دخلت الجزائر ، اليوم الأحد ، في الحملة الرسمية تحسبا للانتخابات الرئاسية المقرة يوم 17 أبريل المقبل، التي ستجرى في مناخ متشنج بفعل التباعد في الرؤى بين مدافعين عن استمرارية "النظام" ودعاة "التغيير". وانطلقت الحملة، بينما النقاش بين الفريقين انحصر على شخص الرئيس المنتهية ولايته عبد العزيز بوتفليقة (77 عاما) الذي تقدم بترشحه لولاية رابعة، ليصبح الاقتراع نفسه وكذا البرامج أو الوعود الانتخابية في آخر اهتماماتهما. ولعل التراشق بين هذا الطرف وذاك يصب لصالح الرئيس-المرشح المنتظر عودته لقصر المرادية للمرة الرابعة في ظل غياب تيار قوي يقلقه، ولصالح دعم الأحزاب السياسية التي تعتبر كآلات انتخابية، لامتداداتها في كل مناحي الحياة الاجتماعية والعامة، بما فيها دواليب الدولة. في المقابل، يبدو المستقل علي بن فليس الوزير الأول الأسبق والذي خاض السباق نحو الرئاسة في 2004، الأكثر قدرة على مجاراة سباق 17 أبريل، إلا أن بعده عن الأضواء منذ فترة طويلة وفشله في استقطاب المعارضة، يقلل من حظوظه للظفر بكرسي الرئاسة. وقد أثار تقدم بوتفليقة للدخول من جديد لقصر المرادية غضب الشارع، وولد موجة من الاحتجاجات عبر مختلف مناطق البلاد، لقيت تدخلا عنيفا من قبل قوات الأمن، خاصة وسط العاصمة حيث تتمثل حركة (بركت) كرأس حربة ولدت لرفض الولاية الرابعة للرئيس المنتهية ولايته، ولتسجيل النقاط في مرمى الخصوم الذين هم دعاة استمرار بوتفليقة رغم معاناته من آثار "النوبة الإقفارية العابرة" التي أصيب بها قبل نحو سنة. وإذا كانت (بركات) قد تعرضت للقمع في أول تجمع لها بحجة عدم الترخيص لها بذلك، فإنها نجحت في الحصول على إذن بعقد تجمع ثان لها ، من دون أن تتدخل قوات الأمن لفضه ، ليكون المناضلون الشباب قد ربحوا المعركة الأولى في انتظار معركة هيكلة حركتهم للقيام بمبادرات أكثر نجاعة. وفي الجناح الآخر، لا يقف مؤيدو رئيس الدولة الذين يروا في استمراره حماية "للاستقرار"، مكتوفي الأيدي، حيث ضمنوا جمع "أزيد من 4 ملايين" توقيع لصالح مرشحهم، وكذا تعبئة آلاف الأشخاص في قاعة متعددة الاختصاصات بالعاصمة خلال تجمع لهم، وإن كانت تسريبات صحفية تفيد بحصول انقسامات داخل صف المؤيدين التقليديين لرئيس الدولة. وبين معارضي ترشح بوتفليقة ومؤيديه، يبدو طرف ثالث تبنى موقفا له دواعي سياسية وتكتيكية، وهو تكتل لمجوعة أحزاب وشخصيات مستقلة تكتلت في إطار تنسيقية مقاطعة الانتخابات لإيمانهم بأن نتيجتها محسومة "مسبقا". هذا التحالف الذي يقود حملة للمقاطعة، يجد نفسه في مواجهة حزب السلطة ومختلف المؤسسات الداعمة للرئيس المرشح عبد العزيز بوتفليقة المتواجد في الحكم منذ 15 سنة. ووسط ذلك، يجد الناخب نفسه أمام ضبابية غير مسبوقة وأمام غياب تداول ذي مصداقية على السلطة، لكون هذا الاستحقاق يأتي بعد سلسلة أحداث ساهمت في خفض نسبة الاهتمام به، وأدخلت معه الطبقة السياسية والمواطن العادي على السواء في عالم من التوجس والقلق من المستقبل. وفضلا عن علامات الاستفهام حول قدرة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على قيادة البلاد لولاية جديدة، اهتزت الساحة السياسية الجزائرية بجدل غير مألوف حول دور المؤسسة العسكرية، وتحديدا مصالح الاستعلامات. وأثارت التصريحات المضادة لإدارة الاستخبارات والأمن زوبعة في البلاد غذت معها المخاوف بشأن الاستقرار والوئام الوطني، لكونها أتت من شخصية جد مقربة من النظام، مما أجبر الرئاسة على القيام بتدخل مزدوج لإطفاء نار كانت ستؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. وبالإضافة إلى ذلك، وجد الجزائريون أنفسهم ، منذ أشهر ، في مواجهة سلسلة من الإضرابات القطاعية، لا سيما توقف العمل لثلاثة أسابيع في قطاع التربية بسبب شد الحبل بين الوزارة الوصية والنقابات، مما هدد في أحايين كثيرة بسنة بيضاء. وفي الوقت الذي تسفر فيه أحداث غرداية التي تغذيها النعرات الطائفية بين عرب وأمازيغ، عن مواجهات بين الفينة والأخرى وتخلف ضحايا وخسائر مادية جسيمة، أبرز مصدر قلق كافة الحساسيات السياسية والاجتماعية في البلاد التي بدأت تدرك خطورة هذه النعرات التي انضافت إليها موجة الغضب بسبب مزحة قدحية في حق أهالي منطقة الشاوية وهم أمازيغ في شرق البلاد، صدرت عن عبد المالك سلال مدير حملة الرئيس بوتفليقة خلال تجمع خطابي مؤخرا. ولم تثن اعتذارات سلال عن هذه المزحة، نحو 5 آلاف متظاهر من النزول ، الخميس الماضي ، إلى شوارع باتنة (عاصمة الأوراس حيث منطقة الشاوية)، للتنديد بهذه التصريحات وبعهدة رابعة، موجهين أيضا رسائل تعاطف مع ساكنة غرداية. وحسب لائحة سياسية لجبهة القوى الاشتراكية (أبرز حزب معارض في الجزائر) الذي قرر عدم المشاركة في هذه الانتخابات، فإن مرحلة ما بعد اقتراع 17 أبريل لن تؤدي إلى التماسك الاجتماعي بالجزائر. وأضافت اللائحة أن الاقتراع "لن يسمح بتجنب مخاطر الفراغ السياسي وعدم الاستقرار المؤسساتي ولن يمحو الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية التي تتزايد على بلدنا".