هل يستطيع الإنسان اليوم أن يضع ما يجري في العالم الإسلامي ومختلف مجتمعاته اليوم تحت عنوان معين؟ لقد اختار الغرب وأعوانه وهم كثيرون في المجتمعات الإسلامية لما يجري عنوان «الربيع» وهو كما قلنا مرات عديدة من خدعة العناوين التي كانت من بين أول ما يقرأه التلميذ منذ وضع (المنفلوطي) كتابه (النظرات) إذ هذا العنوان من العناوين البارزة للموضوعات التي تناولها، والواقع أن العناوين الخداعة كثيرة اليوم في عالمنا العربي والإسلامي فكل مجموعة تهيء عنوانا وتقرر أن يكون هو ما يميز الخصوم أو الأنصار الذين تختارهم هذه الجماعة للحرب أو النصرة. وهذه الكلمة نفسها من ابرز العناوين الخداعة فالنصرة لمن؟ في الواقع التاريخي الإسلامي النصرة تكون لله ولرسوله وللمؤمنين وللضعفاء والمظلومين من الناس، ولكن هل نصرة المؤمنين تتم بزلزلة الأرض من تحت أقدامهم، وإمرار السيف على رقابهم بالشبهة أو بدونها؟ لاشك أن النصرة لها ضوابطها الشرعية، وكما يحدث التلاعب بهذا العنوان يتم التلاعب بالإسلام نفسه، فالكل يضع الإسلام عنوانا لأعمال إذا عرضت على الإسلام كانت أبعد ما تكون من الإسلام، (والإرهاب) هذا البعبع الذي جردته بعض الحكومات المستبدة سيفا مصلتا على رقاب من يعارضها، وليس الحكومات المستبدة وحدها بل الأجهزة الاستخباراتية المختلفة ترمي كل من ترى فيه خطرا بهذا الوصف إلى آخر ما هناك مما نسب إلى الإسلام والإسلام منه براء، فكان اختيار عنوان (الإسلام المفترى عليه) هو ما عقدت العزم للكتابة حوله هذا الأسبوع، وخطر لي أن أرجع إلى كتاب بهذا العنوان للداعية محمد الغزالي رحمه الله فكان استحضار مولده يوم 22 شتنبر 1917، فالحديث اليوم عن كتابه الإسلام المفترى عليه وعن شخصيته المتميزة. ************* حكم التاريخ هناك شخصيات تفرض نفسها على التاريخ وعلى الناس مهما حاولوا أن يتجاوزوها وهناك ناس مهما حاولوا أن يفرضون أنفسهم على الناس أو التاريخ فإن النتيجة أن الناس ومعهم التاريخ يلفظونهم ويحيلونهم على الإهمال والنسيان انه حكم التاريخ. وهذا الحديث الذي نعده كل يوم جمعة حاولنا فيه باستمرار ان نكون على موعد مع بعض الأحداث وبعض الشخصيات الذين كانت لهم بصمات معينة في تاريخ الشعوب الإسلامية أو الإنسانية بصفة عامة، وفي هذه الأيام التي نجتازها من شهر شتنبر وذي القعدة فيها أيام لها تاريخ وشخصيات لا يمكن للزمان أن ينساها أو ينسى المكانة المتميزة التي نحتتها لنفسها والنهج الذي سلكته وسلكه الناس معها.. عين العاصفة ونحن عندما نحاول ان نسجل ملامح من حياة بعض الشخصيات أو نلم ببعض الأحداث فذلك قياما ببعض الواجب الذي لهؤلاء الناس على من استفاذ منهم ولتيار التاريخ ونهره الجاري والدافق نحو بناء حضارة إنسانية وقد اخترنا هذا اليوم شخصية متميزة شغلت الناس وشغلها الناس كثيرا طيلة عقود من القرن الماضي إذ طيلة ما يزيد على نصف قرن دأبت على صناعة الأحداث والمواقف لأنها اختارت ان تكون في مواجهة الأحداث وأن تجعل نفسها في عين العاصفة كما يقولون. الوعد الظالم لقد ولدت هذه الشخصية في شهر شتنبر عام 1917 ولنتصور هذه السنة من القرن الماضي والأحداث التي عرفتها على مستوى العالم ومستوى العالم الإسلامي. لقد كانت الحرب العالمية على وشك النهاية، وعلى مسافة حوالي شهر كان الوعد الظالم وعد (بلفور) الذي أشقى العرب والمسلمين ولا يزال بما شرعه لصالح اليهود في أرض فلسطين، وكان في نفس الأيام مولد ثورة قدر لهذه الشخصية ان تخوض معارك ضد الفلسفة التي قامت عليها الثورة البلشفية الشيوعية، وعرفت هذه السنة كذلك خلال هذه الشهور بروز فصول ومواد اتفاقية الشؤم (سايكس بيكو) لتوزيع تركة الدولة العثمانية التي كانت تمنح ظلا معنويا لمختلف الشعوب الإسلامية التي كانت هذه الشخصية طيلة حياتها تسعى لجمع الشمل وتحقيق الأمل في إعادة اللمحة والوحدة بشكل من الأشكال للشعوب الإسلامية. ولاشك أن هذا التاريخ الذي ولد فيه الرجل جاءت بعده أيام وتواريخ كانت 1917 إيذانا بها وكان أكبرها إلغاء الخلافة فيما بعد وما تبع ذلك من أحداث. جهاد متواصل وقد عاش الغزالي طيلة حياته في مواجهة ما ترتب عن أحداث تلك السنة حتى كانت النهاية لحياته وهو يناضل ضد الآثار والنتائج لما حدث ونحن سنواكب الغزالي اليوم في بعض ما جرى ولكن من خلال مؤلف له بعنوان «الإسلام المفترى عليه» وهو كتاب قيم ومهم من بين مؤلفات الأولى، وان كان قد عدل منه بعض الأشياء بعد ذلك وهو على أي حال هو المتداول في حياته والطبعة التي اعتمدنا عليها في اقتباس بعض الفقرات هي طبعة ونشر دار البيان الكويتية بدون تاريخ. المقدمة الخلاصة
لقد اخترت أن تكون مقدمة الكتاب هم فقرة ابدأها من حيث تقديم الكتاب ذلك أنها تلخص ليس الكتاب، ولكنها في الواقع تؤرخ لمرحلة من مراحل نضال وكفاح الرجل ضمن مجموعة من الدعاة الذين آلوا على أنفسهم أن يشقوا الطريق وسط صخور وجبال وسياج حديدي أقامه استبداد القرون من طرف حكام لا يعرفون الا الأمر أو السيف وعزز كل ذلك بركام هائل من الخرافات والأوهام فكان الرجل من صنف آل على نفسه أن يقوم بدور دعوة نهضوية جديدة والذي يرجى ممن أتيحت له فرصة قراءة هذه المقدمة وما تلاها أن يحاول أن يقارن ويقابل الأوضاع بالأوضاع والأحداث بالأحداث والرجال بالرجال لعله يدرك أين نحن من هذه العقود التي مرت يقول الغزالي موضحا ومشفقا عن مصير الكتاب: مقدمة كادت هذه الصحائف تضيع، في أثناء العصيبة، التي أصابت الفكر والقلم، وطمست الحقوق والحريات، على عهد الاحتلال الداخلي للإدارة المصرية، أيام حكم الأقليات السياسية سنة 1944 – 1949. حكم الأقليات كانت سنوات عجافا تعرض فيها الشرف والضمير، لأزمات ساحقة قتل من قتل من الرجال، وسرق ما سرق من الأموال. ولئن ذكر التاريخ أن أرض مصر شهدت عصرا للاضطهاد الإسرائيلي أيام الفراعنة، ثم عصرا للاضطهاد المسيحي أيام الرومان، إنه لن ينسى أن يسجل كذلك قصص الخزي والعار، والحديد والنار، التي وقعت لأنصار الإسلام ودعاة نظامه، أيام الأقليات الحاكمة بأمرها، في هذه البلاد المحرونة الحائرة... الإرهاب المنظم والمؤلف يسمي الأمور بأسمائها، ويضع الكلمات حيث ينبغي أن توضع فيقول: «ولقد استطعنا –ولله المنة- استنقاذ هذه الصحائف من براثن العدم، برغم أن كثيرا من غيرها ضاع في خلال الإرهاب المنظم، الذي خرب البيوت وفتح المعتقلات، الإرهاب الذي يعد حيازة مجلة صدرت تحت سيطرة الرقابة جريمة تقذف بمرتكبها في ظلمات السجون!! لأنها تصرح بأن الإسلام أساس لحكم يقوم على الحرية والأخوة... وكان في جملة التهم التي وجهت إلينا –في غير حياء- أننا شيوعيون! كأن كل دعوة للعدالة الاجتماعية، لا تجد لها تفسيرا في منطق لصوص الحكم إلا أن ترمي ذويها بالإفك، وتفصل بينهم وبين الإسلام! والاتهام بالشيوعية، كالاتهام بالرأسمالية، أمر نضيق به، ونتوسم في قائليه سوء الفهم، أو سوء النية، أو هما معا». الاسم والتحفظ ولقد نشرت في الكتابين السابقين لهذا الكتاب بحوثا مستفيضة عن حقيقة النظم المالية في الإسلام، أو ما سميناه على سبيل التجوز «الاشتراكية الإسلامية». وأستطيع القول، إننا أسخطنا الرأسماليين والشيوعيين جميعا بهذا النهج الذي جنحنا إليه، إذ كنا أقدر من الشيوعيين على تجريح الرأسمالية وإصابة مقاتلها، وكنا –في الوقت نفسه- أقدر من الرأسمالية على مكافحة الشيوعية، وسد الأبواب في وجهها». تزوير على الدين..! لقد تعرض الإسلام ولا يزال الكثير من التحريف والتأويل الفاسد والمغرض وخير مثال هو ما نشاهده، ونقرأ عنه في وسائل الإعلام، فالناس اليوم يتبارون في تزوير الحقائق والتلاعب بالإسلام وهو ما حاول المؤلف ان يكشفه من خمسين وستنين سنة يقول: «كل دعوة تحبب الفقر إلى الناس، أو ترضيهم بالدون من المعيشة، أو تقنعهم بالهون في الحياة، أو تصبرهم قبول البخس، والرضا بالدنية فهي دعوة فاجرة، يراد بها التمكين للظلم الاجتماعي، وإرهاق الجماهير الكادحة في خدمة فرد أو أفراد. وهي –قبل ذلك كله- كذب على الإسلام، وافتراء على الله». خبال أو نفاق وأي تجاهل لأحوال الأمم المحرومة من العدالة الاجتماعية، أو تهوين لآثار الضيم النازل بها، أو تسكين للثوائر المهتاجة فيها، فهو دليل على أحد أمرين: خبال في العقل، أو نفاق في القلب. وكلا الأمرين، له منزلته الحقيرة من دين الله، ومن دنيا الناس، فلا يلتفت إليه. إذا كان هناك من لا يفرطون في العمل المضني ساعة من نهار، ومع ذلك تأخذ الأزمات بخناقهم من المهد إلى اللحد، ويحيون، وتحيا أسرهم في حرمان متلاحق من القوت والعلم، والعدالة والحرية. فإذا أصابهم شيء من ذلك، كان غيضا من الفيض الذي ينزل في بيوت لم تقدم للدنيا عملا، ول تكسب في دينها خيرا. فهل التبرم بهذه الحالات المتناقضة يعد شغبا على الدين؟ أو هو رغبة في تطبيق قول الله عز وجل. «ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ولا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ». الظلم الاجتماعي ويصور المرحوم الغزالي الظلم الاجتماعي النازل بالناس حين وضع الكتاب بشكل يبين أين أسباب الهجوم والافتراء ولعل الكثير من ديار الإسلام لا تزال على ما صوره المرحوم يقول: «لا ريب أن سلب الألوف العاملة، ثمرات كفاحهم ظلم، وأن تحويل هذه الثمار إلى القاعدين إعادة على الفساد، وأن هذا وذاك عمل على ضياع الإيمان وفقدان العدالة. على أن ترضية الناس بالأمر الواقع، وترغيب الجماهير في حياة الكفاف والمسكنة، وحجب أبصارهم عمل يجري في أفنية المترفين من نعمة ومتعة، كان العمل الذي تطوع للقيام به طوائف المتصوفين، فرغبوا الناس في الفقر وزهدوهم في الدنيا. فما دامت الحقول تهتز بالزراعة، والأسواق تمتلئ بالحركة وأنواع الخراج، والمكوس تجبي من هنا وهناك، فلا على هؤلاء الحكام أن يزهد العامة قيما بأيديهم، كله أو جله، بل إن ذلك أدنى إلى طمأنينتهم. التصوف المزيف ويتحدث المرحوم عن الدور الذي قام به بعض المتصوفة المزيفين لتضليل الناس والواقع أن عملية التضليل لا تقتصر على المتصوفة وحدهم فغيرهم من المجموعات الأخرى له دور مخزي واليوم يتم التلاعب بالسلفية تفيض التصوف لدى البعض فأصبح الكل في التضليل سواء (متصوفة) أو (سلفيون). ومن ثم انتشرت طرق المتصوفة، وقيل في تاريخها: إنها كانت رد فعل لترف الحكام وأتباعهم، فأقبل هؤلاء على الدين، لما أقبل أولئك على الدنيا. أقبل العامة –بقيادة المتصوفين- على الطقوس والأوراد، وأقبل الحكام ومن في حواشيهم وركابهم على الشهوات والملذات!. وهذا الخلط الصوفي الأحمق، يعتبر أول صدع أصاب التفكير الإسلامي في صميمه، بل أول تصدع أصاب كيان الأمة الإسلامية –فيما بعد- بالانهيار. فأفكار الصوفية –إذا لا مبادئ الإسلام- هي التي حملت الجماهير أوزار الاستعمار الداخلي، ووطدت للمظالم الخطيرة، وخذلت الناس عن محاربة الفقر، وقتلت في دمائهم الشعور، بأن الفقر كارثة، يجب أن تقصى عن المجتمع ولو بدق العنق، وأن يستميتوا -في دفع بلائها- بأي ثمن. اختلال التوازن ويتحدث المؤلف عن النتائج السلبية لاختلال التوازن المادي بين الناس الذي ينتج عنه تأثير سلبي على الإخوة التي دعا إليه الإسلام فيقول: وقد ذكر القرآن الكريم أمثلة واضحة لآثار هذا الاختلال الشائن، مع ما يصحبها من فساد، نورد أطرافا منها: الشلل العقلي: موضع الشخص المحتاج، يجيء دائما دون موضع الشخص المحتاج إليهن هذا يده السفلى، وذاك يده العليا، هذا خطوته المتأخرة، وذاك خطوته المتقدمة؛ والمرء عندما يعرف أن قوته وقوت عياله مربوط بشخص ما، فهو يخضع له طوعا أو كرها. بل الذي يحدث غالبا أن ينماع أمامه، وتذوب نفسه، وتتلاشى شخصيته، ويرى أنه تابع فحسب. والعلاقة، بين رقيق الأرض ورب الأرض. وقد تكون - كذلك- العلاقة بين عبيد الآلة وصاحب المصنع- كما نرى في بلادنا- تدور على هذا المحور. تقليد أعمى وفي هذا الجو من اختلال التوازن يولد تقليد أعمى يقول المرحوم. ((ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم، يرجع بعضهم إلى بعض القول. يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين. قال الذين استكبروا للذين استضعفوا: انحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم؟ بل كنتم مجرمين. وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا: بل مكر الليل والنهار، إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا)). فإذا رأينا بلدا تصطبغ أحواله الاجتماعية بهذه الصبغة، وقامت الأمور فيه على أن جماهير غفيرة ترزقها طائفة قليلة؛ فإن مصير هذا البلد إلى شر لا ريب فيه. ما لم تسارع إلى تحرير الجماهير من العوز المادي وما يترتب عليه من شلل عقلي. الضعف النفسي: ومما ينتج عن هذا الاختلال في التوازن في نظر المرحوم: «وتلك آفة أخرى تتبع سابقتها؛ فإن الإنسان المحرر ماديا وأدبيا؛ هو وحده الذي يصدر في أعماله، عن مبدأ ثابت، ويتجه في سلوكه إلى فكرة واضحة؛ وهو وحده الذي يخدم المثل العليا، ويبتعد في تصرفاته عن مواطن الملق والزلفى والصغار. أما الذين تغلب على طبائعهم أخلاق العبيد، فهم يهدأون ويتحركون مرضاة للأشخاص، وهم يتجهون للالتحاق بركب من ركاب السادة، أصحاب الثروة والسطوة، يعملون لهم يعيشون في دائرتهم، ويندفعون أبدا مع تيارهم. لا يعرف هؤلاء إخلاصا لله أو تضحية في سبيله، ولا تقديرا للحق أو احترما لرجاله. وإذا كان شرف النفس الإنسانية أن تعتنق هدفا نبيلا ثم تفتديه... فإن أولئك عبيد الأصنام الحية من البشر. شرق وغرب وإنك لواجد أمثلة يتفاوت قبحها هنا وهناك، في الدواوين والتفاتيش، والأحزاب والهيئات، لأقوام يحسنون رفع العقائر بالهتاف النابي، ويتفننون في التقرب والهوان والمراءاة، للسادة الرؤساء. شاعت هذه الظاهرة في الشرق، الشرق .. أرض الأبعاديات والإقطاعيات والمهرجات والباشوات. وقلت في الغرب، إذ تقاربت حظوظ الناس المادية، فتقاربت معها حقوقهم، وكادت تتساوى أقدارهم. وأعان ذلك كله على ترك النفس الإنسانية تنمو على سجيتها الحرة، لا تعرف سيدا لها تتجه إليه إلا الله. فإذا لم توفق إلى معرفة ربها، فهي على أية حال، لن تقدس عبيده مهما كانوا عظماء». ويضرب الكاتب المرحوم مثلا لما حدث بعد الحرب العالمية الثانية في انجلتراوفرنسا. انظر إلى موقف إنجلترا من تشرشل، وإلى موقف فرنسا من ديجول. إن هؤلاء الزعماء قادوا أمهم إلى نصر عظيم، وع ذلك أدارت الشعوب لهم ظهورها، واختارت من بنيها غيرهم لقيادتها». مقارنة وسؤال ولكن بجانب القادرين على الاختيار لأن أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تسمح وبين من يتخذ البشر أربابا من دون الله معتمدا على القرآن فيقول: ((ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله. والذين آمنوا أشد حبا لله)). وهذه الأنداد ليست أصنام الحجارة فقط، بل هي الأصنام الآدمية، بدليل ما جاء بعد: ((ولو يرى الذين ظلموا –إذ يرون العذاب- أن القوة لله جميعا وأن شديد العذاب؛ إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا، ورأوا العذاب، وتقطعت بهم الأسباب. وقال الذين اتبعوا: لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرأوا منا. كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار)). فهل الأحوال الاجتماعية، المنطوية على تذلل وملق من جانب، وتكبر وصلف من جانب آخر، هي الأحوال التي يباركها الدين، ويدفع عن طواغيتها؟ الفساد السياسي: والأمر الثالث الأهم ينتج عن اختلال التوازن المادي في المجتمع وهو الفساد السياسي ولعل هذا الفساد لا يزال يراوح مكانه في المجتمعات الإسلامية ومن يتتبع ما يجري اليوم في ديار الإسلام والمجتمعات الإسلامية يدرك مدى تغلغل هذا الفساد الذي لا يكاد الناس ينجون منه أو يحصلون له على علاج أو دواء يخففه ويعالجه، وأن حدث فإنما هي مسكنات سرعان ما تعود الأمور إلى سابق عهدها، ولننظر إلى ما حدث بعدما سمي بالربيع الديمقراطي في العالم العربي الذي تحول بفعل من يحتكرون المال والثروة والنفوذ إلى دمار وخراب في كثير من البلدان التي ظن الناس فيها انهم وصلوا إلى ديمقراطية حقيقية. الأصل في الحكومات وذلك ثالثة الأثافى من صنوف البلاء، التي لا يصح معها إخاء ولا يسلم مبدأ. فإن الأساس في قيام الحكومات، أن تسهر على مصالح الناس وأن يكون رجالها خداما للشعب، وحراسا على حقوقه. والمفهوم –شرعا ووضعا- أن الأمم تندب أكفأ أبنائها للقيام بهذه الأعباء الضخمة، وتنفحهم –لقاء ذلك- أجورا كبيرة، المفترضة وأمانتهم المرتقبة.. ذلك هو الأساس الذي لم يصدقه الواقع المر إلا قليلا. فلا الأمم كانت تختار حكامها، ولا هؤلاء الحكام فهموا عملهم على وجهه المرضى. المعري والحكام ولم يزل الحكم في كثير من بلاد الشرق المتأخرة كما قال المعري من قديم: قل المقام، فكم أعاشر أمة ظلموا الرعية واستجازوا كيدها
أمرت بغير صلاحها امراؤها فعدوا مصالحها وهم أجراؤها وقد شقت الإنسانية طريقا مضرجة بالدماء، مزحومة بالأشلاء، حتى توصلت إلى هدم الاستبداد وكسر الأغلال، التي أذلت أعناق العباد، فمحت حكم الفرد، ثم جاء شوقي يناجي فرعون من خلال القرون قائلا: زمان الفرد يا فرعون ولى وأصبحت الرعاة بكل أرض