرح جوليان هولت لونستاند وتيموثي سميث من جامعة بريغهام رأيهما في ذات البحث الذي تناولته فالتورتا عبر مخطط تفصيلي يظهر مدى تأثير العلاقات الاجتماعية على صحة القلب واحتمالية الإصابة بالجلطات. وفصل المخطط التأثير المؤلم على القلب بعناوين فرعية تضمنت “العلاقات الاجتماعية” وتأثيرها العددي كالعزلة الاجتماعية، وحجم الترابط والتكامل والحالة الاجتماعية من جهة وتأثيرها النوعي بالوحدة، والدعم الاجتماعي وجودة العلاقات وجودة العلاقة الزوجية من جهة أخرى. كما ربطت بين “نمط العيش”، بما في ذلك النشطات الجسدية ومستويات التغذية وعدد ساعات النوم والتدخين والسلوكيات الخاطئة، ودفعها ل “العوامل النفسية” التي جاءت مع مستويات التقدير الذاتي، والضغط، والاكتئاب، والمرونة، ووجود معنى أو هدف للحياة، والأمل والشعور بالأمان. وصبت جميع المؤشرات السابقة ب”مؤشرات الحيوية” من بينها الالتهابات، وضغط الدم، والتغيرات في الجينات، ووظائف الغدد الصماء العصبية، والسمنة. التي تعنى بالضرورة ب”الالتزام بالتعليمات الصحية” من حيث الالتزام بالأدوية، وحمية غذائية، واتباع نمط حياة صحي. من جانبهم أكد باحثون في جامعة شيكاغو عبر دراسة نشرت العام الماضي أن الوحدة قد تؤدي فعلاً إلى انهيار الإنسان وناقشوا في بحثهم أن الشعور بالوحدة ينشّط من عمل الجينات المسؤولة عن حدوث الالتهابات وتؤثر على الجينات المسؤولة عن محاربة الأمراض. وفي ذات السياق بين الطبيب النفسي جون كاسيبو في كتابه الذي يحمل عنوان “الوحدة” إن هذا الشعور “أحد دوافع البقاء”, مثله كمثل الشعور بالجوع. فقال كاسيبو لمجلة جامعة شيكاغو أن الوحدة تعد “إحدى أهم قوى التطور التي جمعت الإنسان الأول بنظرائه ممن اعتمدوا على أساسيات الحياة من طعام ومأوى آمن ليتمكنوا من رعاية صغارهم وحمل إرثهم الجيني إلى أجيال أخرى” مفترضاً أنه “لا بد وأن شعور الوحدة شكل تهديداً لهم في مرحلة من المراحل بحيث كان لا مفر من خلق الترابط الإجتماعي، وإلا فمصيرهم كان جميعاً الهلاك”.