الكل يجمع على أن إصلاح التقاعد بالمغرب بات ضروريا و آنيا بسبب الوضعية المالية الحرجة التي أصبح عليها صندوق التقاعد و التي تهدد الاستقرار المادي للمتقاعد و معه أسرهم مما يشكل هاجسا و كابوسا حقيقيا بالنسبة لهذه الفئة؛ في الوقت الذي كان من المفروض أن يستفيد المتقاعد من معاش يحفظ كرامته مقابل الخدمات الجليلة التي قدمها طوال مشواره المهني. ملف إصلاح التقاعد بالمغرب يعتبر من بين الملفات الساخنة و الحساسة و التي تؤرق المسئولين ببلادنا؛ فالوضعية المتأزمة لهذا الملف ليست حديثة العهد بل هي إرث ثقيل لخلل في نظام التقاعد ببلادنا؛ أولا : بشقيه العمومي و الخاص؛ ثانيا : منظومة تحرم %67 من الفئة النشيطة ببلادنا من ضمان معاش يحفظ كرامتهم أيام شيخوختهم؛ حيث أن هذا الصندوق يغطي % 33 فقط من الساكنة النشيطة بسبب وجود قطاعات غير مهيكلة. اتخاذ قرار إصلاح التقاعد بالمغرب هو قرار جد جريء و من أصعب القرارات السياسية التي قد تتخذها الحكومة نظرا لانعكاسه على شعبيتها خصوصا مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية الجماعية فالتكلفة هي جد صعبة على مستوى الخريطة السياسية الحزبية المقبلة؛ و بالمقابل هي فرصة ذهبية للمزايدات السياسية لأحزاب و هيئات نقابية تدرك جيدا جسامة و ثقل هذا الملف الحساس. و إذا كان شعار كل الأحزاب الوطنية و الهيئات النقابية هو مغرب تسود فيه العدالة الاجتماعية لجميع المغاربة؛ فهذا الملف يجب أن يبقى ملفا وطنيا يحظى بالاهتمام من جميع الأطراف عبر إيجاد حلول و اقتراحات جدية لمنظومة التقاعد تضمن لكل المغاربة عيشا كريما في شيخوختهم عبر توسيع قاعدة الإنخراطات حتى يشمل الجميع و الذي لا يمكن تحقيقه سوى بالعمل على هيكلة القطاعات الغير مهيكلة من مهن و حرف حرة ; بعيدا عن المزايدات السياسية و الخطابات الديماغوجية التي لن تساهم سوى في تبخيس و تمييع المشهد السياسي و النقابي ببلادنا؛ و لكون المؤسسة التشريعية اليوم لها صلاحيات كبرى في تقديم اقتراحات و مشاريع قوانين في عدة ميادين كما ينص على ذلك الفصل 71 من دستور 2011 فإن أحزاب المعارضة ما عليها سوى تفعيل و تنزيل مضامين الدستور بخصوص هذا الملف. و في خضم النقاش المفتوح اليوم حول الثروة؛ فإن من حق كل المغاربة الاستفادة من ثروة هذا الوطن نساءا و رجالا؛ أطفالا و شبابا و شيوخا؛ من حق كل مغربي و مغربية أن ينعما بخريف ناعم ؛ من حقهما أن لا يأخذا معهما صورا لوطن بئيس ؛ بل صور كتلك التي يأخذها السياح الشيوخ الذين يأتون لبلدنا للاستمتاع بأجمل محطة في عمرهم؛ حيث البسمة حاضرة تعكس مستوى الرعاية الإجتماعية و الصحية بأوطانهم ؛ ففي وطننا ليس كل الشيوخ ينعمون بشيخوخة هادئة و لا حتى الموت بكرامة؛ فألم يحن الوقت أن نأخذ صورا جميلة عن وطننا و لو في آخر العمر أم أن صور الخوف من المرض و الحكرة و ادخار ثمن القبر ستلاحقنا إلى نهاية الحياة ؛ متمنيين بكل حسرة لو كانت أرحام أمهاتنا من وطن يرحم كرامة شيوخه!