عند تلقف العديد من الجرائد و المجلات التربوية تصادفك مجموعة من المقالات التي تناولت بكثير إسهاب موضوع التدريس و المدرس و دوره من داخل المجتمع. أفكار غالبا ما ترنو نحو تبخيس دور المدرس أو المربي كما يحلو للبعض مناداته! فما هي الأسباب التي جعلت دور المدرس يتراجع إلى هذه الدرجة؟ موضوع محدودية دور المربي لا يمكن فهمه بأية حال من الأحوال بعيدا عن الواقع التربوي الراهن. فالمنظومة التربوية لازالت في مرحلة البحث عن الدواء الشافي, لاسيما مع توالي المخططات و تنوعها الشيء الذي يغيب مسألة التراكم و التعديل و اتخاذ بعد استراتجي لتوقع نتائج متوسطة و بعيدة المدى. و المربي بدوره أصبح حائرا في أمره أي النماذج يسلك و أي البيداغوجيات يتبع ( الأهداف أم الكفايات أم الإدماج...) ليس هذا فقط, بل حتى ضعف انخراط المجتمع ساهم في إثقال كاهل المدرس الذي أصبح عليه التدريس و التنشئة الاجتماعية في آن واحد و هذا مرده تراجع دور الأسرة التي, تعد بحق, المرجع الأول للمتعلم قبل الذهاب إلى الفصل. فالأسرة اليوم تعتقد أن مسألة التربية و التهذيب أصبحت ملقاة على عاتق المدرس و أن هذا الأخير هو ملعقة الطعام. لكن هذا طرح خاطئ بالنظر إلى أن الممارسة الصفية لا يمكنها تعويض الدور المحوري للأسرة. أما الأسباب الأخرى الممكنة لاندحار مكانة المدرس فيمكن نسبها للمدرس نفسه. فالعديد من المدرسين, و للأسف, الشديد فقدوا شهية التكوين الذاتي و تطوير المعلومات و المعارف, و إن كان هذا يحدث إلا لماما مع دنو الامتحانات المهنية هذا إذا لم يجنح مجموعة من" المدرسين" إلى الغش- و بدون حياء- أثناء هذه الامتحانات. طبعا نحن لا نتحدث عن الكل, لكي لا يفهم كلامنا تعميما. فحياة فئة واسعة من المعلمين تنتهي مابين الفصل و الحياة الشخصية و المعيش اليومي. ويرى عدد من المدرسين أسباب نكوص دور المعلم داخل المجتمع كفئة مثقفة و واعية كانت إلى حدود عقود خلت, تقول كلمتها داخل الصالونات الحزبية و في الحياة السياسية و الثقافية; إلى انعدام المحفزات المادية و ضغوطات العمل التي لا تنتهي و بقية المشاكل و المتاعب المرتبطة بانهيار المنظومة القيمية التي عملت على تبخيس و تقزيم صورة المعلم داخل المجتمع. هي إذن عوامل أفقدت كثيرين ممن ينتمون إلى ميدان التربية والتكوين مكانتهم الاعتبارية و أثرت في نفسيتهم بشكل كبير كما تؤكد شريحة واسعة من المدرسين. وما بين ارتباك النظام التربوي و ترهل فكر المدرسين يبقى المجتمع أكبر الخاسرين و ذلك لعدم استفادته من مريدين المفروض فيهم صناعة الأجيال و تجبيلهم على قيم المواطنة و احترام الآخر و نبذ العنف و التشجيع على المضي قدما لبناء مجتمع المعرفة و التكنولوجيا. * فاعل تربوي