بدا اليوم واضحا أن قدر قيادات جبهة البوليساريو هو العودة إلى المغرب، وبدا أيضا أن الجماهير الشعبية من الصحراويين المحتجزين في تندوف قد ضاقت درعا بالحصار التي تعانيه، وآمنت أن لا مفر لها من العودة إلى رحابة صحراء الأقاليم الجنوبية للمغرب. وإن ما يمكن استنتاجه من مسلسل العودة الكمية والكيفية المرتفعة نحو المغرب لقيادات جبهة البوليساريو ومحتجزيها في مخيمات تندوف، لا يعني إلا تفهم لحتمية العودة إلى الصحراء، وتدبير وضعيتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وفق خيارات واقعية، باتت ممكن في وقت يستعد فيه المغرب تطبيق مقترح الحكم الذاتي الممنوح للأقاليم الجنوبية والذي تدعمه عشائر وقبائل وشيوخ المحافظات الصحراوية في الداخل. إن العودة المفاجئة لأحد أكبر قيادات جبهة البوليساريو مؤخرا دعت بالمتتبعين إلى التأكيد أن استمرار عودة قيادات البوليساريو يعد دلائل ومؤشرات قوية على تبدد جبهة البوليساريو بين الجزائر والمغرب، وهو ما يفسح المجال واسعا للقول بأن المتبقي من الصحراويين لا يعدو أن يكونوا مرتزقة من فلول الخارجين عن القانون، يتم تأمين وجودهم للمزايدة السياسية في قضية الصحراء، ولعل ذاك هو الذي يجعل البوليساريو ترفض المفوضية الدولية للاجئين من إجراء إحصاء لسكان المخيمات. فلم تكد تمر سنة على عودة أحمد ولد سويلم القيادي السابق في جبهة البوليساريو إلى المغرب، حتى علم أن محفوظ ولد بيا، الذي كان يتأهب بالعودة إلى المغرب قبل أن تم اغتياله على يد جبهة البوليساريو بالسم، والادعاء بأنه توفي بالسكتة قلبية. ولم يمر على ذلك الحادث سوى أيام معدودات حتى التحق بالمغرب القيادي السابق في جبهة البوليساريو فاتح أحمد ولد محمد فاضل ولد علي سالم المعروف بمخيمات تندوف باسم "أحمد فليبي" والذي شغل في السابق عددا من "المناصب" الأمنية لدى البوليساريو كان آخرها "مدير أمن المنطقة العسكرية الثالثة". وتزامنت عودة فاتح أحمد ولد محمد مع عودة مجموعة جديدة إلى المغرب، وتتكون هذه المجموعة من 83 شخصا فارين من مخيمات تيندوف بالتراب الجزائري، وذلك عبر المركز الحدودي كيركارات بجهة واد الذهب لكويرة. وتضم هذه المجموعة الجديدة نساء ورجالا وأطفالا وشبانا من مختلف الأعمار. وحسب تصريحات الفارين، فإن العودة المكثفة للصحراويين من مخيمات تندوف إلى الوطن الأم، المغرب، تعكس حجم المأساة التي يعانونها في مخيمات ما سموه "الذل والعار"، ويعكس أيضا اليأس من ممارسات وأطروحات قادة "البوليساريو" والجزائر الذين لا يسعون بحسبهم سوى إلى إطالة أمد هذا النزاع على حساب معاناة العائلات المحتجزة. ويشار أيضا إلى أن العائد إلى المغرب فاتح أحمد ولد محمد فاضل ولد علي سالم انخرط في صفوف جبهة "البوليساريو سنة 1975 حيث عمل بتندوف قبل أن ينتقل إلى قاعدة "الجنين بورزك" في الجزائر التي تابع فيها تدريباته الأولية ليعود مرة ثانية إلى تندوف داخل المخيمات وكلف بالإمدادات ليلتحق بعدها بما يسمى "مديرية الأمن" ثم مدير أمن عام ما يسمى "مؤسسة الهلال الأحمر الصحراوية" ليعود بعد ذلك إلى "الاستعلامات المدنية بالمخيمات" وتناط به مهمة مدير أمن" المنطقة العسكرية الثالثة في الجنوب" وهي آخر مهمة له قبل التحاقه بأرض الوطن. وكشف القيادي في البوليساريو العائد من مخيمات تندوف في شهادته أن جبهة البوليساريو تتاجر في السلاح بالصحراء الكبرى، وألمح إلى أن تنظيم القاعدة من أبرز زبائنها في المنطقة، لاعتبارات عدة منها، تقاطع المصالح بين التنظيمين، وهو ما يؤشر على وجود ارتباطات لا يمكن نكرانها. شهادة مهمة بالنسبة للمغرب في المنتديات الدولية، حيث يقول فاتح أحمد ولد محمد فاضل ولد علي سالم، "إننا ندرك جيدا أن جبهة البوليساريو تتاجر في السلاح بالصحراء الكبرى، وعليه فمنهم زبناء الجبهة إن لم يكن تنظيم القاعدة. خاصة إذا علم أن التنظيم لم يسبق له أن نفذ عملية ضد البوليساريو وضد قياداتها نظر لتقاطع المصالح بينهما. معطيات جديدة أوردها القيادي في البوليساريو غداة الإعلان دوليا أن تنظيم القاعدة قد تقوى بشكل يفوق كل التوقعات في الصحراء الإفريقية، حتى أنه بات يشكل تهديدا على البلدان المطلة على الصحراء الإفريقية الكبرى، وبعد إعلانه عن مسؤوليته في قتل الرهينة الفرنسي واستمرار احتجازه للرهائن الإسبان. عدد من المحللين أكدوا بأن الخطاب الملكي الذي ركز على استراتيجية المغرب في حل قضية المحتجزين في مخيمات تندوف واستمرار العودة، تسببت في تسجيل ردة فعل قوية لدى الجزائر، برزت في رد الممثل الشخصي للرئيس الجزائري، عبد العزيز بلخادم، بوصفه لخطاب محمد السادس بمناسبة عيد العرش، بالمؤامرة التي تستهدف إطالة معاناة ما أسماه الشعب الصحراوي والمغربي. وطبيعي أن تأتي تصريحات بلخادم مفعمة بإحساس المغلوب على أمره، في وقت اتسمت فيه لهجة محمد السادس بالتحرر، وهو يتحدث عن مواصلة الأوراش الكبرى في الأقاليم الجنوبية، والإعلان عن تعزيز هذه المشاريع بتفعيل خيار الجهوية المتقدمة، التي أصبحت خيارا سياسيا وطنيا. يأس برز واضحا في تأكيد بلخادم بأن الجزائر ستستمر في دعم ما أسماه ب "المناضلين الصحراويين"، وهي عبارة تمييزية بين من يختارون خط النضال بحسبه ومن يعودون إلى المغرب في نزوح فردي أو جماعي. وبعبارة لا تخلو من تنهد عميق يقول بلخادم في خطابه "نقول لأشقائنا أن لا مكابرة في حتمية التاريخ، وإن أي مناورة تستهدف إجهاض حق الشعوب في تقرير مصيرها مآلها الفشل الذريع، كما حصل في كل قضايا تصفية الاستعمار". ويرى المراقبون أن العائد الجديد فاتح أحمد مفيد بالنسبة للمغرب الذي يهيئ العدة الدبلوماسية لفك المخيمات وفق قوانين الأممالمتحدة، فإما العودة إلى المغرب أو توطينهم في الجزائر أو في أي بلد ثالث للحد من معاناتهم الإنسانية. حيث فضح القيادي السابق في جبهة البوليساريو فاتح أحمد ولد محمد فاضل ولد علي سالم الفساد المستشري في مخيمات تندوف، مؤكدا أن 46 ألف شخص، "لا أقل ولا أكثر"، هم الذين يستفيدون من المساعدات الإنسانية الموجهة للمحتجزين بمخيمات تندوف. وأضاف بأنه معطياته جد دقيقة بحكم المنصب الذي كان يشغله كمدير لأمن ما يسمى ب"مؤسسة الهلال الأحمر الصحراوي" هي التي تقوم بتوزيع المؤن خلال نهاية كل شهر على ساكنة المخيمات، وأن الوثائق التي كان يتوصل بها من "البوليساريو" تؤكد استفادة 46 ألف نسمة فقط من هذه المساعدات. ودعا فاتح أحمد ولد محمد فاضل ولد علي سالم من المغرب، المنتظم الدولي ومنظمات حقوق الإنسان إلى الكشف عن الجرائم التي ارتكبت وما تزال ترتكب داخل مخيمات تندوف فوق التراب الجزائري من طرف قادة الجبهة، مؤكدا أن "هناك مآسي ومعاناة واختطافات وقعت داخل المخيمات منذ أول وهلة وإلى يومنا هذا". وجدها فرصة بعد عودته من مخيمات تندوف ليصرخ العائد فاتح أحمد ولد محمد فاضل ولد علي سالم، القيادي السابق في "البوليساريو" بأعلى صوته للكشف عن حجم الجرائم الإنسانية التي ترتكبها جبهة البوليساريو في مخيمات تندوف. معلنا أن "هناك مآسي ومعاناة واختطافات وقعت وتقع داخل المخيمات منذ أول وهلة وإلى يومنا هذا، طالت خلال مطلع عقد الثمانينيات، النساء والأطفال والشيوخ على حد سواء، مؤكدا أنه كان شاهد عيان على ذلك. وأوضح أنه، في نهاية عقد السبعينيات من القرن الماضي تمت "اختطافات وسقوط موتى وضحايا بطريقة لا يمكن تصورها ومن دون أي محاكمة ودون أخذ بالجانب الإنساني في الاعتبار"، وذكر أن من بين هؤلاء الضحايا "سالم بركة" والمرحوم الداه ولد البكار" إضافة إلى مواطنين من فرنسا وإسبانيا كانوا في المخيمات. وتعد هذه الشهادة الميدانية هامة حين يتوجه إلى المنتظم الدولي ومنظمات حقوق الإنسان بالكشف على الجرائم التي ارتكبت، وما تزال ترتكب داخل مخيمات تندوف فوق التراب الجزائري من طرف قادة جبهة البوليساريو. وعليه فإن القيادي العائد، من المفترض أن يترأس مجموعة من الصحراويين والتوجه بهم إلى المنظمات الحقوقية الدولية ليكشف لهم بالدليل حجم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في مخيمات تندوف، أبطالها قيادات جبهة البوليساريو. إن ارتفاع أعداد النازحين نحو المغرب من مخيمات تندوف بات اليوم يشكل قلقا يهدد وجود جبهة البوليساريو، حتى أخرج زعيم الجبهة الانفصالية عبد العزيز المراكشي من صمته، ليعلن بأن النزوح الجماعي للصحراويين إلى المغرب، يعد هجرة سرية وليس نزوحا لتأييد مقترح الحكم الذاتي المغربي. إلا أن الخطر بقي قائما أمام توالي الالتحاق بالأقاليم الجنوبية المغربية، واستمر في تصاعد استدعى بالجبهة إلى تكثيف دورياتها لمراقبة المخيمات بتعزيزات عسكرية للجنود الجزائريين على الحدود. ومن أجل تعويض النزيف الذي خلفه النزوح، قام عبد العزيز المراكشي، بإصدار قرار غريب يقضي بعقد زواج جماعي قسري لكل الشابات والشباب المحتجزين البالغين من العمر 17 سنة. وهو القرار الذي لقي رفضا عارما، عمت معه الفوضى داخل المخيمات، وتطلب من قيادة بوليساريو إطلاق الرصاص الحي في السماء لإخماد الاحتجاجات، وإعادة الهدوء النسبي داخل مخيمات المحتجزين بتندوف. وبدا اليوم مؤكدا أن جبهة البوليساريو لا سند لها سياسي ولا عسكري من دون سكان المخيمات الذين تتخذهم دروعا بشرية للمزايدة بهم في صراعها ضد المغرب، ولذلك بدا التمسك باحتجاز سكان المخيمات عنصرا أساسيا في استراتيجية البوليساريو الإعلامية والسياسية، وهو ما سيعطل من حل وضعية سكان المخيمات وفق القانون الدولي. وهو الأمر الذي يستشعره المغرب جيدا، حيث أعلن عن استراتيجية هجومية لسحب هذه الورقة من يد جبهة البوليساريو، حين اعتبر العاهل المغربي محمد السادس أن معركة المغرب الدبلوماسية على المستوى الدولي ستتركز على مطلب المغرب بحل مخيمات تندوف ورفع الحصار عن المحتجزين فيه، وفي هذا الصدد يقول: "سنكثف جهودنا، لرفع الحصار عن رعايانا بمخيمات تندوف، وتمكينهم من حقهم المشروع، في العودة إلى الوطن الأم، وجمع شملهم بعائلاتهم وذويهم، طبقا للاتفاقيات الدولية، ذات الصلة". وهي أحد المعارك التي يعتبرها المغرب حاسمة لكسر شوكة جبهة البوليساريو، سياسيا وعسكريا بعدما، أكدت تقارير استخباراتية أن البوليساريو توظف عائدات المساعدات الإنسانية بعد بيعها في السوق السوداء الجزائرية للتسليح أفرادها. كما أن فك المخيمات وعزلهم عن مقاتلي جبهة البوليساريو، يسهل عملية سحقهم في معركة عسكرية جوية، يقوم بها المغرب، وذلك أن بقاء المخيمات في يد البوليساريو هو الذي يجعل المغرب يستبعد القيام بقصف جوي لمواقع مقاتلي البوليساريو في عدد من المناطق العازلة التي تستبيحها البوليساريو بين الفينة والأخرى، ولم تنفع شكايات الاحتجاج التي يبعث بها المغرب إلى الأممالمتحدة. إن المغرب وبحسب المراقبين لا يمكنه الانجرار إلى اشتباكات عسكرية توجه الأنظار الإعلامية من جديد نحو المنطقة، إلا أن ذلك لا يمنعه من تدبير استراتيجيته العسكرية التي تضع من بين أهدافها سحق قوي في ضربة عسكرية خاطفة ومركزة لا تتجاوز 24 ساعة على أبعد تقدير. إلا أن هذا الرهان يبقى مرهونا بمدى قدرة دبلوماسيته على حل المخيمات وعزل مقاتلي البوليساريو في مناطق صحراوية بعيدا عن المدنيين. محلل سياسي مهتم بالنزاع في الصحراء [email protected]