على بعد أشهر قليلة من نهاية الولاية التسييرية للمجلس الحضري لمدينة اليوسفية، ارتأينا أن نبسط للمتتبع اليوسفي ورقة تحليلية حول حصيلة مجلس يؤثثه نسيج حزبي يتكون من أربعة هيئات حزبية؛ الحزب العمالي "قبل التحاقه بالاتحاد الاشتراكي"، العدالة والتنمية، التقدم والاشتراكية، الأصالة والمعاصرة. سنحاول ضمن هذا التقرير التركيبي الإجابة عن تساؤلات عديدة راودت اليوسفيين، من خلال تناول إعلامي يجسد مسؤولية الفعل الإعلامي في تنوير الرأي العام المحلي، بعد تجميع العديد من المعطيات والأرقام ومواكبة جميع دورات المجلس، وكذا القرب من نبض الشارع اليوسفي، إذ أفرز لنا هذا التعاطي الإعلامي تصورا أوليا حول سياقات وعود وتطمينات المسؤولين الجماعيين، وأيضا مآلات مشاريع وإنجازات المجلس قبل انتهاء ولايته. فهل تحققت تلك الوعود أم تبخرت؟ وهل التزم المنتخبون الجماعيون بشعاراتهم خلال الحملة الانتخابية السابقة؟ وما حقيقة الأرقام التي قدمها رئيس المجلس الحضري ونوابه في العديد من المحطات والمناسبات. 1 افتقاد المجلس إلى مخطط جماعي جعله يخبط خبط عشواء في غياهب اللا تدبير: نص الميثاق الجماعي في المادة 36 منه على أن "المجلس الجماعي يدرس ويصوت على مشروع مخطط جماعي للتنمية يعده رئيس المجلس الجماعي"، وهذه التوصية تعكس رغبة المشرع في امتلاك الجماعات الترابية لمخططات جماعية تضع من خلالها أهدافها التوقعية ومعلوماتها ومعطياتها حول الأعمال التي تعتزم القيام بها خلال ست سنوات، لخلق تنمية مستدامة بمجالها الجغرافي. رغم هذه الأهمية التي تكتسيها المخططات الجماعية في تحقيق النجاعة التدبيرية، لم تكلف رئاسة المجلس الحضري لمدينة اليوسفية عناء إعداد مخطط جماعي تضع من خلاله الخطوط العريضة لسياستها التدبيرية، وللمشاريع التي تروم إنجازها خلال فترة تربعها على عرش تسيير الشأن المحلي، ليكون لها نبراسا يحدد معالم الاشتغال، ويخرجها من العتمة التسييرية الغارقة فيها الآن، ويحجزها من أن تستغرق فتغرق في مطبات سوء التدبير، كما هو حالها اليوم. إن المخطط الجماعي يشبه إلى حد كبير البرنامج الحكومي الذي تقدمه الحكومات في بداية انتدابها، والمجالس الحضرية بما هي حكومات محلية إن صح التعبير ملزمة، إن كانت تحترم نفسها وتحترم ناخبيها، بإعداد هذا المخطط، وإطلاع الرأي العام المحلي عليه، حتى إذا أوشكت ولايتها على الانتهاء، تكون الكلمة الفصل في نجاحها أو فشلها لمدى تفوقها في إنجاز بنوده، وتنزيلها على أرض الواقع، وهذا ما غاب عن المجلس الحضري الذي ضارع في تخبطه وفقدانه لبوصلة التدبير الناقة العشواء(العمياء) التي ما إن تقم من هذه الحفرة حتى تقع في أخرى، حسب توصيف أحد المتتبعين للشأن المحلي. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بإلحاح هو لماذا أحجمت رئاسة المجلس عن وضع مخططها الجماعي؟ هذا السؤال طرحناه على مجموعة من الفعاليات، وعلى بعض المستشارين داخل المجلس، ومن خلال تجميع إجاباتهم تبين أن وضع مخطط جماعي يتطلب التجند له، وبذل الجهد والتضحية بالوقت، سواء أثناء إنجازه، أو خلال تتبع مراحل هذا الإنجاز، وهو ما ليست رئاسة مجلسنا مهيأة له على الإطلاق والاستغراق، فعملية من هذا القبيل في نظرها مجرد "صداع الراس" ستأخذ منها وقتا طويلا، وستدفعها إلى البحث عن مصادر المعرفة بهذا الصدد، والتنقل إلى المدن التي تعمل مجالسها بالمخططات الجماعية لاستجلاء تجربتها والاستفادة منها، وهذا ما لا يطيقه رئيس لا ينظر إلى المسؤولية الملقاة على عاتقه كتكليف يلزمه بالسهر والجد والكد من أجل بلورة رؤية تنموية تدفع بشأن المدينة إلى الأمام. وثمة سبب آخر وراء هذا الإعراض من رئاسة المجلس عن وضع المخطط الجماعي، فهذا الأخير مظهر من مظاهر تحري الشفافية والوضوح، ووضع الأمور في نصابها، بما يهيئ متتبعي الشأن المحلي لسهولة رصد عمل المجلس وتتبع إنجازاته، التي سيكون على علم مسبق بها من خلال المخطط الجماعي، وهذا في عرفها باب لو فتح سيدخل الريح والضياء على غرفتها التدبيرية التي تريد لها أن تبقى مظلمة محكمة الإغلاق، ولا بأس أن تلحق النتانة أشياءها مادامت دواخلها بعيدة عن أعين الفضوليين، كما لا يهم أمر تجهيزها، ولو بما اتفق ما دام "الفم مزموم" لم تصدر عنه زلة الإفصاح عن مخطط تجهيزها. إن الإعراض عن إعداد المخطط الجماعي يعني سلك طريق الفوضى عن سبق إصرار وترصد، وإعراضا عن الوضوح والشفافية، وهو ما يجسده المثل العربي "من حظ اللص هرج السوق". 2 طلبات السند أسلوب الرئيس المفضل لامتصاص الميزانية وفائضها: عوض أن ينخرط الرئيس في مشاريع كبرى يظهر أثرها على الأرض، ويرصد لها ميزانيات تليق بها، اعتمد سيادته على أسلوب تقديم طلبات السند (بوند كوموند) لإنجاز مشاريع ميكروسكوبية لا يظهر لها أثر، وإن ظهر يبقى محدودا، وفي هذا إجهاز على المال العام، وتفتيت للميزانية، وتخلص من تبعات سلك مسار الصفقات التي تتطلب اتباع مجموعة من الإجراءات القانونية التي تحد شيئا ما من التسيب التدبيري، في الوقت الذي تتيح فيه محبوبة الرئيس (طلبات السند) إمكانية المناورة والتخلص من التعقيدات الإدارية، سواء تعلق الأمر بالإعلان وشروطه وحيثياته، أو بالإنجاز والمتابعة، كما أن قيمتها التي لا تتجاوز 20 مليون سنتيم لا تثير الانتباه، ولا تستنفر لجان التفتيش والتحقيق. ويلاحظ في هذا السياق أن طلبات سند المجلس تنصرف إلى مجالات تتكرر كل سنة مثل الترميم والصيانة والتزويد بالمعدات المكتبية، والتركيز على مثل هذه المشاريع ينبع من قابليتها لامتصاص وابتلاع الأموال المرصودة مهما كانت مرتفعة أو مبالغا فيها، ويزيد من طرح علامات الاستفهام الكثيرة تركيز الرئيس على نهج هذا المسار، رغم أن القانون يعتبره استثناء من القاعدة التي يجب أن تكون للصفقات، كما يثار التساؤل حول تكتم الرئيس الشديد على طلبات سنده هذه، ورفضه إطلاع حتى مستشاريه عليها، وقد راسله بهذا الصدد مستشاران، طلبا منه أن يحيطاه علما بأمرها، لكنه تجاهل الطلب ورمى الرسالة في سلة القمامة، حتى يبقى الموضوع سرا يخصه، وقد كان أولى به وأجدر أن يرد التحية بأحسن منها، وأن يطلعهما وباقي زملائهما على كل صغيرة وكبيرة في هذا المجال، حتى لا يكونوا آخر من يعلم، وهم أبناء الدار، أما اللجوء إلى التعتيم فهو مدعاة للاستغراب والتساؤل القلق. 3 اعتمادات محددة على مقاس طلبات السند: تحرص رئاسة المجلس الحضري على تخصيص اعتمادات لا تتجاوز 20 مليون سنتيم لكثير من الأنشطة التي تتطلب الاعتماد على ممونين أو مقاولين، بما ييسر لها سلك طريق طلبات السند، الوجبة المفضلة للرئيس، وسنكتفي هنا على سبيل المثال لا الحصر، بما صرفه الرئيس في السنة الماضية 2013 بخصوص هذه الأنشطة: الصيانة والإصلاح الاعتيادي المعلوماتي: 55800,00 درهم الصيانة الاعتيادية لعتاد وأثاث المكتب: 19680,00 درهم لوازم المكتب، مواد الطباعة، أوراق ومطبوعات: 149911,20 درهم لوازم العتاد التقني والمعلوماتي: 89940,00 درهم صيانة وتجديد العتاد الصغير 23400,00 درهم شراء شارات أسماء الشوارع: كان مخصصا له كاعتماد مبلغ 200000,00 درهم، وحذف من هذا المبلغ ألفي درهم، ليصبح 198000,00درهم، حتى يتأتى وضعه في قالب البوند كوموند، ونفس العملية تم استنساخها فيما يخص الصيانة الاعتيادية للطرقات، حيث فوت مشروعها بنفس المبلغ، مع العلم أنها كانت غارقة في الارتجال والتخبط، وأنجزت في ظرف قياسي جدا أملاه خوف رئاسة المجلس من زيارة ملكية مرتقبة، بعد تردد إشاعات حول إمكانية تعريج الملك على مدينة اليوسفية أثناء انتقاله من مدينة ابن جرير إلى مدينة آسفي. ويلاحظ بهذا الصدد أن الرئيس يتجنب المشاريع التي لا تقبل التفتيت، ويمكن أن تخلق أوراشا كبرى من شأنها تحقيق الرفاهية والطمأنينة للساكنة، مثل إنشاء منتزهات، وحدائق عمومية، فقد أجهزت رئاسة المجلس على اعتماد مالي قدره 40 مليون سنتيم كان مخصصا لإنشاء ساحات عمومية، ونقلته صوب موضوع آخر، كما برمجت الاعتماد الذي كان مخصصا لتهيئة الساحات العمومية، والذي يقدر ب: 218317,00درهم ضمن فائض الميزانية، وهذا يدل،على حد قول أحد المهتمين، على إرادة مجلس لا يريد أن يترك بعد رحيله ما يدل عليه، وما يذكر الساكنة بالوجوه التي تربعت على عرشه. 4 الإجهاز على الجانب الثقافي وحصره في إقامة الحفلات الراقصة: تقاس قيمة المؤسسات المنتخبة بما توليه للثقافة والفكر والأدب من اهتمام، فبقدر ما يحمله المنتخبون من رؤى وتصورات وأفكار، بقدر ما يحفل البرنامج السنوي الذي يضعونه بأنشطة ثقافية متنوعة تشفي غليل النخبة التي تتاح لها فرصة الاستفادة من هذا البرنامج، وتحقيق التلاقح الفكري مع النخب التي تجلب لإحياء هذا النشاط أو ذاك. رئاسة المجلس الحضري لا يهمها من هذا الأمر شيء، وقد أطلقت رصاصة الرحمة على كل ما يمت إلى الثقافة بصلة، حتى ما يسمى باللجنة الثقافية جعلت منها مجرد تحصيل حاصل، ترجع إليها للحصول على توقيع أعضائها من أجل أداء أثمنة فرق موسيقية قد تجلبها جهات أخرى، ويطلب من المجلس أداء جزء من فاتورة استقدامها، ومن الغرائب بهذا الصدد أن رئيس المجلس الحضري اختزل صرف مبلغ 64920,00 المخصص للنشاط الثقافي في جلب مجموعتي "لمشاهب" و "تكادة"، وذلك أثناء التصويت على الحساب الإداري في معرض رده على استفسار لأحد المستشارين بهذا الصدد، وهذا يدل على أسلوب تلفيقي وعشوائية في توزيع الاعتمادات، فتحت هذا البند أو ذاك تكمن عشرات الملايين التي تبقى مجرد أموال عابرة اختيرت لها عناوين عريضة بشكل اعتباطي، كما أن هذا الجواب يؤشر على قصور في الفهم، وعلى نظرة اختزالية للعمل الثقافي، تزكيه برمجة المجلس إياه في باب "مصاريف الأعياد الوطنية والاحتفالات"، ولا يمكننا، والحالة هذه، إلا أن نضع أيدينا على قلوبنا وننتظر الكارثة، كارثة تدبير جنى أصحابه على أنفسهم قبل أن يجنوا على أهل مدينة خدعوهم حينما وعدوهم بإقامة جدار شأنهم المحلي المتهالك، فإذا بهم يهدمونه على رؤوسهم، ويغرقونهم في غباره المتطاير. ولعل العلامة الفاصلة في استهتار رئاسة المجلس الحضري بالعمل الثقافي، توصيتها بإغلاق المركز الثقافي بحجة أنه بناية آيلة للسقوط، وتركه على حاله، مصفدا بالسلاسل الحديدية لمدة شهور، دون أن تسارع إلى إيجاد فضاء آخر، ولو مؤقتا، يمكن الطلبة والتلاميذ وكل المهتمين بالشأن الثقافي من قضاء مأربهم، ثم جاءت خطوة أخرى لا تقل غرائبية وشناعة بإجلاء المسؤول عن المركز الذي يتوفر على تكوين محترم في التنشيط المسرحي، وتكليفه بمهمة بعيدة كل البعد عن إطار تخصصه. 5 التلفيق والترقيع سمة المجلس الأساسية في تدبير الشأن المحلي: لا تحترم رئاسة المجلس فصول الميزانية والاعتمادات المخصصة لها، أو لبعض أبوابها، وقد اعترف الرئيس نفسه أثناء دورة التصويت على الحساب الإداري في شهر فبراير من السنة الجارية أن الاعتماد المخصص لتغطية مصاريف الإقامة و الإطعام والاستقبال، والمقدر ب 39960,00 صرفت " لمساعدة بعض الجمعيات التي تلتمس مساعدة المجلس، كلما قامت بتنظيم أحد الأنشطة الخاصة بها"(نقلا عن محضر دورة فبراير، ص:7)، وهذا من مظاهر خلط الأشياء، فدعم الجمعيات له باب خاص به، وله اعتماده، ويقدم بناء على برامجها السنوية وما أنجزته من أنشطة، ولا يقدم هكذا اعتباطا. ويدخل في إطار التلفيق والعشوائية والتخبط كذلك برمجة رئاسة المجلس فائضا قيمته 300000,00 درهم من أجل بناء حواجز إسمنتية بالطرقات، مع العلم أن وضعية هذه الأخيرة في معظمها مهترئة، ما يعني أن المجلس لم يستفد من التجربة المريرة في اجثتات إسفلت وإسمنت طرق حديثة عهد بالتعبيد والتبليط، وأنه أدمن هدر المال العام وتبذيره، وقد كان أولى برئاسته وهي تتطلع "إلى إقامة حواجز تليق بالمدينة وتخضع للمواصفات التقنية والجمالية المعروفة، على غرار ماهو موجود ببعض المدن المجاورة" كما جاء في تصريح الرئيس المثبت بالصفحة 10 من محضر دورة فبراير، أن تفكر مليا وأن تجمع شتات الأموال الموزعة هنا وهناك لتعبيد الطرقات أولا، وإصلاح المهترئ منها، على غرار ماهو موجود ببعض المدن الأخرى بلغة الرئيس. ودائما في إطار العشوائية في صرف ميزانية المجلس تشابه البقر على الرئاسة، ففي أحد الفصول خصصت مبلغ 49762,80 درهم لكراء عتاد الحفلات، قبل أن تعود في فصل آخر وتبشرنا بشرائه بمبلغ قدرته ب 126360,00 درهم، فأيهما نصدق رواية الكراء، أم رواية الاشتراء؟، وإذا كانت الرئاسة قد اشترت فعلا عتاد الحفلات بما يزيد عن 12مليون سنتيم، فلماذا تكتريه وتبذر من خلاله مبلغا يقارب خمسة ملايين سنتيم؟ 6 حكاية الاعتمادات المخصصة لمحاربة القمل والفئران والطفيليات: يحرص الرئيس على تخصيص بضعة ملايين من السنتيمات كل سنة لما يسميه محاربة الطفيليات، ويأخذ من يطلع على محاضر الحسابات الإدارية للمجلس هذا الأمر على سبيل السخرية والتنذر من رئيس لا يدري ما يفعل، في حين أن الرجل يعي جيدا ما يقدم عليه في هذه النقطة بالذات، ولو كانت المسألة كذلك لأعطى الرئيس لخانة شراء الأسلحة والذخيرة حقها، ولما تركها فارغة، لأنه يعي أن لهذا البند أبعادا أمنية ستجر عليه متاعب هو في غنى عنها، إذن أصل القضية هنا رغبة متأصلة ونية مسبقة في تحويل هذه الملايين إلى فائض الميزانية، وما دمنا نتحدث عن الفائض، فهذا الأخير ملك للرئيس يصرفه كما يشاء، خصوصا عن طريق طلبات السند، والأمثلة خارج نطاق القمل والطفيليات عن تبني الرئيس لمنهج "التفييض" كثيرة جدا ومتعددة، نذكر منها على سبيل المثال تخصيصه مبلغ 5000,00 درهم لما سماه "صيانة الشواطئ والمسابح" في سنة 2013، مع العلم أن المجلس لم يكن يتوفر على أي مسبح في تلك السنة، وليس بالمدينة أي شاطئ، ولهذا برمج المبلغ المذكور ضمن الفائض، هذا إضافة إلى تخصيص مبالغ خيالية لموضوع ما، والاقتصار في الأخير على جزء قليل منها، ليتم قذف الباقي في شباك الفائض، حيث الرئيس في حراسة المرمى، وكمثال على ذلك خصصت الرئاسة مبلغ 260000,00درهم لصوائر المسطرة وإقامة الدعاوى، وصرف من هذا المبلغ فقط 22480,53 درهم، في حين ذهب الباقي المقدر ب 237519,47 درهم إلى مجرى الفائض. 7 دورات يطبعها الفتور، ومحاضرها خارج اهتمام غالبية المستشارين: في الوقت الذي فضل فيه رؤوس المعارضة التواري عن الأنظار والإعراض عن حضور دورات المجلس، اعتمدت الأغلبية الساحقة من المستشارين منهج التصويت بالموافقة على اقتراحات الرئيس، دون مناقشة في غالب الأحيان، وهو ما أضفى على هذه الدورات طابع الفتور، وجعلها شكلية استعراضية، تغيب فيها الندية والنقاش المستفيض الذي تطرح معه الأسئلة وتثار فيه الإشكاليات والقضايا، وتحلل من خلاله النقط المعروضة للنقاش من جميع جوانبها بشكل علمي وعميق. هذه السلبية إن صح التعبير جعلت رئاسة المجلس نفسها تبرمج نقطا خاطئة من أساسها، ونترك بهذا الصدد الكلمة لكاتب محضر دورة يوليوز 2014 ليتحدث على لسان الرئيس عن واحد من هذه الأخطاء القاتلة، حيث يقول في الصفحة 24 من المحضر فيما يخص النقطة التاسعة من جدول الأعمال المعنونة ب: "تحويل اعتمادات" ما نصه: " فيما يتعلق بهذه النقطة أطلع السيد الرئيس الحاضرين بكون النقطة أدرجت بجدول أعمال الدورة خطأ، وتم التوقيع عليه من طرف رئاسة المجلس دون العلم بمحتواه"، وثمة قرار صوت عليه المجلس، وهو ليس من اختصاصه، كما حصل حين تم التصويت على الحساب الإداري الذي يتضمن تخصيص أكثر من تسعة ملايين سنتيم لما سمي باستكمال تهيئة ثانويتي كشكاط والإمام البخاري، دون علم المعنيين بالأمر، ولا أحد من المستشارين نبه الرئيس إلى خطإ العملية التي تحتاج إلى عقد شراكة مع المؤسستين تحت إشراف نيابة التعليم، بحكم أنهما مؤسستان خارجيتان لهما استقلاليتهما عن سلطة الجماعة، ومرت عملية التصويت بسلاسة، ليتخذ الرئيس بعد شهور قرارا آخر يقضي بتحويل هذا الاعتماد صوب المركز الثقافي، ويحظى اقتراحه بالإجماع. وما دمنا نتحدث عن المركز الثقافي فقد استطاع الرئيس أن يضم إليه اعتمادين مختلفين بقيمة مالية تقدر بحوالي 110 ملايين سنتيم تحت عنوان واحد "بناء قاعة للاجتماعات بالمركز الثقافي"، إذ لم ينتبه المستشارون إلى أنهم صوتوا لصالح هذا المشروع الذي خصص له مبلغ 40 مليون سنتيم من تحويلات متعددة، ونسوا ما قدمت أصابعهم حين صوتوا ثانية على تحويل عائدات بيع بقعة أرضية لاتصالات المغرب لصالح ذات المشروع بغلاف مالي يصل إلى 70 مليون سنتيم، دون أن ينتبه أي أحد للتكرار الحاصل. ويدخل في هذا السياق كذلك تصرف الرئيس فيما يعرض على المستشارين، إما بالزيادة أو النقصان، كما حصل في دورة أبريل الماضية، حين قرر الرئيس استغلال عرضه تحويلات مالية للتصويت، ليضيف إليها نقطة لم ترد على لسانه طيلة أشغال الدورة، ويتعلق الأمر بما سمي " شراء التحف والهدايا لتسليم الجوائز" التي كان مخصصا لها مبلغ ثلاثة ملايين سنتيم، وأضاف إليها منفردا مليوني سنتيم، دون الرجوع إلى المستشارين، ولا أحد احتج على هذا التجاوز والاستغلال، لأن الأغلبية الساحقة لم تعلم عن حقيقة الأمر شيئا، بحكم أنها لا تطلع على محاضر الدورات. ولعل وراء المسألة حاجة ملحة من قبل المستشارين للتكوين المستمر، إلا أن هذا الموضوع لا يلقى أدنى عناية من لدن الرئيس، الذي اكتفى بتخصيص مبلغ 5000,00 لمصاريف التكوين المستمر للمنتخبين، ورغم هزالة المبلغ لم يمس منه ولو سنتيما واحدا، ليبرمج بدوره في خانة الفائض. 8 لماذا أحجم الرئيس عن فتح باب التكوين المستمر في وجه مستشاريه : باتخاذ الرئيس، في زحمة تدبيره الارتجالي للشأن المحلي، قرار حرمان مستشاريه من التكوين المستمر، يكون قد اختار طريق الأمان، مفضلا ترك التنين نائما في مرقده، وتوفير الهدوء له ليبقى مستغرقا في نومه العميق، دون أن يحدث ما يمكن أن يوقظه عن طريق جرس التكوين المستمر الذي قد يعمق من معرفته بآليات تدبير الشأن المحلي، لأنه يعرف أن الجرس سيترك جلجلة، وسيكون هو أول ضحاياها، ولهذا اتخذ من مقولة "جهل الأمور خير من معرفتها" منهجه المفضل في "عدم سقي الأفعى سما"، وهو ما مكنه من تحييد الأصوات المشاكسة من المستشارين، التي قد تكون غير راضية على أدائه، لكنها تجد أجنحتها مقصوصة بما يلصقها بالأرض، ويمنعها من التحليق فوق قلعته التدبيرية المحاطة بالتكتم الشديد. 9 رئاسة المجلس عاجزة عن جلب القابض البلدي سواء لجلسات المكتب أو المجلس: اكتفي الرئيس بالقول حين طرحت عليه تساؤلات حول الجانب الجبائي بالقول: "إن القابض تمت دعوته لحضور أشغال المكتب ولم يحضر" وجواب الرئيس ها هنا يوحي كأن هذا القابض يوجد في بلد آخر يتطلب إحضاره اللجوء إلى البوليس الدولي، أو توقيع اتفاقية تبادل المسؤولين بين البلدين، والسؤال المطروح هنا هو لماذا يقف الرئيس عند حدود توجيه الاستدعاء، دون أن يسلك مساطر إدارية أخرى يخولها إياه القانون؟؟؟ إن هذا الوضع جعل رئاسة المجلس في حيص بيص، لا تعرف كثيرا من الأشياء المرتبطة بحقها في الجبايات والضرائب، ومن الغريب بهذا الصدد أنها لا تعرف إن كان المكتب الشريف للفوسفاط يؤدي ما عليه من ضرائب سنوية تجاهها عن معمل غسل الفوسفاط، التي كان من المفروض توصل المجلس بها منذ سنتين. 10-المجلس الحضري ومحاولة تبني ثلة من مستشاره لمشاريع الغير: بعدما أصيب المجلس الحضري بعقم منعه من إنجاب مشاريع ترضي الساكنة المتذمرة من تدبيره لشأنها المحلي إلى حد السخط والحنق، اعتمد مستشارون على مبدإ التبني، فراحوا يترنمون بإنجازات لا ناقة لمجلسهم فيها ولا جمل، بل هي مشاريع تابعة لمؤسسات أخرى، دفعهم القحط الذي ضربه، ونتج عنه جفاف كبير على مستوى الحصيلة والإنتاج، إلى الانتقال إلى وجهة أخرى، وتقمص دور الأب، والحرص على أخذ الصور التذكارية بجانب الآليات والأوراش، كنوع من التلبيس على المواطنين، أو على ليلاهم التي يمنون النفس بأن تبقي على حبها لهم، وألا تشهر في وجههم ورقة التنائي والفراق في الانتخابات القادمة، وسيلتهم في ذلك تغني بالعذرية والوفاء والعفة، وتباكي على أطلال بنوها بوعودهم، وهدمتها تصرفاتهم وسوء تدبير مجلسهم، لكن مالا يدريه هؤلاء الذين عميت أبصارهم أن المواطنين ضاقوا ذرعا بأمانيهم، ولن ينطلي عليهم تمويههم من جديد، لأن هؤلاء الذين رأوا فيهم "المنقذين" خانوا الأمانة وتواطؤوا مع المتواطئين في اقتراف جريمة الصمت في أحسن أحوال حسن الظن، بما نكأ الألم، وأثخن الجراح. 11 الصراع الحزبي بين بعض مكونات المجلس، وأثره في إراحة الرئيس وارتياحه : عملا بمقولة ميكيافيلي في كتابه الأمير: "على الأمير أن يشغل الرعية قبل أن يشغلوه"، وفر الرئيس على نفسه عناء وضعها محط أنظار مستشاريه، واستفاد بشكل كبير في هذا السياق من التنافر والتناحر الإيديولوجي بين بعض مكونات المجلس، بما هيأ له انشغال هذا الطرف بأمر ضرب الطرف الآخر، الأمر الذي خول له وضعا جد مريح جعله يستثمر هذه الفرقة استثمارا كبيرا، مكنه من تمرير كل ما أراد في دورات المجلس بأريحية وسلاسة، في ظل حرص الأغلبية الساحقة بألا تبقى خارج خط التماس، وألا تبعد نفسها عن دائرة الرئيس، وعمل هذا الطرف بكل تفان على عدم ترك الفرصة للطرف الآخر للاستفراد بالرئيس، وهو ما التقط هذا الأخير إشارته بقوة، فتعامل بمنطق "أنا مع الجميع"، يدغدغ مشاعر هذا، ويمدح ذاك، ولسان حاله يقول: "لساني معكم جميعا، وعقلي ضدكم جميعا"، وقد جنى الرئيس أكثر من مرة ثمار هذه الفرقة، كما هو الحال حينما استطاع أن يرفع من قيمة الاعتماد المخصص للمحروقات، ومن قيمة اعتماد شراء قطع الغيار والإطارات المطاطية للسيارات والآليات، واستغل تناحر المستشارين فيما بينهم وتنابزهم بالألقاب، وبمختلف أنواع السب والشتم والتنقيص على صفحات العالم الافتراضي، فيما ظل هو بعيدا عن هذا التراشق، ولم تصبه منه ولو شظايا قليلة.
في ظل وضعية هذه سماتها يتضح جليا من خلال هذه الورقة التحليلية، غياب الإرادة الإصلاحية وضعف الأداء التدبيري لدى المسؤولين الجماعيين، وهذا ما جعل المجتمع المدني، أفرادا وهيئات، يأخذ على المجلس تأخره في الدفع بركب المدينة نحو ما يتطلع إليه المواطن اليوسفي وبما تتيحه له بنود الميثاق الجماعي. فحينما أهمل حكماء المجلس وضع مخطط جماعي لاتخاذه بوصلة تنير الطريق وعمدوا إلى الأحادية في التدبير والتسيير، وقتئذ فضل المجلس الحضري الانطلاق بشكل مائل نحو المجهول.