نور الدين الطويليع يوسف الإدريسي طلب سعيد وهو يهم بمغادرة منزله الوظيفي بمدرسة طه حسين من أبنائه أن يغلقوا الأبواب والنوافذ، وأن يحبسوا الصغير عن الخروج إلى الساحة الخلفية للمنزل، لم يفهم صديقه الذي كان ينتظره بالخارج دواعي ومسوغات هذه الأوامر الغريبة، فبادر إلى استفساره مازحا عما إذا كانت عصابات إجرامية ترابض بالمكان، وتتربص به وبأسرته الدوائر... فغر الرجل فاه، وعقدت الصدمة لسانه وهو يسمع رد من صديقه بالإثبات والإيجاب... ثم استجمع قواه وأشار إليه بشفقة وتأثر أن يتوجه إلى مركز الشرطة لوضع شكاية في الموضوع، ابتسم سعيد ابتسامة لم تخف إحساسه العميق بالأسى والحسرة، ورد بتنهد: يا ليتها كانت عصابة آدمية، إذن لتخلصت من مأزقها منذ سنين، العصابة التي تتربص بي أفرادها حشرات غريبة مختلفة الأنواع والأشكال تغزو بيتي جماعات وفرادى على جناح أثير هواء ملوث نتن منبعث من بركة آسنة، رؤيتها تجعلك تفرغ كل ما في معدتك تقيؤا.قصة سعيد هذه، الذي يشتغل حارسا ليليا بمدرسة طه حسين بحي الزلاقة، ويقطن وأسرته بسكن وظيفي بذات المؤسسة، مأساة حقيقية يعيش أطوارها يوميا، فنتيجة لعدم ربط منزله بشبكة الوادي الحار، اضطر إلى تصريف مياه المنزل العادمة بساحته الخلفية، غير بعيد عن الحجرات الدراسية، وهو ما جعل المكان محجا مفضلا للحشرات الزاحفة والطائرة والماشية، فضلا عن الروائح الكريهة التي تنبعث منه مسببة أذى كبيرا لأفراد أسرته ولتلاميذ المؤسسة. لدى سؤالنا سعيدا عما إذا كان قد طرق أبواب المسؤولين لتنبيههم إلى هذه الجريمة التي ترتكب في حق الإنسان والبيئة، اغرورقت عيناه، وتنهد بعمق، قبل أن يخبرنا بأن جميع الأبواب أوصدت في وجهه، وحتى التي فتحت قابله أصحابها بالتسويف والمماطلة وأسلوب سين جيم، وأضاف بأنه يحمل المسؤولية كاملة لمسؤولي المجلس الحضري لمدينة اليوسفية الذي وعدوه مرارا وتكرارا بحل المشكل، دون أن يرى شيئا يذكر على أرض الواقع، وختم الرجل كلامه بمناشدة السلطات المحلية بالتدخل العاجل لتخليصه من هذه الكارثة التي صارت كابوسا مؤرقا له ولأفراد أسرته.