يعتبر التحول الديمقراطي في العلوم السياسية بمثابة التوصيف للدول التي تعرف تحولا في أنظمة حكمها من السلطوية إلى الانفتاح على الديمقراطية، أثناء هذا التحول يتم التأسيس لبعض الإجراءات تشمل في جوهرها البنى القانونية و المؤسساتية التي تتجه إلى تغيير العلاقات بين الحاكمين بالمحكومين من خلال توسيع مشاركة الأفراد في العمل السياسي على أٌسس المساءلة و المحاسبة و تكريس الحقوق الأساسية للمواطنين دون تمييز. ففي منتصف السبعينيات ظهر مطلب الديمقراطية في دول كاليونان واسبانيا والبرتغال و لاحقا بعد انهيار جدار برلين و انتهاء الحرب الباردة ، فسح المجال لدول أمريكا اللاتينية لبداية التحول الديمقراطي،الأمر الذي مكن علم السياسة من توفير تراكمات كمية حول تجارب التحول الديمقراطي إلى درجة بات الحديث عنهكعلم قائم الذات. لكن رغم اختلاف المقاربات فإن الجميع يتفق على أن التحول هو مرحلة مفصلية يعرفها النظام السياسي، لكون التغيير طريقة تعتمد على أدوات تدبير ديمقراطية و مأسسة الحكم و المجتمع. و بالرجوع دائما لتجارب الدولية يتبين لنا أن هناك دول اعتمدت المدخل الانتخابي كبداية لعملية التحول عبر تنظيم انتخابات حرة ونزيهة و دورية تحقق التداول حول السلطة بين النخب الفاعلة. و من خلال الانتخابات استطاعت وضع حد لصراع و المواجهة بين النخب الماسكة بالسلطة و المعارضة فيما هناك دول اعتمدت المدخل التفاوضي بين الأنظمة التسلطية و المعارضة عبر الاتفاق على تدشين التحول الديمقراطي . كما أن هناك مدخل التحول من خلال تغيير ممارسة السياسات العامة كالسياسات المالية، و التعليمية، الإدارية، القضاء... لكن في مقال دلك لا يمكن أن نجزمأن التحول الديمقراطي دائما يؤدي في النهاية على مسار ديموقراطي في جوهره.
أما بالنسبة للمغرب أجمع العديد من الباحثين على أن أولى ملامح التحول الديمقراطي بدأت مند خطاب الملك الراحل الحسن الثاني عند افتتاحه لدورة الخريفية للبرلمان المغرب سنة 1995 حيث أكد أن البلاد مهددة بالسكتة القلبية بعدما تجاوزت المعدلات و مستويات تنمية الاقتصادية الخطوط السوداء، كما شلت الإدارة، فكانت بداية مرحلة جديدة في علاقة الملك بالمعارضة و التي أسفرت عن تصويتها بنعم على دستور 1996، لتبدأت تفاصيل التناوب الذي دعا له الملك الحسن الثاني، حيث عرفت هذه المرحة مجموعة من الأحداث سبقت و تخللت حكومة التناوب التوافقي لعل أبرزها تأسيس المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان، و العفو على المعتقلين السياسيين ثم عودة بعض رموز المعارضة المتواجدة في الخارج، كما عرفت هذه المرحة نقاشا حول الإصلاح الدستوري،و إشراك المعارضة في التدبير الحكومي، و إحداث هيئة الإنصاف و المصالحة.
كل هده المحطات، و أخرى عديدة تبرهن على أن المغرب خطا خطوات هامة في سبيل تحقيق الديمقراطية و التنمية بشتى أنواعها، و ذلك باعتماد مجموعة من الإصلاحات السياسية، و القانونية، و المؤسساتية،
و بما أن الإدارة ذات طابع إجتماعي إنساني فأكيد أنها تأثر، و تتأثر بالمناخ السياسي السائد بالدولة، على إعتبار أن التحول الديمقراطي تحول مؤسساتي يمس في جوهره تأقلم المجتمعات مع المتغيرات الداخلية والخارجية المستمرة في مختلف مجالات حياتها، التي تتطلب تحقيق أهداف وخدمات استعصى على الناس تحقيقها فرادى، وبالتالي برزت أهمية الإدارة على اعتبار أنها شُكّلت قصد تلبية احتياجاتهم وتوجيه مجهودهم وتنسيقه.
على هذا الأساس أصبحت الإدارة حلقة مكملة مرتبطة بتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للدولة من جهة، وتحقيق التنمية بشتى أنواعها من جهة أخرى، وبالتالي أصبح لها دور كبير في المجتمعات، وكثر اللجوء إلى خدماتها، ما فرض عليها تحدّيات كثيرة، في مقدّمتها إشكالية الإصلاح الإداري و ما يتطلبه من مقاربات إدارية و علاقتها أو تفاعلها مع الإصلاحات السياسية و حركية التحول الديمقراطي بالمغرب، بهذف الكشف عن الأليات المتحكمة في علاقة الإداري بالسياسي على إعتبار أن الإدارة تعد نظاما مفتوحا يتأثر ويأثر بالتحولات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية بالدول إرتباطا بما تقدم فإن التحول الديمقراطي ينسجم مع الحاجة المستمرة للإصلاح الإداري و تحديث الإدارة العمومية التي هي أداة لتحقيق الديمقراطية و التنمية و حماية حقوق الإنسان، أيضا تعد أدات توفر خدمات للمواطنين و سائر المتعاملين معها، مما يتطلب تشخيص دقيق للوضع الإداري الذي يضع الإدارة المغربية أمام تحديات عديدة سياسية، إجتماعية، ثقافية ، إقتصادية و أيضا تحدي يتعلق بالعولمة أو ما يصطلح علية بالإدارة الإليكترونية هذه الأخيرة تقوم على تحويل كافة الأعمال و الخدمات الإدارية التقليدية من طول الإجراءات واستخدام الأوراق، إلى أعمال و خدمات إليكترونية تنفد بسرعة عالية و دقة متناهية. أيضا بتتبعنا لمسار التحول الديمقراطي يتبين التراكم الأكاديمي الضخم المقترن بما سُمي ب"الموجة الثالثة للتحول الديمقراطي"، والتي انطلقت منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين من جنوب أوروبا (البرتغال، إسبانيا، اليونان)، ثم امتدت خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات لتشمل العديد من بلدان أميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا وشرق ووسط أوربا،
فعلى الرغم من وجود طفرة هائلة في الأدبيات المتعلقة بظاهرة الانتقال الديمقراطي على المستوى العالمي، ووجود مراكز بحثية ودوريات عالمية متخصصة في دراسة قضايا الديمقراطية والانتقال الديمقراطي في مناطق مختلفة من العالم، إلا أن الكتابات العربية التي اهتمت بالتأصيل لهذه الظاهرة ودراستها سواء على المستوى النظري، أو على مستوى الدراسة المقارنة ظلت بصفة عامة قليلة إن لم تكن نادرة، الأمر الذى بات يمثل فجوة حقيقية في حقل السياسة المقارنة ومراكز البحوث العربية.