رمضان شهر القرآن الكريم وفيه نزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ليلة القدر، وقد كان صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله يبتعد عن أهل مكة وأصنامهم ليختلي ويتعبد في غار حراء ويتفكّر في الكون وخالقه. وفي يوم من أيام شهر رمضان وبينما كان رسول الله يتفكّر في خلق السموات والأرض أنزل الله تعالى عليه أمين الوحي جبريل عليه السلام، وقال للرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "اقرأ" فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أنا بقارئ"، وكرّرها عليه سيدنا جبريل ثلاث مرّات، وكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول في كل مرّة: "ما أنا بقارئ". وفي المرّة الأخيرة قال جبريل عليه السلام: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ{1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ{2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ{3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ{4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ{5}). وكانت هذه الآيات الكريمة أوّل ما نزل من القرآن الكريم، وكانت بداية الوحي، وكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد بلغ الأربعين من عمره عندما أنزل عليه القران الكريم، ثم نزل القرآن بعده مفرقاً بحسب الوقائع على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم". وكان أمين الوحي جبريل عليه السلام يأتي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيدارسه القرآن كل ليلة في رمضان -كما في "الصحيحين"-، وكان يعارضه القرآن في كل عام مرة، وفي العام الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عارضه جبريل القرآن مرتين. وفي رمضان يجتمع الصوم والقرآن، وهذه صورة أخرى من صور ارتباط رمضان بالقرآن، وبذلك يكون المؤمن الصائم قد فاز بشفاعتان، فيشفع له القرآن لقيامه، ويشفع له الصيام لصيامه، قال صلى الله عليه وآله وسلم: "الصيام و القرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، و يقول القرآن: رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان". وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب يقول: أنا الذي أسهرت ليلك و أظمأت نهارك". وكان للسلف رحمهم الله اهتمام خاص بالقرآن في هذا الشهر الكريم، فكانوا يخصصون جزءاً كبيراً من أوقاتهم لقراءته، وربما تركوا مدارسة العلم من أجل أن يتفرغوا له. فكان عثمان رضي الله عنه يختم القرآن كل يوم مرة، وكان بعضهم يختم القرآن في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر، وكانوا يقرؤون القرآن في الصلاة وفي غيرها. وكان لإمامنا الشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة، وكان الأسود يقرأ القرآن في كل ليلتين في رمضان، وكان قتادة يختم في كل سبعة أيام دائماً وفي رمضان في كل ثلاثة أيام، وفي العشر الأواخر في كل ليلة. وكان الإمام مالك إذا دخل رمضان يترك قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، ويُقْبِل على قراءة القرآن من المصحف، وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن.