شعارات...تتويج...استعراض العضلات...بالمقابل، صرخات...مقالات...استفهامات... تبقى هناك في زاوية الصمت، ونسيان آخر، أمام استهتار المسؤولين، ينامون ولا يحركون ساكنا، وإذا ما استيقظوا ارتكبوا حماقات وتسببوا في أوجاع وأثخنوا جروحا، مسببين بذلك أزمات مختلفة على المستوى التسييري والتنموي والاجتماعي. فلكم الله يا سكان اليوسفية! فما أن يلتئم لكم جرح إلا وجروح جديدة تُفتح، وكرامات عديدة تُمتهن، وبيوت عتيدة تُخرّب ، فمن حين لآخر يعاود من سلطهم القدر علينا العبث بأرواح أهالينا، ضاربين بمناداتنا واستنكاراتنا عرض الحائط، غير آبهين بصرخاتنا وصرخات صغارنا وتوجعات ضعفائنا.
ففي تصعيد غريب، تدخل رئيس المجلس الحضري باليوسفية وأصدر أوامره بضرورة إرجاع سيارة إسعاف الجماعة إلى المستودع البلدي التي كان قد طلبها أحد المواطنين اليوسفيين، لإنقاذ شقيقته ذات الستة والأربعين ربيعا بنقلها إلى المستشفى الجهوي بمدينة أسفي بعد أن تعذر استشفاؤها بالمستشفى الإقليمي باليوسفية بسبب نقص التجهيزات الطبية، لتسلم بعد ذلك الروح إلى بارئها. وبالرغم من أن تصريح شقيق الضحية، الذي يشتغل كموظف بالجماعة الحضرية لمدينة اليوسفية، كان واضحا حيث ربط الحادث بحسابات شخصية أصر الرئيس على تصفيتها معه بسبب نشاطه الإعلامي والنقابي، ورفضه أن يكون دمية في يده يحركها كما يشاء، إلا أن هذا التصرف اللامسؤول ينبغي أن نناقشه انطلاقا من قراءة متأنية للمشهد التسييري العام للمجلس الحضري، فللأمر أسباب عامة وأخرى تفصيلية، ويتمثل السبب العام في كون هؤلاء المسؤولون ينظرون إلى المواطنين بنظرة استخفافية واحتقارية دافعهم في ذلك صمت المواطن اليوسفي الذي يئن من فرط الظلم والاستعباد تحت وطأة الانتهازيين ومصاصي دماء المستضعفين. أما الأسباب التفصيلية الخاصة فتتمثل في محاولة لفت الأنظار عن الفشل الذريع لصناع القرار بالمجلس وعدم استجابتهم لتطلعات وانتظارات اليوسفيين، إضافة إلى السعي لتلميع واجهة المجلس وتزيينها بهكذا مواقف، على الأقل للحفاظ على مساحيق التجميل الذي يراهن عليها الجميع في الانتخابات الجماعية المقبلة في ظل تصدعات جلية في الفسيفساء التي تؤثث تحالف الأحزاب الأربعة المشكلة للمجلس.
والمؤسف فعلا، أن نجد بعض ممّن يُفترض فيهم الدفاع عن هوية مدينتنا الانحناء أمام أصوات المقهورين والمهمشين، ثم يلجؤون غير عابئين بذلك إلى المتاجرة بمعاناتهم ومآسيهم، بالرغم من صيحاتهم المدوّية التي لم تصل إلى من يهمهم الأمر إن وّجدوا طبعا، وكأنهم يصرخون في وسادة لا يسمع صيحاتهم إلا هم، لم تمتد إليهم يد الرحمة كما امتدت إلى مدن أخرى، والسبب كما يعرفه الخاص و العام لن يكون بعيدا عن صانعي القرار فيها سواء كانوا على رأس السلطة أو في أدناها والذي يبدو أنهم استساغوا الوضع القائم واستأنسوا بالظرف الراهن في محاولة لتدمير معالم المدينة و الإجهاز على ملامح ذاكرتها.