من الأشياء التي إنتشرت هذه الأيام ، كالنار في الهشيم ، خبر توريد الشقيقة الجزائر لإسرائيل ، عن طريق مصر ، الغاز الطبيعي . إذ حسب ما روج في بعض الصحف ، أن هناك إتفاق بين الرئيسين السيسي وبوتفليقة عقد أثناء الزيارة المصرية الأخيرة للجزائر ، يقضي بضخ هذه الأخيرة 500 مليون متر مكعب يوميا لمصر ، على أساس أن توجه 400 مليون للإستهلاك الداخلي للمحروسة بينما النسبة المتبقية أي 100 مليون متر مكعب ترسل لإسرائيل. إذ جائت هذه الزيارة للسيسي نظرا للعجز الطاقي الكبير التي تمر به البلاد.
مبدئيا أنا أومن بمسألة ، لا عواطف في الإقتصاد ، وإن كانت إقتصاديات الدول العربية لا تخرج عن إطاار الأبعاد السياسية والتبعية الخارجية للقوى العظمى. لكن حساسية القضية الفلسطينية/الإسرائيلية تعتري الكثير من التأمل والتفكير قبل أي تعامل إقتصادي عربي مع الكيان العبري. مسألة تصدير الجزائر ، الغاز ، لإسرائيل أمر حقيقي ومثبث ، لكن ما يدعوا للتساؤل ما الغرض من نشر مثل هذه المعلومات ؟ هل هو النشر من أجل النشر كأي مقال إخباري لا أقل ولا أكثر ؟ أم أن الأمر أكثر من مجرد خبر صحفي وبالتالي الهدف منه الإساءة لنظام بعينه ، بشكل مغرض، تزامنا مع الظرفية الحرب بين حماس وإسرائيل ؟ حسنا ، بإستقراء سريع للأحداث المتداخلة في ما يدور اليوم من تصارع في قطاع غزة ، سنجد أن الهدف من هذه الأخبار ( تصدير الغاز ) هو التشويه المباشر لكل من مصر والجزائر وسنحاول شرح أسسباب هذا الإستهداف المسيء لهتين الدولتين: 1 ) مصر : مع إنطلاق الحرب الحمساوية الإسرائيلية ، إتخذت الإدارة المصرية موقفا رسميا بعدم التدخل في الأمر ومساندة حماس ، لكن بالمقابل مساندة سكان غزة كشعب ، قرار مصر هذا لم يأتي من فراغ ولا من تحامل ومزايدات سلبية تجاه الحركة شبه الإنفصالية حماس ولا نصرة لإسرائيل ، بل نتيجة للإعتداء الحمساوي على السيادة المصرية أمنها القومي سواء إبان ثورة الأولى ( 25 يناير ) إذ شاركت في اقتحام السجون وتحرير بعض المحكومين من الإخوان، أو خلال الثورة الجماهيرية الشعبية الثانية ( 30 يونيو التي أزاحت السيد مرسي ) بقتلها لجنود مصريين في سيناء مناصرة لحليفتها الأيديولوجية جماعة الإخوان . خلاصة هذا الكلام أن من يسارع في نشر هذه المعلومات ليس دعما بالدرجة الأولى لحماس بل إساءة لمصر ومعظم هؤلاء الناس ينتمون فكريا وإيديولوجيا للمدرسة العالمية للإخوان المسلمين ، ضف لهذا العداء التاريخي العربي لليهود رغم أن الدين الإسلامي الحنيف دين رحمة وسلام ويدعوا للحب بين جميع الديانات والأجناس البشرية. 2 ) الجارة الجزائر : هنا ايضا الأمر لا يختلف كثيرا عن سابقه من موقف رسمي من الجزائر بسبب غموض في دعمها لغزة أو لا ، لكن ربما العنصر الذي يمكن إضافته في تحليل ماذا وراء نشر معلومة تصدير الغاز ، هو علاقة التوتر بين المغرب والجزائر ، فتناقل بعض وسائل الإعلام المغربية لمثل هذه الأخبار يبقى بالأساس حربا باردة مرقمنة وورقية تجاه المعسكر الجزائري. وهذا أمر معروف ومتعارف عليه بين مكونات البلدين ، فدائما ما نجد أن الجزائر تحاول إستغلال أخطاء المغرب لتشويه صورته والعكس صحيح. وأتمنى صراحة أن يأتي يوما وتنمحي كل الأحقاد التاريخية بين البلدين الجارين الشقيقين وتفتح الحدود ويلتقي الشعبين بدون أي حزازات وخلفيات سياسية. صحيح أن التطبيع الجزائري والمصري حقيقة مع إسرائيل ، لكن من أراد أن ينتقد فلينتقد بموضوعية بعيدا عن التحاملات وكن الكره لجهة بعينها ، متبعا سياسة النعامة التي تهرب من الواقع بدس رأسها في الرمال وألا يطبق سياسة " كبش الفداء " تضحية بالاخر تحقيقا لغاية في نفس يعقوب.
فالموضوعية تقول بأن جل الدول العربية إن لم نقل كلها ، مطبعة إقتصاديا مع إسرائيل ومنها قطر التي اليوم وعبر بوقها الرسمي الجزيرة تحاول أن تصور للعالم بأنها تناصر غزة وأنها ضد الكيان الإسرائيلي ، في حين أن الحقيقة لا تعدو متاجرة بأزمات الناس كيف لا وهذا المنبر الإعلامي ساهم بشكل سلبي في خراب الدول العربية عبر ما يسمى الربيع العربي ، تطبيقا لخط تحرير حلف الناطو وإستخدام هذه القناة الجزيرة عملاء وتجار الدين في صورة المفتي الثقي كالقرضاوي وغيره من شيوخ البترودولار. وبلغة الأرقام فإن حجم التبادل التجارى بين العرب وإسرائيل يتراوح بين 8% و9% من إجمالى التجارة العربية مع البلدان الأخرى أي الملايير من الدولارات ، وهذا أمر خطير جدا يدعوا لإعادة الحسابات وطرح التساؤلات أليس التطبيع الإقتصادي إعتراف وبالواضح بإسرائيل كدولة مثل كل الدول. والبضائع الإسرائيلية حتى تروج بسهولة في الأقطار العربية يتم إزالة بطاقة " صنع في إسرائيل " وفي المغرب وإندونيسيا يجري شراء البضائع الإسرائيلية مباشرة لكنهم يزيلون عبارة ''صنع في إسرائيل ". وفي الأردن مثلا مصانع كثيرة بملكية إسرائيلية ويكتب علي البضائع ''صنع في الأردن'، ومن هناك 'تباع في الأسواق العربية والإسلامية دونما عوائق تذكر. ضف لهذا تركيا التي يتبجح رئيس وزرائها السيد طيب أردوغان أمام وسائل الإعلام بدعم غزة وكره إسرائيل ، بخطاب عاطفي رمزي أكل عنه الدهر وشرب هدفه فقط سياسي إنتخابوي للتأثير على مواطنيه ، فيجب أن يعلم المواطن العربي أن حجم المبادلات التجارية التركية الإسرائيلية وصل خلال الربع الأول للسنة المالية 2014 إلى 949 مليون دولار، بينما بلغ حجم الواردات 956 مليون دولار. والبيانات التجارية حتى الآن هي أعلى من البيانات التجارية لعام 2013، والتي وصلت فيها التجارة بين البلدين رقماً قياسياً. وبالمقابل، ففي الربع الأول من السنة المالية 2014، بلغت حجم الواردات من تركيا إلى إسرائيل 956 مليون دولار، أي بارتفاع قدره 21%، مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي. قطاعات التصدير الرئيسة لتركيا هي: المواد الكيميائية، والبلاستيك، والمطاط، والإلكترونيات. أمّا قطاعات التصدير الرئيسة للإستيراد فتشمل: واردات منتجات البلاستيك، والمطاط، والمعادن، والمنسوجات، والسيراميك، ومنتجات الزجاج والسيارات. أرقام المعاملات هذه تكشف لنا بشكل جلي بأن العلاقات التجارية الإسرائيلية - التركية في طريقها للقمة ، بمعنى فتركيا تعترف بقانونية إسرائيل وتعتبرها دولة فالدبلوماسية الإقتصادية قبل كل شيء هي قرار سياسي.
خلاصة القول من يدعي النصرة لغزة أو القضية الفلسطينية ، يجب عليه أولا أن يراجع كشوفات حسابه التجارية وبوقف التطبيع الإقتصادي مع إسرائيل قبل أن يدعي الشهامة وغيرها من العنتريات العاطفية الفارغة.
وصدقوني لو إجتمعت كل الدول العربية وقررت ككثلة موحدة توقيف التبادلات مع إسرائيل وعلقت تصدير مواردها الطاقية نحو الغرب ، لتغيرت أمور كثيرة ومنها تحرر فلسطين أو على الأقل فرض حصار إقتصادي وسياسي كبير على إسرائيل وتحرر الشرق الأوسط من العمالة والخيانة والتقسيم.
والتاريخ يثبت قوة الضغط الكبيرة التي تشكلها ورقة البترول العربي ، ففي 1973 إبان القرار الشجاع بوقف تصدير البترول العربي ، أروبا وكل الغرب وقف مرتجفا من هذا القرار كيف لا والبترول عصب وقوة الإقتصاد ، إذ أروبا حينها ومن شدة الخوف منعت أي طائرة إسرائيلية بالهبوط على مطاراتها للتزود بالطاقة. فتخيلوا معي لو إستمر هذا القرار العربي الشجاع لحد الساعة ماذا كان سيحل من أضرار جسيمة بالغرب وماذا كان سيكون موقف ووضعية إسرائيل التي من الممكن أن تكون قد زالت في 90 القرن الماضي. هذا هو حل القضية الفلسطينية ، حل إقتصادي/قومي/عربي ، وإلى تحقق هذا الإتحاد العربي أرجوكم دعوا الشعب الفلسطيني في سلام ولا تتاجروا بآلامه وماسيه ، سياسيا رغبة في كسب ود المواطنين كخزانات إنتخابوية دنيئة، أو من أخونة الشرق الأوسط بقيادة المحور القطري/ التركي /حركة حماس من منطلقات إديولوجية لن تؤدي سوى للتفرقة وتقزيم الدول العربية بالشرق كما يحدث الان من إقتتالات طائفية بين السنة ( داعش بتمويل قطري تركي ) والشيعة بدعم إيراني/فارسي ، فإيران هي الأخرى لديها مشروع إقامة إمبراطورية فارسية تسيطر بها على كل الشرق من منطلق عرقي همجي قاتل.
وهذا بالفعل ما تريده أمريكا من إعادة تشكيل شرق أوسط جديد متفكك لدويلات ( طائفية ) عن طريق حروب محلية في إطار ما يسمى حربا بالوكالة بمعنى أن أمريكا تستعمل حربا وقودها السكان المحليين للشرق الأوسط دون أن تتكبد خسائر عسكرية جديدة ومباشرة في طاقمها البشري.