نورالدين الطويليع يوسف الإدريسي رجع أحمد من عمله في المساء متعبا، وبمجرد ما وطئت قدمه عتبة البيت بادر أبناؤه باستعطافه بالخروج معهم في نزهة، واشتكوا إليه رتابة القعود في المنزل والملل الذي انتابهم جراء مكوثهم الدائم فيه كما لو كانوا سجناء حق عام، أو محكومين بالإقامة الجبرية...، فكر أحمد وقدر، نظر إلى أبنائه بشفقة بعدما أحس بأنه عاجز عن تلبية طلبهم لافتقاد المدينة إلى منتزهات وأماكن ترفيه عن الأطفال... ظل الأب المسكين يرقب أبناءه متأسفا، دون أن ينطق ولو بكلمة واحدة، تدخلت زوجته وأخرجته من دوامة الحرج الشديد حينما اقترحت عليه الذهاب إلى الحديقة التي تعرف لدى ساكنة اليوسفية وتكنى بكلفتها المالية، حديقة المليار سنتيم، بشارع الحسن الثاني، بالحي المحمدي، رحب أحمد بالفكرة دون تردد، وتوجه رفقة الزوجة والأبناء إلى المكان المقترح، وكله أمل في إدخال بسمة خاصمها أبناؤه نتيجة حصار جدر إسمنتية لهم ردحا من الزمن، ليفاجأ وهو يلجها بروائح كريهة تنبعث من حوض نافورتها، وبأفواج حشرات تصر إصرارا غريبا على شن غاراتها العدوانية على أجساد أبنائه الطرية، فأقفل راجعا بعدما تركت الحشرات المتطفلة أثر حربها عليهم ممثلا في بقع حمراء على أطرافهم ووجوههم. هذه القصة تلخص واقع مأساة ما صار يصطلح عليه سكان مدينة اليوسفية حديقة المليار سنتيم، في إشارة إلى تكلفتها التي تجاوزت هذا المبلغ بكثير، والتي لم يمض على تدشينها سوى أشهر معدودة حتى اعتراها النسيان، وتم التخلي عن حراس الأمن الأربعة الذين كانوا يسهرون بالليل والنهار على المحافظة على نظافتها، ويمنعون الأطفال الصغار من العبث بورودها، ومن رمي الأزبال بحوض نافورتها، في الوقت الذي تعطلت فيه محركات النافورة عن العمل، مما جعل مياهها تتحول إلى بركة آسنة متسخة تستجلب إليها أنواعا غريبة من حشرات لا تتردد في الإغارة على كل من سولت له نفسه ارتياد المكان، وهو ما كسر أفق انتظار المواطنين الذين كانوا يراهنون على جعل الحديقة متنفسهم اليومي في فصل الصيف.
وفي هذا السياق دعا أحد الفاعلين الحقوقيين إلى فتح تحقيق عاجل لتحديد المسؤوليات والوقوف عن كثب على الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تعطيل النافورة، ومحاسبة كل من تبث أن له يدا في أي تقصير أو عبث بالمال العام، مع العلم يضيف ذات المتحدث أن النافورة من النوع البدائي، ولا ترقى إلى مستوى نافورة أخرى أحدثها المكتب الشريف للفوسفاط بنفس الشارع قبل سنوات، وتم التوقف عن تشغيلها لأسباب مجهولة، ليطرح التساؤل العريض: من له المصلحة في حرمان ساكنة مدينة اليوسفية من حقهم في الاستجمام والترفيه عن النفس؟