تستمر الانتفاضة المباركة في مخيمات العار بتندوف منذ أشهر، وهي عازمة على المضي قدما في المطالبة بفك الحصار على أهالينا المغاربة الصحراويين بمخيمات الرابوني بالجزائر حتى بلوغ مسعاها في الحرية والانعتاق من ربقة طغيان طغمة البوليساريو وصنيعتها الجزائر ، تستمر هذه الانتفاضة، في ظل صمت مطبق من قبل الإعلام الدولي والمنظمات الحقوقية الدولية المتبجحة بالدفاع عن حقوق الانسان على ما يجري من أحداث مأساوية يذهب ضحيتها يوميا كل المناوئين لأطروحة البوليساريو، إلا النزر القليل من هذه المنظمات وبعض وسائل الإعلام، وكذلك بعض المراكز الدولية المتخصصة التي كشفت عنف وسادية الأطروحة وفشلها وفراغها، مما قد يعرض بحسب العديد من هذه المراكز الدراسية الدولية والشخصيات المهتمة بالشان المغاربي وبقضية الصحراء المغربية على وجه التحديد -يعرض- منطقة الساحل والصحراء إلى بؤرة للتوترات وزرع الفتنة من قبل المتطرفين الذين ينشطون بداخل مخيمات الرابوني برعاية من البوليساريو وحاضنتها الجزائر، وتستعملهم هذه الأخيرة في قمع الانتفاضة بداخل المخيمات، كما استعملتهم كمرتزقة حرب في دعمهم للقذافي، خلال الثورة الليبية التي أطاحت بهذا الزعيم الذي يعد أحد داعمي البوليزاريو منذ منتصف السبعينيات إلى منتصف الثمانينات والذي نصب نفسه ملكا لملوك إفريقيا وجثم على صدر ليبيا على مدى اثنان وأربعين سنة. إن استمرار انتفاضة أهالينا المغاربة الصحراويين في مخيمات العار بتندوف دليل أكيد على ان الكيل قد طفح وأن شباب المخيمات قد اكتشفوا بأنفسهم سفاهة ما تروجه شرذمة من الخارجين عن الاجماع الوطني حول مغربية الصحراء، بدعم قوي ومستمر من طرف حكام قصر المرادية ، وأن هذه المخيمات أضحت بمثابة بورصة تجارية تروج فيها الاسهم وفق دراسات محبوكة ومضبوطة تتماشى والتغيرات السياسية للمنطقة مما يؤثر سلبا أو ايجابا على مجرى الأوضاع بها، ويكون أهالينا في هذه المنطقة المنكوبة هم من يتاجر بهم وبكرامتهم في انعدام لأبسط الحقوق البشرية في العيش والاستقرار من عبودية مقننة وتقتيل وتعذيب يومي ممنهج ومتاجرة في الأطفال شرقا وغربا، ويكفي ما تتحدث به آلام وجراح الكثيرين ممن فروا إلى أرض الوطن هروبا من جحيم مخيمات العار بالرابوني بالجزائر، هذه الآلام والجراح كشفها من ذاقوا عذابها أهالينا المغاربة الصحراويين قسرا أمام المنتظم الحقوقي بجنيف، وامام الرأي العام الدولي، لكن لا ضمير حي ينتفض وينقذ هؤلاء من استمرار هذا الجحيم المدروس والمحبوك بدقة من قبل المخابرات الجزائرية ومنفذ من طرف عصابة البوليساريو على مدى أربعة عقود. هذه العملية البخسة والدنيئة التي ترعاها الجزائر وتنفذها عصابة البوليساريو بمعية من يساندونها من بعض الدول الافريقية التي تسترزق النفط والغاز الجزائري من أجل التطبيل لفكرة حق تقرير المصير . إلا انه بدا واضحا وكأنها تطبل في الماء ، لا أحد يسمع أغنيتها المشروخة في المنتظم الدولي الذي أجمع على جدية ومصداقية الطرح المغربي المتمثل في مبادرة الحكم الذاتي لأجل تمكين أهالينا في الأقاليم الجنوبية من تدبير شؤونهم المحلية بأنفسهم في ظل السيادة الوطنية وإيمانا بثوابت الأمة المغربية. وبالرغم من أن العديد من الأطراف الدولية لا تريد حلا لهذا النزاع المفتعل بأقاليمنا الجنوبية، حفاظا على مصالحها الخاصة وتوازناتها الجيوسياسية بالمنطقة، فإن ما أكد عليه الخطاب الملكي في الذكرى التاسعة والثلاثين للمسيرة الخضراء من أن الصحراء مغربية لا ريب في ذلك، سواء في ظل مبادرة الحكم الذاتي أو في ظل الجهوية المتقدمة التي سيشرع المغرب في تفعيلها ابتداء من العام المقبل بالأقاليم الجنوبية والعمل بها وفق ما جاء في نص الدستور المغربي في كافة جهات المملكة التي حددت في إثنى عشرة جهة.الخطاب كان واضحا وصريحا مع الأعداء قبل الأصدقاء لما قطع الشك باليقين فيما يتعلق بشرعية مغربية أقاليمنا الجنوبية ومطالبة الدول الصديقة بالجهر برأيها في الموضوع دون لف ولا دوران، او بعبارة أخرى، من معنا ومن ضدنا في مغربية الصحراء، حتى لا يبقى هؤلاء في موقع المنزلة بين المنزلتين، تتغير قراراتهم بتغير وجهة مصالحهم في منطقة شمال إفريقيا والساحل والصحراء. خطاب لم يألفه الكثير نظرا لحمولة قوته السياسية والجيوستراتيجية وللتأكيد على شفافية الرؤية المغربية في معالجة قضاياه الوطنية الكبرى وفي مقدمتها قضية وحدتنا الترابية . إضافة إلى ما تضمنه الخطاب الملكي من رسائل عديدة موجهة إلى الداخل والخارج والتي ترسم خريطة طريق أكثر وضوحا وأكثر واقعية، فإنه أولا، لا بد من التأكيد على أن ضغط المنتظم الدولي على الجزائر باعتبارها الطرف الرئيس في النزاع أصبح واجبا وحقا مشروعا من قبل الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وتدفع بهذا الطرح الظروف السياسية غير المطمئنة في ليبيا والجزائر والتي أضحت تهدد الأمن والاستقرار بمنطقة شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء وحوض البحر الأبيض المتوسط بفعل الانتشار الواسع للأسلحة داخل المنطقة واستغلاله من قبل الجماعات المتطرفة التي تعد مخيمات الرابوني بالجزائر معملا خصبا لإنتاج وترويج الأسلحة وتعبئة الشباب من أجل الجهاد . ثانيا، أن دعم الانتفاضة المباركة لأهالينا المغاربة الصحراويين في مخيمات العار بتندوف، تبقى سبيلا لتيسير مهمة فك الحصار عنهم والمزيد من كشف الحقائق المرة لدى الرأي العام الدولي الذي يفترض فيه أن تتكاثف جهوده من أجل إعلان نهاية هذه المأساة الإنسانية التي عمرت طويلا. وثالثا،التسريع في تفعيل مخطط التنمية الشامل بالأقاليم الجنوبية والتفكير في إنشاء مدن عصرية بمواصفات دولية تتماهى مع التراث المغربي الصحراوي وتنفتح على عصرنة التكنولوجيا في البناء والتشييد، وذلك لتحويل أقاليمنا الجنوبية خصوصا المدن الناشئة من مراكز ذات طابع صحراوي قح إلى مدن بوجه حضاري متميز يشكل وجهة للاستقبال والسياحة والاستثمارات في المستقبل القريب. ورابعا، وأساسا، لابد من تفعيل الديموقراطية التشاركية بالأقاليم الجنوبية كباقي ربوع المملكة، وذلك بإشراك المواطنين في الجنوب الصحراوي المغربي في تدبير الشان المحلي وفتح آفاق الابداع والابتكار أمام المواطنين، والاهتمام بالتراث الصحراوي وتطويره. وخامسا، تعتبر الجهوية المتقدمة التي سيعمل المغرب على تطبيقها في الأقاليم الجنوبية رافدا أساسيا من أجل إحداث ثورة تنموية وإدارية حقيقية بالأقاليم الجنوبية، ولن تؤتي أكلها إلا بإشراك جميع المواطنين في تفعيلها وتطويرها على قدم المساواة، تنفيذا لروح الدستور الذي حصل في استفتاء شعبي على أغلبية اصوات الشعب المغربي . وسادسا، لا بد من أن تكون الدبلوماسية الموازية والرسمية في واجهة الأحداث، تتبنى سياسة استباقية واستهدافية لكل ما قد يمس وحدتنا الترابية من قبل خصومنا وفي مقدمتهم حكام قصر المرادية الذين لم يستوعبوا الدرس بعد، مما يشهده العالم وخصوصا المنطقة العربية وشمال إفريقيا بالتحديد من تغييرات وتحولات سياسية وبنيوية وفكرية حتى، من أجل بناء مستقبل جديد يعمه الأمل والحياة والاستقرار برافعة تنموية متقدمة ومتطورة، تدفع بالمنطقة المغاربية إلى صدارة الدول المتقدمة.