عقارب الساعة تشير إلى العاشرة صباحا من يوم الخميس 05 دجنبر 2013،مديرية الموارد البشرية بالعرفان تتحول إلى ثكنة كبيرة لعناصر القوات المساعدة وفرق الأمن الوطني وقوات التدخل السريع والبوليس السري وأجهزة الاستخبارات المندسة والبلطجة وتشكيلات أخرى تطبق حصارها على كل المنافذ المؤدية إلى الشارع المؤدي إلى الحي الجامعي السويسي ،لا أحد يسلم من الإستفزاز والملامح القاسية والكلام النابي الذي يستعين به هؤلاء في تفريق المارة والفضوليين وطلبة كلية علوم التربية... في الجهة الأخرى تظهر الطلائع الأولى للأساتذة المجازين يزحفون ببطء على المكان عبر قنطرة سكة القطار ،يحملون لافتاتهم المميزة ويتبادلون أطراف الحديث عن مستجدات الملف وتخريجات الحوار الاجتماعي ،ويطلقون العنان لشعارات تطالب بالحق في الترقية المباشرة بناء على الشهادات أسوة بزملائهم في الوظيفة من الأفواج السابقة واللاحقة ،وتندد بسياسة التماطل الوزاري في تسوية الملف وطيه ،تختلط لفتات الجهات بعضها ببعض وتطالب لجنة اليقظة كافة الاستاذات والاساتذة بالإنضمام إلى الشكل النضالي المستطيل ،وتستعد لجنة الإعلام إلى إتخاذ مكانها المعتاد وسط الحلقية . تعطى الإشارة ،تتحرك طوابير من التشكيلات الأمنية المدججة بأنواع العصي والواقيات الزجاجية السميكة ،يرفع الأستاذ صهيب شعاره المعهود "عسكر عسكر ايحنا في سجن ؟ولا اي ؟" يغيره الأستاذ المخشوني بآخر "زيد قمعني زيد !اي قمعني والله والله ماتخلعني "،تشخص عيون الأستاذات و الأساتذة أجهزة القمع (هراوات ،أحذية مطاطية وحديدية ،خراطيم المياه ...)،بعد اتصالات أمنية كثيفة يلبس الضابط الأمني الوسام ويستعرض عضلاته وتعطي الإشارة من جديد لتشكيل طوق بشري يضيق الخناق أكثر على الأساتذة المحتجين المصطفين بمحاذاة أحذية قوات التدخل السريع التي تنتظر تحت خيوط الشمس بداية العد العكسي للمجزرة . وصلت الساعة الواحدة بعد منتصف النهار ،وارتفع عدد الاساتذة المتظاهرين الى بضعة الآلاف وامتلأت خيمة الإعتصام بكاملها واشتد الحصار على مرؤوسي شفيق ازبة الطاقم الإداري لمديرية الموارد البشرية ،حضر الخبز والماء والحليب ومشتقاته والدواء والبنزين إلى عين المكان ،حمل المنسق الوطني عبد الوهاب السحيمي مكبر الصوت الثقيل وقال "يامعشر المجازين .اخواتي اخواني الاساتذة هنا فين غادي نتغذاو هنا فين غادي نتعشاو هنا فين غادي نباتو" رفع مسؤول أمني جهاز اتصاله لرفع تقرير الى رئيسه المباشر وارتفعت الهتافات ومعها شعارات التصعيد والصمود والتنديد بالتمييز والاحتقار الممنهجين . ما أن تصل عقارب الساعة الرابعة بعد الزوال وبعد أن وصلت سيارة إسعاف واحدة وتعزيزات أمنية أخرى على مثن حافلة وشاحنتين صهريجيتين وبعد أن تمت عملية تركيب خراطيم المياه ،تحول الطوق الى كماشة حقيقية قبل أن تعطي الداخلية تعليماتها ل "شل المعتصم الحضاري" في ساحة مديرية الموارد البشرية وإخلائها بأقصى سرعة ممكنة ،تسل الهراوات من "أغمادها" وتصير الرؤوس والأطراف والأماكن الحساسة في الجسم "أهدافا مشروعة" أمام قوات التدخل السريع التي لاترحم بأدواتها التي لاتفرق بين أستاذ معاق أو أستاذة حامل أو أستاذ انتهكه البرنامج النضالي ولم تعد رجلاه تقويان على حمله ،يتعالى الصراخ من أمام السكة الحديدية ومن أعلى جسرها انهار الرجال والنساء أرضا ونالت الآلة القمعية منهم وتمرغت كرامتهم في التراب ، وارتفع عدد الإغماءات والاصابات على مستوى الرؤوس وكافة الأطراف واعتقل العديد منهم ويطلق الاخرون سيقانهم للريح في كل الإتجاهات في كل أزقة حي" القامرة " هروبا بأجسادهم من شر الإنتقام .
يتبعثر المشهد مثل "لوحة جميلة" سكب عليها "سطل صباغة سوداء "،بعد لحظات هدوء مؤقت يعود الاساتذة المقصيين من الترقية إلى حمل حناجرهم المتعبة ضد التدخل الوحشي وإسعاف زملائهم اللذين سقطوا أرضا بعد أن انهالت منهم الآلة المخزنية ،ويعود هؤلاء إلى حمل عصيهم في "لعبة أليمة" تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد .